PHILOSOPHY

الخيال

 

 يعد الخيال عملية فكرية واعية تقوم باستدعاء الأفكارأو الصور لأشياء وأحداث وعلاقات وصفات أوعمليات ليس لم يقم الشخص بتجربتها أو إدراكها من قبل ونحن اذ نخوض في مجال البحث العلمي والتقصي المعلوماتي عن هذاه العملية (الخيال) نواجه بعدد غير قليل من الأسئلة عن الكيفيات والوضعيات التي يعمل بها الدماغ البشري لانجاز تلك العملية الغامضة والمركبة، كذلك نواجه بضرورة فك الاشتباك السائد والخلط الحاصل في كثير من الاحيان على مستوى التوصيف بين (الخيال) و(التذكر) و(الادراك)؛ (فبين الخيال والتذكروالإدراك تكامل ذهني واستنتاجي وأحياناً يجد حتى مختصو الكيمياء الدماغية صعوبة بالغة في تحديد سرعات وأسبقيات عمل المراكز المخية على تلك العمليت لشدة تداخل النتائج والمواقف الذهنية المتأتية من  قيام الدماغ بتلك العمليات حيث يؤسس الادراك (لفهم أو تلقي معلوماتي شبه كامل للتعابير والصفات الحسية للأشياء الخارجية والأحداث) في حين تقوم الذاكرة بـ (إسترجاع ذهني لتجارب سابقة) وهم بالأساس عمليات فكرية متشابهة) *؛ هذه حقيقة مهمة خاصةً عندما تشتمل محتويات التجربة على صورحسية؛ وهنا يمييزالنفسانيون بين الخيال المعاد إنتاجه بواسطة الادراك والتذكر حيث انتاج الصور الفكرية على أساس من الأحاسيس المستنبطة من الذاكرة أو الواقع المراقب والمدرك؛ والخيال الفعال والبناء أو المبدع وبواسطته يقدم الفكر صوراً لأحداث أو مواضيع التي إما أن تكون ذات علاقة طفيفة أو لاتمت للماضي أو الحاضر الفعلي بصلة.

اذاً وعلى نحو معين(قد يتضمن مصطلح الخيال إنعاش عمليات إعادة جمع (الذاكرة) بالإضافة الى عملية خلق صور فكرية (خيالية)، ولكننا اذا تحدثنا عن الخيال الابداعي فان التعريف سيقدم لنا فصلاً حاداً ان لم يكن تناقضاً واضحاً بين الخيال والذاكرة كالتناقض مفهوم تشكيل شيء جديد مع مفهوم  الشيء القديم المسترد)*.

 وقد يحدث الخلط مع الإدراك أو وقد لانفرق جيداً بينهما عندما نجد أن الادراك الحقيقي يتزامن مع الادراك المتصور، (فقد تدرك الأحداث والأشياء بوضوح في الأحلام على سبيل المثال ويتجاوز الخيال وظائف الإدراك في كل هذه الأحداث النفسية فنحن نعلم أن الهلوسة تعد من الأمثلة المتطرفة جداً لتداخل الخيال بالادراك مما يسبب نوعاً من الإرباك والإختلاط التي يعانيها ضحاياها المختلين عقليا ويقال أن خطأ متقابلاً يحدث عندما يعمل إدراك حقيقي لدى الفرد ليّكون مادة متخيلة)*، وهذا المنحى هوالمعتمد منهجياُ للتفريق اصطلاحياً ومعرفياً بين العمليات الذهنية الثلاث لأغراض المتابعة والتقصي والدراسة من خلال التشريح الاستدلالي لآليات وخصاص ونتائج عمل كل منها.

 

 

 

 

موجز تاريخ فلسفة الجمال

فهم الفن والجمال عبر الومن

 

لكي نحسن تتبع القضايا الفنية والجمالية في التصميم بحسب أصولها المعرفية يحتم علينا منهج البحث وآلياته تتبع المنابع التاريخية لرؤية الأنسان للفن، ولالتزام البحث باشتراطات عمله التفصيلية فلا يسع الباحث الاغراق في تفاصيل قد لاتزيد الامن ترهل البحث وتماديه بعيداً عن أهدافه المحددة سلفاً، عليه فسيكون المسعى مبرراً إن اكتفينا بالمرور السريع والدقيع على تطورات علاقة الرؤية الفلسفية للفن وجمالياته ليواصل البحث بعدها مهامهه في التصدي لمشكلته الرئيسة والحادة الوضوح.

لقد أصبح من الواضح أن مفهوم الفن في العصر الحديث لا يرتبط كثيراً بعلاقة "الفن والجمال" كما كان سابقاً وانما بعلاقة" الفن والتعبير". صحيح أن مفهوم الفن والجمال ارتبطا دائماً عبر تاريخ الفن وتاريخ الفلسفة .لكن مفهوم الفن لم يكن واضحاً في السابق وكذلك مفهوم الجمال. وكلنا يعلم أن علم الجمال هو علم حديث ظهر سنة 1750 على يد بومجارتن حيث بدأ هذا العلم بدراسة التذوق والمسائل المرتبطة به ثم اضيف اليه مباحث تتعلق بالابداع الفني علم النفس والاجتماع أحيانا.. يقول عبد الرؤوف برجاوي " الظاهرة الجمالية في الفن، هي ظاهرة بشرية، تنبع، إلى حد ما، من العلوم الانسانية، كعلم النفس، والتحليل النفسي، وعلم الاجتماع، وهذه ليست فلسفة بالمعنى الدقيق، وان كانت تمس اجواء الفلسفة، فاذا كان من العسير على الفلاسفة، احياناً فهم وجهة نظر الفنانين، فانه يصعب على الفنانين، احياناً اخرى، فهم وجهة نظر الفلاسفة" .ويرى في نفس المصدر "أن اكثر علماء الجمال والفلاسفة، الذين لم يمارسوا فناً بصورة بارزة، هم الذين تصدوا للفن واهله، واعطوا كل مويد فيما يتعلق بعلم الجمال: ولعل افلاطون، اول باحث في الجمال، قديماً وبصورة دقيقة، لم يحاول يغمس ريشته بالزيت، فيخرج الواناً وظلالاً، أو يحمل قيثارة فيرجعها انغاماً، أو ازميلاً يصنع من احجر تمثالاً، وانما كان عمله، كما عرف عنه، غير ذلك، تناول الفنون، فلسفة ونظريات".

ولكن قبل الخوض في آراء افلاطون علينا أن نلقي نظرة على آراء استاذه سقراط ( 470 - 399 ق.م) حيث كان يرى أن كل شيء ذو فائدة هو رائع جميل فالاشياء التي تسبب ضرراً للانسان هي قبيحة رغم تناسب اجزائها في جمال الصنع. لذلك يرى كيوناردو ريتشي استاذ العمارة في جامعتي فلورنسا وهارفرد ( 1950 - 1980) أن الاهرامات هي قبيحة لأنها بنيت على اكتاف واكف آلاف المستبعدين من البشر.

   لقد كان الجمال قبل ارسطو ذا مفهوم رياضي شكلي يقع في اطار الارقام والنسب كما عند فيثاغورس( القرن 6 ق.م) وفي النسبية كما عند هيراقليطس ( 576 - 480 ق.م) وفي النظام الصارم والتناسق كما هو عند ديمقراطس ( 460 - 370 ق.م) . فكان سقراط اول من وضع مبدأ الاخلاق في الفن ثم تبعه تلميذه افلاطون ( 427 - 347 ق.م) حيث وضع رأيه في الفن في مبدأ عدم محاكاة للطبيعة ووضع درجات الجمال: الجمال المطلق ثم العقل - فالنفس ( وتمثل الاخلاق) - ثم الجسم.

ولا بد هنا من ذكر أن الاغريق كانوا يقدسون الجمال وحرصوا على تمجيد ربات الفنون وعبادتها وتقديم القرابين اليها ورعايتها ايماناً منهم بتقديس مظاهر الجمال الخالدة في الفن والطبيعة.

إن نظام الكون شغل بال الفلاسفة اليونانيين فذهبوا يتمثلون نظاماً من الجمال في فنونهم سعوا فيه إلى تحقيق صفات التماثل والائتلاف، فحدث لقاء بين تصوراتهم الميتافيزيقية وتخيلاتهم الاستطيقية فأصبحت تطبيقاتهم في مجالي " الجمال" و " الفن" هي الجانب الاسطيقي لمشكلة البحث عن " الوحدة في الميتافيزيقا" التي سعى اليها الفلاسفة عندما فسروا مسألة الكثرة والتعدد.

ثم يأتي افلوطين ( 204 - 270 م) وهو فيلسوف مسيحي زاهد وصوفي ولد في مصر وتأثر بافلاطون ويعد مؤسس الافلاطونية الحديثة. حاول فيها التوفيق بين الفلسفة اليونانية والمعتقدات الدينية الشرقية. فكان لانتشار افطاره الوقع الخطير على الفلسفة والتصوف من بعده إن اهم ما يؤثر به هذا الرجل كان ايمانه بوجود عالمين في آن واحد وهما العالم الحقيقي( ويدرك بالعقل) والعالم الحسي الذي يفيض عن الله أو الخيرالمحض. لذلك فللجمال ثلاث صور: العقلية، الطبيعية, الفنية ( الصناعية) فنرى أن مفهوم الفن يوازي المهارة الصناعية يجد له صدراً رحباً في المفهوم الاسلامي بعد ذلك. و ذلك هو سبب الخلاف الحقيقي بين نظرتي الغرب والشرق إلى مفهوم الفن، فجذور المفهوم الغربي تعود إلى تقديس الجمال في حد ذاته بينما هو صناعة ومهارة ومنفعة في خدمة الانسان لدى الشرق. وأن العالمين الشرقي والغربي رشفا من مصدر واحد وهو الديانات السماوية.

ولنعاود الربط بين مجريات التاريخ المعرفي لنجد تسبيباً معقولاً لمسيرة الفهم المتباين لمفاصل الفن فسنجد أن الاختلاف ظهر عندما حصل انفصام بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية في عصر النهضة ( 1418م) بظهور الحركة الانسانية والرؤية الواقعية إلى الطبيعة واتساع المدن ونموها وظهور المنظور في الساحة الفنية واخذ رجال الفن موقعهم مع رجال العلم وتحرر الفنان من السلطة الدينية. ولا ننسى أن نربط كل ذلك بسقوط الأندلس واكتشاف امريكا وسقوط القسطنطينية ويأس الصليبين من تحرير القدس نهائيا، فانقلبت الموازين ففي القرن السلبع عشر احتل البرتغاليون سواحل الخليج العربي. وظهر شكسبير في بريطانيا وسيرفانتيس ( صاحب رواية دون كيشوت) في اسبانيا وموليير في فرنسا وكذلك جاليليو وباسكال ونيوتن ومن الفلاسفة ديكارت وسبيونزا وساد عصر لويس الرابع عشرفي فرنسا، وظهر عصر الباروك ثم لحقه الركوكو في القرن التالي.

ولا ننسى أن ديكارت واضع مبدأ الثنائية : في الربط بين طرفي الحس والعقل لأهميتهما معاً في احداث اللّذة الحقيقية بالجمال. ويتفق موضوع مشاركة العقل مع الحواس في احداث الشعور باللذة الجمالية مع موقف ديكارت من مسألة الاتحاد بين النفس والجسد والمعرفة بالثنائية التي يرى فيها أن الانفعالات هي حالة ناتجة عن الاتحاد بين جوهري النفس والجسد، ولما كان الانفعال والعاطفة يمثلان الجانب الشعوري من جوانب اللذة عند "ديكارت" ، وكانت الحواس من جهة اخرى هي جزء لا يتجزأ من البدن الذي يتأثر بالانفعالات والعواطف، فان الاتحاد بينهما يكون وثيقاً والتأثير متبادلاً.

يقول ديكارت:

" ليس فينا الا نوعين من الفكر هما ادراك الزمن، وفعل الارادة".

ويقول : " كيف نحصل على افكار متميزة عن الامتداد وعن الفكر من حيث أن احدهما هو طبيعة الجسم والثاني هو طبيعة النفس"

بمعنى أن في الانسان قوتين: قوة الحس وقوة العقل وهما القوتان اللتان تؤسسان الحكم الجمالي والتقييم الفني.

إن القرن الثامن عشر هو قرن الفلاسفة فقد ظهر منهم - بومارجن ( واضع علم الجمال) وهيوم وكانت وبيرك وشيلر وهيغل وشيلنج. كما ظهر في هذا العصر كل من باخ وموزارت وبيتهوفن. وفي هذا القرن حدثت الثورة الامريكية 1750 والثورة الفرنسية 1789 .

أهم مباديء كانت ( 1724 - 1804م) ( عدنان رشيد، دراسات في علم الجمال دار النهضة العربية - بيروت 1985 ص 11)

ولا ننسى أن كانت هو الذي وضع الاساس لمذهبين أو مدرستين هما : (1) الفن للفن و(2) الفن لهو (متعة) . كما لا ننسى أن عصره هو عصر الركوكو وهو عصر الانحطاط الخلقي والسياسي والاجتماعي وحيث كان الفن في خدمة الخدور النسائية وبناء  عليه قامت الثورة الفرنسية وظهرت المدارس الكلاسيكية المحدثة، والرومانسية، والواقعية، واخيراً التأثيرية التي ثارت على المنظور وفلسفته وبذلك مهدت الطريق للفن الحديث.

مع بداية القرن العشرين كانت الحرب العالمية الاولى التي انتهت بسقوط الخلافة الاسلامية وسقوط البلاد العربية في براثن الاستعمار الغربي مما جعل المثقف الشرقي يشك في جدوى انتمائه لمعتقدات قديمة ثابتة غير قابلة للتأقلم مع مستجدات البحث العلمي الذي سادت لغتنه الآفاق ومما دفع المثقف للبحث في سبل تطويع منظومته الفكرية والثقافية وحتى الدينية - لاحقاً -  لسبل التطبيع المعرفي وتحمل مسؤليات البحث عن سبل الالتقاء والتفاعل مع ما ورد من الغرب من مستجدات معرفية وصناعية وسياسية واجتماعية لاتقاوم.

هذا مما أوصلنا أخيراً لأمتلاك القدرة العلمية على التعامل مع المنهج العلمي الذي وحد النظر للفنون على أنها معارف قابلة للدراسة وفق مقتضيات الحاجة البحثية التي تتعلق بالمكان والحيثيات الموضوعية  لجلاء الصور الضبابية واستشفاف المواقف.

اذن لابد لنا أن نعي أهمية الدور التأريخي زمانياً ومكانياً لكي نشرع بالتحليل لمفهوم الفن أكان جمالياً أو تعبيرياً وقد صار جلياً من خلال المقدمة التأريخية السالفة أن المفهوم ليس راسخاً بل متبدلاً من الفن لأجل الجمال الى الفن من أجل التعبير والأتصال.

 

 

 

أما اذا انتقلنا عمداً الى خصوصيات التصميم كفن ازداد اتساعاً ووضوحاً مع تبلور نظريات الفن – التعبير فأننا لابد أن نزيد من الأغراق في مصطلحات تخصصية تترجم واقع العملية التصميمية كعملية معرفية متقدمة تطرح فهمها الخاص للتعبير والأداء، حيث تقاس الجدوى في التصميم بالأداء والانجاز الغائي الذي اصطلح عليه بالوظيفة حيث يعد التصميم من الفنون التي تقوم بكليتها لوجود دافع وظيفي يبتغي المصمم تحقيقه في منجزة التصميم، وبذلك تكمن اهمية التميز بين المنطلقات التصميمية كدوافع فكرية وفنية وإنتاجية وبين التوصلات كنتائج متحققة فعلاً على المستويات الفكرية والجمالية والوظيفية، ويعود هذا التمييز والاعتراف المسبق باهمية الجانب الوظيفي كركن رئيس من اركان التوصلات المتحققة في المنجز التصميمي، والوظيفة هي مقدار تحقق المنفعة الاستعمالية في المنجز التصميمي، فلا يكون التصميم هدفاً لذاته الا فيما يعرف بتصميم الفنون الجميلة (pure Art) وإلا فالتصميم ينطلق من منطلقات انتاجية صناعية او تجارية او ارشادية لتحقيق اغراض استعمالية.

في التصميم الطباعي تكون الوظيفة بما يتناسب والغايات من المطبوعات فمنها ما يكون الهدف منه المقروئية فحسب مثل طباعة النصوص اينما وجدت في كتاب او صحيفة او ديوان شعر او غيره مما يطبع ويصمم من قبل، ومنها مايكون لاغراض الدعاية او الاعلان او لاغراض الاتصال  او لاغراض التعامل المؤسساتي مثل ما نجد في مطبوعات المؤسسات البريدية والمالية والعقارات ومطبوعات الشركات لاغراض التعامل التجاري او الاداري المطبوعات لاغراض تزينية مثل ورق الجدران وغيرها العديد من انواع التصميم الطباعي ومفرداته مما يغير الهدف الوظيفي والمغزى الاستعمالي للمصمم الطباعي.

وليست الوظيفية هدفاً رئيسياً في المنتج التصميمي بقدر ما هي ركناً من اركان العملية التصميمة وخصوصاً في التصميم الطباعي الذي يكون المصمم مرتبطاً بعمليات تقنية وادوات فنية وغير فنية مما قد يُسحب المصمم بخطته التصميمية للاخلال بالجانب الوظيفي وذلك لكي يقدم جهداً تصميمياً معتمداً على الجوانب التقنية ومراعياً لها ومركزاً على اشكاليتها مما يسبب خللاً في الاداء الوظيفي للتصميم كما نجد في المصممات التي يخل المصمم بجانب المقروئية عندما يعتمد نوعاً من الحروف والفونتات التي تستخدم وتسهل التعامل التقني في حين تزيد من صعوبة التلقي.

وبوصف التصميم متكوناً من مغازي واهداف اتصالية فانه يجب مراعاة التوصيل والذي تكمن معظم غايات التصميم الطباعي فيه وعليه يمكن تقسيم الوظيفة بحسب الغرض الاتصالي الى جانبين وظيفة ذهنية تنقل معاني ودلالات وافكار ومضامين يجب ان تكون مدروسة ومخطط لها مسبقاً وبالتالي متحققة وملبية للاغراض والغايات الاتصالية وواعية لنظم التلقي والتأوييل لدى المتلقي، والجانب الاخر من الوظيفة الجانب البصري حيث ان التصميم الطباعي بالذات هو عملية اتصال بصرية يجب ان تدرس وتتحق بيسر وسهولة وذلك بالمعرفة العلمية والتطبيقية بخصائص الأدراك والاحساس البصري وفسلجة العين واتجاه حركتها وعادات قرائتها لدى المتلقي كل حسب الشريحة الثقافية والاجتماعية العمرية التي ينتمي لها.

وعند التوسع بالمراعاة للجانب الوظيفي يجب ان تقف عند خصائص الوظيفة من حيث كونها احد اهم بل واول دافع من دوافع التصميم والتكليف بالتصميم الطباعي مما يفرض على المصمم مراقبة المتحقق الوظيفي على مدى المراحل التصمصية وحتى في مراحل التنفيذ النهائي في التصميم المطبوع.

 

 

 

 

الإدراك الحسي ( نفسيا ً)

المدخل

 من الناحية النفسية ينظر للإدراك الحسي على أنه عملية تسخرها الأعضاء لتفسير وتنظيم الإحساس والاشارات الحسية المستلمة لإنتاج تجربة ذات معنى شمولي للعالم أو مايدور به، (يُشير الإحساس غالباً بإشارات عصبية متنوعة الشكل والكيفية الى نتائج عاجلة غير معالجة نسبياً، وهي نتائج ناشئة عن تحفيز عضو الاستلام الحسي في (العيون والاذان والأنف واللسان او الجلد))*.  من ناحية أخرى (يعد الإدراك الحسي أفضل وصف لتجربة معالجة معلومات في العالم)* وتتضمن نمطاً دقيقاً جداً لمعالجة المعلومات الحسية واستخلاص النتائج منها؛ حيث نلاحظ مع التدريب إن الإحساس والإدراك الحسي يصعب الفصل بينهما وذلك لأنهما جزء من عملية مستمرة، حيث (تترجم أجهزتنا الحسية الطاقة المادية من البيئة الى نبضات كهربائية يحللها الدماغ؛ فعلى سبيل المثال يؤثر الضوء بوصفه إشعاع كهرومغناطيسي على الخلايا المسؤلة عن الاستلام في أعيننا فتقوم يتنشيطها فترسل إشارات الى الدماغ الذي يجري عليها عدة معالجات حيث ليس من اليسير تحليل هذه الإشارات كطاقة خالصة وتحويلها الى معلومات مفهومة الامن خلال عملية طويلة وشائكة هي مايصطلح عليه بالادراك الحسي التي تنتج  لنا بدورها  تفسيرتلك الاشارات كأشياء و أحداث وأشخاص ومواقف).

 

 ستبدو الحياة مثل الوان مختلطة والوان وأشكال بلا معنى بدون القدرة على تنظيم وتفسير الإدراك الحسي للمعلومات الواردة من أعضاء الحس؛ فالشخص بدون قدرة الإدراك يكون عاجزاً عن التعرف على الوجه وفهم اللغة أو تجنب التهديدات؛ ولن يبقى مثل هكذا شخص حياً لفترة طويلة، وهناك أنواع عديدة من الحيوانات تولد ولديها إحساس حاد و أنظمة إدراك شبه متكاملة مما يساعدها على العيش.

 

 

 

 

 

 

مبادئ التنظيم الإدراكي

 

 إن تنظيم الاشارت الحسية الصرفة داخل التجارب ذات المعنى يتضمن المعرفة وإستدعاء مجموعة من النشاطات الذهنية بضمنها التحليل والخيال والتذكر، (حيث تعد المعارف السابقة والخبرة الشخصية مهمة جداً للإدراك الحسي لأنهما يساعدانا في عمل تنظيم للمعلومات التي تأتينا من المنظومة الحسية). لإستيعاب هذه الأفكارلنحاول الاستعانة بمثال مشهور من خلال اجراء محاولة لقراءة المقطع التالي:

 

 

 

يحتمل أن تقرأ النص، لكن ليس كسهولة قراءة الأحرف بإتجاهها المعتاد، هنا تتيح لك المعرفة والتجربة الشخصية السابقة فهم النص و يمكن لنا أن نقرأ الكلمات بسبب معرفتنا لأشكال الأحرف وقد يكون لدينا خبرة سابقة في قراءة النصوص على نحو مقلوب وإلا لقمنا بتفسير النص كأشكال بلا معنى بدون معرفة أشكال الحوف مسبقاً كحال الناس اللذين لا يعرفون الصينية أو اليابانية فعندما يحاول من لايجيد تلك اللغات قرائتها فأنه يرى(حروف وكلمات) تلك اللغات كأشكال بلا معنى؛ وعليه تعد القراءة شكلاً من الإدراك البصري.

ولنلاحظ جيداً ماورد في المثال أعلاه، فنحن لم تتوقف لقراءة كل إشارات  الحرف بدقة؛ وبدلاً عن ذلك ربما ادركنا معنى العبارة او الكلمات من تقديرنا الشخصي للموقف كونها مقلوبة، فعلى سبيل المثال إن معرفة المقلوب قد يساعدك للتنبأ بالسياق لأن الكلمتين حدثت سوية فحرف الواو مثلاً جاء معكوساً قبل كلمة (هي) ممايعني وجود خطاء في الجملة لم نلاحظه وكانت ستلاحظ هكذا أخطاء فوراً إذا كانت الأحرف بالإتجاه الصحيح والسبب أن خبرتنا الشخصية جيدة بمشاهدة الأحرف بذلك الاتجاه (الاتجاه الصحيح).

 

 

 

 

 الجشتالت Gestalt

 

ومن المثال السابق يمكننا أن نفصل في الكيفية التي يدرك الناس بها الأشكال والعلاقات بطريقة اجمالية بدلاً عن أجزاء منفصلة عديدة وهذا هو موضوع الإهتمام في سيكولوجيا الجشتالت حيث يختلف الإجمال عن مقدار أجزائه بحسب وجهة نظر النفسانيين الجشتالت والتي اشتق الكلمة لتعبر عن التوجه الفكري- النفسي للمدرسة أو الاتجاه حيث (إن الجشتالت Gestalt هي كلمة المانية معناها الشكل أو النمط)*.

 

أ‌- قوانين الجشتالت في التصنيف:-

 (كان الباحثين الألمان مكس ورثمر و كورت كوفكا و وولفكانج كولر هم الثلاثة المؤسسين لسايكولوجية الجشتالت وعرف هؤلاء الرجال عدد من المباديء التي بموجبها ينظم الناس الأجزاء المعزولة للحوافز البصرية الى مجاميع أو أشياء كامنة برمتها، وتوجد خمسة قوانين رئيسية للتصنيف:- (القرب والتشابه والإستمرارية والإغلاق والمصير المشترك)؛ والقانون السادس ذلك هو (البساطة) تشمل كل هذه القوانين)*.

وتنطبق قوانين الجشتالت أيضاً على الإدراك الحسي في أحاسيس إخرى مع إن هذه القوانين هي الأكثر تطبيقاً على الإدراك البصري.

أ-1 القرب:

 ينص قانون القرب على إن أقرب الأشياء أحدهما للآخر يمنحنا استنتاجاً بالتطابق وعليه نصنف على أساس القرب، فأكثر المستطيلات قرباً لبعض نفهمه على انه أكثرتماسكاً  فنصنفها سوية فكرياً.

 

(الشكل أ-1)

ففي مجموعات الصناديق نحن ندرك الأقرب الى بعض على انهما أكثر تشابهاً أحدهما الى الآخر نلاحظ إننا لا نرى الصندوق الثاني والثالث من اليسار كزوج لأنهما متباعدان.

 

 

أ-2 التشابه:

 يقود قانون التشابه ليربط سوية أجزاء من الحقل البصري المتشابه في اللون والإضاءة والنسيج والشكل أو أية نوعية أخرى لهذا السبب ندرك الصفوف الأفقية للكرات في المثال التالي بدلاً من الأعمدة أو ترتيبات أخرى في الشكل

 

 

 

 

(الشكل  أ-2)

 

 

أ-3 الإستمرارية:

 يقودنا قانون الإستمرارية لنرى الخط كأستمرار في إتجاه معين أكثر مما توئثر بنا رؤيو استدارة مفاجئة فنرى خط مستقيم مع خط منحني عبرمن خلال الرسم على جهة اليسار ولاحظ إننا لا نرى في الرسم على جهة اليمين رسماً يحتوي على قطعتين.

 

 

(شكل أ-3)

 

 

أ-4 الإغلاق:

نفضل الصيغ الكاملة حسب قانون الإغلاق.

 

(الشكل أ-4)

وهكذا نسد الفجوات فكرياً وندرك صورة البطة متكاملة؛ يسمح هذا الإتجاه بأدراك الأشياء كلها اجمالياً من مجموعة صيغ غير كاملة وغير متكاملة.

 

أ-5 المصير المشترك:

يقودنا قانون المصير المشترك لجدولة الأشياء سويه التي تتحرك بنفس الإتجاه.

 

 

(الشكل أ-5)

 تخيل ثلاث كرات تتحرك بأتجاه واحد وكرتين تتحرك بالأتجاه المعاكس. لو شاهدت هذه في حركة فعلية فأنك ستجدول فكرياً الكرات المتحركة جميعاً بنفس الإتجاه وإستناداً على هذا المبدأ نرى عادة أسراب من الطيورأو الأسماك كمجموعة متكاملة واحدة تسير باتجاه واحد.

 

 

 

 

أ-6 البساطة:

 يعتبر قانون البساطة هو المركز لمدخل السيكولوجيين الجشتالت وهي من حيث الفكرة العامة تشمل كل قوانين الجشتالت الأخرى والتي تنص على أن الناس حدسياً تفضل الأبسط والأكثر استقراراً للتنظيمات الممكنة؛ فعلى سبيل المثال.

 

(الشكل أ-6 )

 يمكنك إدراك هذا بسبل متنوعة كثلاثة أقراص متداخلة، ظاهرة قرص واحد متكاملاً و إثنين آخرين مقتطعين من جوانبهما اليمنى أو حتى كمنظر مرتفع لثلاثة أبعاد أشكال إسطوانية. يشير قانون البساطة على إنك سترى توضيحا كثلاثة أقراص متداخلة لأنها التفسير الأبسط.

 

ب- الشكل والأرضية (الخلفية):

 لا يتضمن الإدراك الحسي التنظيم والجدولة بل أيضا يتضمن تميز الشيء عما يحيط به؛ تلاحظ إننا حالما ندرك الشيء تصبح المساحة حول ذلك الشيء (خلفية) فعلى سبيل المثال عندما تنظر على شاشة حاسبتك؛ يصبح الحائط خلفها خلفية، إن الشيء او الشكل هو الأقرب اليك من الخلفية أو الأرضية التي هي أبعد من الشيء؛ إستنبط السيكولوجيين الجشتالت علاقات خلفية الشكل المبهمة من الرسومات يمكن أن تقدم لنا شكلاً و أرضية في ذات الوقت  لتوضيح هذه النقطة بأن الشمول يختلف عن مقدار أجزاءه؛ فلو أخذنا الرسم المرفق بعنوان (الشكل و الأرضية)

 

(الشكل أ-7).

 فانك سترى كأس أبيض كشكل معروض على أرضية سوداء وقد ترى وجهين آدميين معتمين أحدهما مقابل الآخر، ولاحظ عندما تفعل ذلك ستصبح المساحة البيضاء كأرضية يتراوح إدراكك بين هذين التفسيرين الممكنين، مع إن أجزاء (الشكل أ-7 ) ثابتة، وهكذا يدعم هذا النموذج الشكلي موقف الجشتالت بأن الشمولية لا تقررها أجزاءها فقط.

 

 

ثبات الإدراك

     عندما نشاهد شيئاً تظهر لصورته على شبكيات عيوننا وتتغير بإختلاف المسافة والزاوية ومستوى محيط الضوء و إتجاه الشيء وبعض العوامل الأخرى؛ ويتيح ثبات الإدراك إدراك شيء متشابه تقريباً على الرغم من التغييرات في صورة الشبكية، وقد أوضح وأثبت الباحثين النفسيين عدداً من ثبوتيات الإدراك بضمنها ثبات الضياء وثبات اللون وثبات الشكل وثبات الحجم.

 

أ‌- ثبات الضياء:

    (يعني ثبات الضياء إن إدراكنا لضياء أو عتمة الشيء يبقى ثابتاً على الرغم من التغيرات في الإنارة؛ فلو أخذنا على سبيل المثال ورقة بيضاء جديدة وعرضناها في غرفة مضاءة بشكل كبير ستلاحظ إن الورقة تبدو بيضاء ثم اذا قمنا بأطفاء بعض هذه الأنوار سنلاحظ أن الورقة إستمرت بكونها بيضاء ثم اذا قمنا باطفاء بعض اأنوارالأخرى الى أن نجعل الغرفة تغط بالظلام فأننا ستلاحظ أن الورقة ستبقى بيضاء بغض النظر عن مقدار الضوء الفعلي الذي يدخل الى العيون)*.

يوضح ثبات الضياء مبدأ إدراكي مهم ذلك أن الإدراك مسألة نسبية قد يحدث ثبات الضياء لأن قطعة بيضاء من الورقة تعكس الكثير من الضوء أكثرمما عليه الحال من أية أشياء إخرى في الغرفة بغض النظر عن ظروف الإضاءة المختلفة، فالشخص المدرك هو الذي يقرر ضياء أو عتمة الورقة نسبياً لأشياء أخرى في الغرفة؛ أو أننا نأخذ إضاءة الغرفة بنظر الإعتبار عندما نحكم على ضياء الأشياء من دون قصد.

 

 

 

 

ب‌- ثبات اللون:-

 (يعتبر ثبات اللون وثيق العلاقة بثبات الضياء حيث يعني ثبات اللون إننا ندرك اللون كشيء في ضوء نفس تغيرات ظروف الإضاءة فلو أن أحدنا وضع على عينيه نظارة شمسية بعدسات ملونة فأنه على الرغم من حقيقة إن العدسات الملونة قد غيرت لون الضوء الواصل الى شبكيتة، لكنه سيبقى مدركاً للأشياء البيضاء على انها بيضاء والأشياء الحمراء على انها حمراء)، توازي التفسيرات لثبات اللون تلك في ثبات الضياء، كما  يصح تفسيرنا المقترح بأن العدسات ظللت كل شيء بنفس اللون (مجردين) ذلك اللون عن المشهد بلا قصد تاركيها بلونها الأصلي.

 

ج- ثبات الشكل:-

 (يعد ثبات الشكل ثباتاً إدراكياً آخر ويعني إننا ندرك الأشياء كأستذكار بنفس الشكل على الرغم من التغيرات في الإتجاه؛ فلو أن أحدنا أخذ على سبيل المثال كتاباً ووضعه أمام وجهه حتى ينظر مباشرة الى الغلاف الذي يظهر كمستطيل واضح ثم أدار الكتاب بعيداً عنه حتى تكون الحافة السفلى للغلاف أقريب بكثير اليه من الحافة العليا؛ بالتأكيد إن صورة الكتاب في الشبكية ستكون مختلفة تماماً؛ ففي الحقيقة ستكون الصورة شبه منحرفة عندما تكون الحافة السفلى للكتاب أوسع في تركيب شبكية عينيه من الحافة العليا على الرغم من هذه الصورة الشبه منحرفة على الشبكية فأنه سيستمر بمشاهدة وادراك الكتاب كمستطيل)*، يحدث ثبات الشكل لأن نظامنا البصري يأخذ العمق بنظر الإعتباروحلله منطقياً لصالح ثبات ادراك الشكل.

 

 

د- ثبات الحجم:-

 يلعب إدراك العمق أيضاً دوراً رئيسياً في ثبات الحجم، بالميل الى إدراك الأشياء ببقاء نفس الحجم على الرغم من التغيرات في مسافتنا (بعدنا) عنها؛ فعندما يكون الشيء قريب منا تكون صورته كبيرة في الشبكية، بينما نفس الشيء تكون صورته أصغر في الشبكية عندما يكون بعيداً، (ندرك بأن الشيء له نفس الحجم على الرغم من التغييرات في حجم صورة الشبكية، فعلى سبيل المثال عندما نرى شخصاً وهو على مرمى مسافة بعيدة منا نحن لا نعتقد بأن الشخص ضئيل الحجم أننا نفهم إن ذلك الشخص ذو حجم طبيعي لكنه بعيد؛ وعلى نفس النحو عندما نرى ناطحة سحاب وهي بعيدة عنا فتبدو صورتها في شبكيتنا صغيرة جداً اننالا نعتقد بأن البناية صغيرة بل نفهم أنها كبيرة جداً)*.

إقترح العلماء والباحثين في مجالات علم النفس تفسيرات عديدة لظاهرة ثبات الحجم؛ أولها أن الناس يتعلممون فهم الحجم العام للأشياء من خلال التجربة ويستخدممون هذه المعرفة للمساعدة في الحكم على الحجم عندما يدركون، فعلى سبيل المثال نعرف جميعاً إن الحشرات هي أصغر من الأنسان و إن الأنسان أصغر من الفيلة، وعليه إذا كان للشكلين نفس حجم الصورة في الشبكية فأن المراقب يأخذ البعد بنظر الإعتبار عند الحكم على حجم الشيء، فيبدو الشيء الأكثر بعدا على إنه الأكبر عند الحكم عليهما وحتى إن الأطفال الرضع يبدو إنهم يحوزون على ثبات الحجم.

ويتضمن تفسيرنا لثبات الحجم فهمنا لنسبية أحجام الأشياء و إستناداً الى هذا التفسير نرى أشياء بنفس الحجم من أبعاد مختلفة لأنها تبقى بنفس الحجم نسبياً للأشياء المحيطة بها فعلى سبيل المثال، بينما نحن نقود السيارة بأتجاه علامة التوقف، يبقى حجم صورة الشبكية لعلامة التوقف نسبياً لشجرة قريبة فيبقى حجم الصورتين ثابتاً ويكبر تدريجياً بنفس المعدل.

 

 

 إدراك العمق

 

    يتجسد إدراك العمق في القدرة على رؤية العالم بثلاثة أبعاد وإدراك المسافة، مع إن هذه القدرة قد تبدو بسيطة (فان إدراك العمق ملحوظاً عندما تعتمد تلك الصورالمجودة الشبكية على وجود بعدين (مسطحة) فنكون ادراكاً لعالم بثلاثة أبعاد من تلك الصورالمسطحة) حيث نعتمد على المصدرين الرئيسين من المعلومات لإدراك العمق تفاوت العينين وشدة الابصار الذي يتطلب كلتا العينين والابصار الأُحادي لكل عين على حدة هذا الابصار الذي يسمح لنا بإدراك العمق.

(أن مساحة ما يقارب 7 سم (3.5 لكل واحدة)  هي مساحة الشبكيات اليسرى واليمنى عندما تستلم صورتين مختلفتين نوعاً ما يسمى هذا الإختلاف في الصور اليسرى واليمنى تفاوت العينين)*. تتم المزاوجة بين هاتين الصورتين في صورة مفردة ذات أبعاد ثلاثية تسمح لنا بأدراك العمق والمسافة، ولتطبيق مثال حول ذلك التفاوت بالعينين يمكن أحدنا أن يمد ذراعه الأيمن كلياً مقابل وجهه و يمسك بإصبع سبابته ومن ثم يقوم غلى التوالي بإغلاق عينه اليمنى ثم اليسرى بينما يركز على إصبع سبابته  سيلاحظ إن إصبعه يبدو أنه يقفز أو يتغير بصورة خفيفة كنتيجة لصورتين مختلفتين نوعا ما في كل من الشبكتين، (أن هذه الصور المزدوجة هي التي تعد مؤشراً لنظامنا الإدراكي)* فعندما نغلق العين اليسرى ثم اليمنى بالتناوب سنلاحظ إن الإصبع الأقرب يظهر لأنه يقفز (يتأرجح) أكثر من الأصبع الأبعد عاكساً مقداراً كبيراً من تفاوت العينين.

لقد إستخدم صانعو الأفلام مبداء (تفاوت العينين) لانتاج أفلام ذات ثلاثية الأبعاد حيث يتم مزج صورتين مختلفتين نوعاً ما في نفس الشاشة بالأفلام الثلاثية الأبعاد ويضع المشاهدون نظارات خاصة تستخدم فلاتر ملونة (لمعظم أفلام  الأبعاد الثلاثة) فتقوم الفلاتر بعملها بأن تفصل الصورة حتى تستلم كل عين الصورة المعنية بها يشكل الدماغ الصورتين في صورة واحدة ذات ثلاثة أبعاد أما المشاهدين الذين يشاهدون الفلم بدون تلك النظارات فأنهم سيرون الصورة مضاعفة (متموجة).

وينحصر تفاوت العينين بأزدياد بعدنا عن الأشياء فتصبح الصور المستلمة من قبل الشبكيتين أكثر تشابهاً فأكثر لذلك بالنسبة للأشياء البعيدة، لا يمكن أن يعتمد نظامنا الإدراكي على تفاوت العينين بعمق الإشارة وعلى أية حال فأننا نبقى قادرين على التمييز بين أشياء قريبة و أخرى بعيدة بسبب إشارة العينين بصدد العمق.

 

 

إدراك الحركة

 

    يعد إدراك الحركة ظاهرة مهمة في مقصدها الصحيح مع إن الحركة تلعب دوراً مهماً في إدراك العمق حيث يعتمد سائقوا السيارات مثلاُ على إدراك الحركة للحكم على سرعة السيارات الأخرى والمسافات الفاصلة وتطور هذه المسافات بنفس الوقت لتحديد سرعهم واتجاهاتهم لتجنب الإصطدام؛ تماماً كما يجب أن يكون الفهد الصياد قادراً على كشف الإستجابة في حركة الضباء فريستها الرئيسية لكي يعيش.

ففي البدء قد نعتقد بأننا ندرك الحركة عندما تتحرك صورة الشيء من جزء من الشبكية الى جزء آخر من شبكيتنا؛ وفي الحقيقة هذا ما يحدث إذا كنا نحدق الى الأمام مباشرة وظهر شخص يتمشى أمامنا ماعدا ذلك فأن إدراك الحركة ليس بتلك البساطة ولو كان الأمر كذلك لظهر العالم كله بحركة مستمرة في كل وقت عندما نتحرك وتتحريك معنا عيوننا؛ ولنتذكر إننا دائماً في حركة فعندما نمشي  فاننا سوف نحرك رؤسنا ببساطة وعيوننا بالتالي مما يجل مساقط الأجسام على الشبكية في تغير دائم. كيف يمكن للدماغ أن يميز أي الحركة في الشبكية تعزى الى حركتك الخاصة و أيهما تعزى الى الحركة في العالم؟ يعد فهم ذلك التمييز مشكلة تواجه جميع الباحثين في ميداني علم النفس والالتشريح الدماغي على حد سواء ممن يريدون دراسة وتوضيح إدراك الحركة.

هناك تفسيراً واحداً لإدراك الحركة يورده السيكولوجي جيمس جي جيبسون كتحليل لصيغ من الإشارات غير الواعية،( فعندما نتجول أو نحرك رؤوسنا بطريقة خاصة  بدون وعي فاننا نتوقع إن صور الأشياء الثابتة ستتحرك على شبكيتنا؛ فلا نعتدد بمثل هذه الحركة على الشبكية ولانأخذها بين التفسير ونعزوها مباشرة الى حركتنا الجسمانية الخاصة وندرك الأشياء كثوابت؛ وعلى النقيض من ذلك، عندما نتحرك ولا تتحرك صورة الشيء في شبكيتنا ندرك ذلك الشيء بكونه متحركاً معنا؛فإذا تخيلت الحدث المدرك كشخص يتحرك أمامك وأنت تتبع حركة ذلك الشخص بعينك وتحرك رأسك وعيونك لتتبع حركة الشخص هذا يسبب إن صورة الشخص لا تتحرك على شبكيتك، الحقيقة تبقى صورة الشخص في نفس الجزء تقريباً من الشبكية لتقودك الى حيث إدراك الشخص كمتحرك).*

يرى جيمس جي جيبسون نفسه بأن هذا التفسير لإدراك الحركة كان معقداً جداً وهو يعلل ذلك بأن الإدراك لا يعتمد على عمليات فكرية داخلية وبدلاً عن ذلك يعتقد بأن الأشياء في بيئتنا تحتوي على كل المعلومات الضرورية للأدراك.

 

دور الخبرة

 

تعد التجربة في التفاعل مع العالم حيوية وأساسية للإدراك، تناقش الفلاسفة كثيراً حول دور التجربة في تطوير الإدراك الإنساني؛ (ففي آخر القرن السابع عشر، كتب الفيلسوف الأيرلندي وليم مولينيوكس الى صديقه الفيلسوف الإنكليزي جون لوك وطلب منه إعتماد السيناريو التالي: لنفترض إنك تستطيع أن تصف منظراً الى شخص أعمى؛ بالاعتماد على ما ترى فقط، فهل سيقدر ذلك الشخص على أن يخبر الإختلاف بين مكعب وكرة والتي خبرها مسبقاً باللمس فقط؟ اعتقد لوك بأن الجواب لا وهو الذي أكد على دور التجربة في الإدراك)؛* يتيح لنا العلم الحديث فعلاً مخاطبة هذه المسألة الفلسفية، لأن عدد قليل جداً من الناس اللذين كانوا عميان قد إستعادوا بصرهم بمساعدة تقنية الطب.

(الباحث النفساني البريطاني رتشارد كريكوري والمهتم بعلم الأعصاب البريطاني اولفر ماكس قد دونا تجاربهم على رجال كانوا عمي لفترة طويلة من الزمن بسبب وجود الماء الأزرق في عيونهم ثم شفوا وإستعادوا بصرهم في فترة لاحقة من حياتهم؛ فغالباً ما كانوا يرتبكون بالمعلومات البصرية وكانوا عاجزين عن رؤية العالم بدقة بعد أن إستعادوا بصرهم؛ فعلى سبيل المثال يمكن أن يميزوا الحركة ويدركوا الألوان لكن يعانون من صعوبة بالغة بالتحفيز الذهني  لأشكال أكثر تعقيداً مثل الوجوه والملابس..). كانت معظم قدرتهم الإدراكية ضئيلة جداً ويحتمل أن يعزى ذلك الى حقيقة كون نقاط الإشتباك البصري لأدمغتهم لم تلق تحفيزاً طيلة حياتهم وهكذا لم يتطور النظام البصري بشكل مناسب لديهم في ظل فقدان التجربة البصرية.

 

 

 

الاتجاهات الرئيسة في الفكرالفلسفي

من خلال الاستطلاع التفصيلي لتاريخ الفلسفة و نظرياتها نجد انه تاريخ متشابك من القيم و المسارات الفكرية المتصارعة و المتضاربة حيناً و المتوافقة احياناً, يقسم مؤرخوا الفلسفة و أساتذتها المشهد الفلسفي العالمي الى خمسة اتجاهات رئيسية عظيمة تنتمي جميع الرؤى و الطروحات الكبيرة في الفلسفة لاحدها و قد تشترك بعض الطروحات و النظريات بمرجعيات تؤلف و تزاوج جدليا و فكريا بين اتجاهين من الاتجاهات الكبرى.

و قد التفت كل من هذه الاتجاهات الرئيسة خلالها و وجدت انعكاساتها على سائر المعارف و الانشطة البشرية المنهجية بما يتناسب و معطيات الاتجاه الفلسفي و علاقته بألية النشاط المتعامل معه و من اهم تلك الانشطة التي اوثقت علاقتها بالاتجاهات الكبرى و تفاعلت معها منهجيا السياسة و الفن و الاجتماع.

و في مرور سريع على تاريخ النظريات الفلسفية نجد ان اقدم الاتجاهات و اوسعها انتشارا خصوصا في العالم القديم و في الشرق الحديث هو:

 

الاتجاه المثالي في الفلسفة Idealism

وهو الاتجاه الذي يعد الوعي بصورة عامة او الروح العالمي هو اصلا للكون من اكبر زعماء هذا الاتجاه في الفلسفة الفيلسوف اليوناني افلاطون و الفيلسوف الالماني هيغل (1770- 1831) فقد عارض افلاطون العالم المادي بعالم المثل معتبرا الاشياء ظلا للمثل الازلية و نتاجا لها و قد اوضح ذلك في اسطورة الكهف التي تضمنها كتابة الجمهورية و قد اوردها على شكل حوار بين استاذه سقراط و احد تلامذته (غلوكون).

وفهم الفن في الفكر المثالي يقوم على عد العمل الفني عطاءا فكريا من الفنان الذي هو ممنوح اساسا و هو ملهم بمفردات جمالية و علاقات نظامية حيث يقوم النسيج النسقي الالهي بتغذية الفنان بما هو اهل له و يجعل منه معبرا و ممرا ساميا بين الاله و الانسان العادي يفرز قيم الخير و الحق و الجمال و يتمثل هذا واضحا لنا في الفكر الذي اسس له افلاطون من خلال نظرية الجدل الصاعد و النازل و شخصية الفنان المستلمة مرورا بكانت و هيغل و الروح المطلق الذي يسود و يبني الوعي و النتاج , و هكذا تستمر الرؤية المثالية و تتوضح عند الفرنسي برفسون الذي يبلور فلسفته و يمحورها حول رؤيته للحدس و ومضاته التي تؤسس للجمال و الفن و لا ينقطع تيار المثالية حتى يصل الى المعاصر غاستوف باشلار و يظهر الاتجاه و يتجلى في كتابه (حدس اللحظة) الذي يمشي بمثالية واضحة غير مشوبة تلقي بظلالها على المثالية الحديثة التي تنتهي بالنظام البينوي او هيكلية البينوية الجديدة التي لا يخفي اتصالاتها البعيدة بالمثالية التاريخية في الفلسفة و ما تصرح به من النظر للعمل الابداع كنتاج لماكنة او مولدة معرفية تعمل بالرغم من المبدع و بقوقية تنظيمية تؤسس لنظامها و تتبناه .

و يؤخذ على انظمة الفكر المثالي و مثالب تبينها في الفلسفة الجمالية احجامها بشان الخبرة و التجريبية و المراس و الصنعة التي تصنعها من قاموسها المعرفي فلا نجد في نظرية المعرفة المثالية ما يقوم التجريبي او الخبرة و بنهض بمستواه الادائي لدى الفنان كما تعاب في غلقها لابواب الحوار و اعتبارها ان السياقات فوقية طاغية خارجة عن الوعي الذاتي و تحولاته التي لا يؤخذ بها جملة و تفصيلا فهي ترفض الحوار و تؤكد الاستمرارية الابدية غير القابلة لاي تدخل من المارون.

و هي تقترب كثيرا و تتماهل احيانا في الفكر اللاهوتي و طريقة التفكير الدينية مما يجعلها فكرا سلطويا لا يبحث عن التطور و التحاور و الوعي بل يسعى الى التطبيق و الالتزام و تنفيذ السياقات و الايمان قطعا بها.

 

المادية Materialism

  وهي الاتجاه الفلسفي الذي يعتقد انصاره بان فلسفتهم تتناول واقع العالم تناولا علميا سليما دون الذهاب الى ما فوق او ما وراء العالم و الحقائق الموضوعية و نظرية المعرفة المادية مرهونة لديهم بحركة المادة و وعي حركة المادة و تتاسس على واقع التجربة الحسية و هي ترد جميع الكائنات العضوية الى اصل لا عضوي مادي و ترد جميع لحظات النفس و حالاتها و ومضات الذهن و الشعور و اللا شعور الى اساس  فسيولوجي و هي تربط العالم و تفسره من واقع التجربة الحسية و قد اثرت الفلسفة المادية في الفكر المعاصر و بحركة العلوم و المعارف و كان من نتاجها في الفسفة النظرية المادية الجدلية و القت بظلالها القوية في السياسة و وجدت اصدائها وتطبيقاتها في الاقتصاد و لم تحد ماديتها و حسيتها المبالغ بها من قابليتها على اختراق عالم الجمال لتؤسس لنظريات جمالية في الفنون.

 

وبالرغم من جذور  المادية القديمة التي ظهرت على خارطة العالم الفلسفي القديم في اليونان عندما ظهرت السفلسطائية بنزعتها المادية لترفض بعنف تاسيسات المثالية , لكننا نفهم المادية فهما منهجيا على يد كارل ماركس الذي ساهم في حل معضلات الاقتصاد حلا فلسفيا ماديا و اسس على حلوله افتراضات لفهم التاريخ و فهم الفن و التنظير له فكان انبثاق اهم النظريات المادية في الفن و هي (الواقعية الاشتراكية).

 

وكما فسرت المادية حركة العمل و الوعي في العالم منذ عصر الكهوف على انها حركة معاينة و مكافئة اقتصادية و حاجات و نظم مادية فقد ادلت الابداع و حركة الوعي في الفن على اسس النظام الاقتصادية و لها حجج و دراسات في الفن اجتماعية و تاريخية و حتى سياسية و قد نظر لها منظرين جمال و مؤرخي فن كبار من امثال ارنولد هاوزر الذي قرأ تاريخ الفن و حركة المجتمعات و السياسة قراءة مادية اولت مجمل النتاجات التي ادلها بها الفكر الجمالي العالمي بتأويلات تتناسب مع ارتباطات الفكر المادي و فلسفته الحسية التي تؤكد صراع الطبقات تاريخيا كذلك ارنست فيشر كبير التنظيرات الاشتراكية في الفن و روجيه غارودي الفرنسي المعاصر الذي قرا روائع الاعمال المعاصرة في التشكيل و العمارة و الموسيقى قراءة مادية تفلسف معطيات الحداثة و المعاصر لمصلحة الفهم المادي للتاريخ.

 

تعيب دراسات الجمال على الفهم المادي للبحوث الجمالية التي تطرحها نتاجات الفن مغالاة المنحى المادي في الاعتماد على فكرة الطبقية و الصراعات الاقتصادية و أثرها الحاسم في نشأة و تطور الفنون لا على مستوى الامم فحسب بل على مستوى الانتاج الفردي و من هنا نجد ان المادية فسرت الفن و وضحته في موضع الاداة و ليس الغاية فهو وسيلة لتحقيق نظام إقتصادي وهو طريق والفنان منفذ يذعن لحاجات الإقتصاد والسياسة والإجتماع والعمل الجماعي الذي يصادر أهم مصادر الإبداع الفني لدى الشخصية المبدعة وهو الذاتية والتميز والفردية والنرجسية الفنية التي من شأنها أن تحفز الإبداع.

 

 

 

 

الوجودية Existentialism

 الوجودية حركة فلسفية معاصرة تعد من أهم تيارات الفكر المعاصر وضعت أخطر تحولات الفهم الحديث للقيم و بناءات العلم والمجتمع والسياسة و أنتجت العديد من المواقف الواضحة والقوية الصادحة بالتحرر والثبات والإلتزام بما هو ذاتي وإنساني.

 

 هناك نزعات فلسفية وجودية متعددة و متباينة تؤطر جميعها بالإطار الوجودي و عموم الوجودية تبلورت في فرنسا فيما بعد الحرب العالمية بالرغم من إرجاعها في بعض الدراسات الفلسفية الى جذور أوروبية و إغريقية أقدم، ولكنها مرجعيات غير واضحة وغير ممنهجة بشكل كامل مما يجعلنا مترددين في إطلاق كلمة طيار أو إتجاه فلسفي إلا على ما ظهر في فرنسا الحديثة.

 

 يقسم دارسو الفلسفة الوجودية الى نوعين أو صفين الوجودية المؤمنة ويمثلها ويمثلها الفرنسي كيركيغارد والوجودية الملحدة ويمثلها الفيلسوف اللألماني مارتن هايدجر والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وتنطلق الوجودية كفهم مغير للعالم من عد الواقع وكل حقيقة بما في ذلك الإنسان مجرد موضوع لذات وهنا تقول الوجودية بوحدة الذات والموضوع وترفض تقسيمها، وترى الوجودية إن الحياة هي إستمرار ديناميكي من الممكنات تحقق ديمومة الحياة ولا نهائيتها ومن هناك كان التحرر هو قيمة الحياة بالنسبة للفكر الوجودي.

 

 والحرية هي إختيار عقلاني مدرك أحياناً وغير مدرك في أحيان أخرى وهذا الإختيار يكون واحد من الممكنات في الحياة في زمن ما و مكان ما. لهذا عد الوجوديون الحرية جوهر الحياة و غايتها. والحرية لديهم تمثل وعي متسامي نحو الذات الإنسانية و الإنسان هو جوهر الحرية وحريته هي المصدر الوحيد لكل قيمة التي يعيلها ويلتزم بالدفاع عنها ( نحن نريد الحرية من أجل الحرية).

 

 والعدم من مقولات الإتجاه الوجودي وهو من مقومات الوجود ويكشف العدم عن نفسه في القلق والقلق هو وعي متسامي وهو رفض قصدي للإستكانة لمجريات الممكنات ونبش ذهني في نظام الإحتمالات التي قد لا تتحقق وعدم تحققها يؤهل الإنسان لعتبر نفسه موجوداً فاعلاً ورافضاً لما لا يمكن رفضه.

 من هنا ينظر الوجودي الى الأشياء كمسلمات طبيعية لا تفاجئه بشيء بل إنه يزدري الأشياء ويمارس حملها على محمل التفاهة و لا يؤمن بمعنى وحكمة الأشياء ويرفضها مما يولد إحساساً بالألم مستمر وسأم وقلق ورفض إنفعالي لكل ما هو له سعياً لتحقيق مقولة التسامي لحرية تخلص العالم من العالم.

 

 نظرية المعرفة لدى الوجوديين تتمركز حول الإنسان ومنه تتسق أشكال الوجود وتنطلق المعرفة من الذات التي يقابلها الموضوع ويتوحد معها.  وقد رفضت الوجودية أربع أركان من أركان المدينة المعاصرة وتميز بتبريرك رفضها فقد رفضت:-

 

1- المجتمع لأنه مجموعة من الذوات المختلفة التي لا تشكل شيئاً بمجموعها إلا جماعاً مشوهاً وغير متسق من الإرادات وطرق الفهم والوعي فقيمة الفرد في تفرده وضياعه في و إنتهاكه في فكرة التجمع والقطيع.

2- التاريخ  لأنه مجموعة من التوثيقات المرتبطة بالجهات الموثقة وهو لا يعني شيئاً وليس أكثرمن دوامة فقدت قدرتها على التأثيرالإيجابي و إنقطت أسباب قيامها ومعطيات تأسيسها والحدث في الماضي يحجب عنا مساحة في التفكير في الحدث الآني والمستقبلي ومنها يعد التاريخ فعلاً هداماً في صلب الفكر والفلسفة لأنه يمارس دور تغييب الحاضر والمستقبل.

3- العلم لأنه آلة ضخمة تسير بأتجاهات غير معلومة وتنتج نواتج عرضية في منتهى الخطورة وتشكل بهيكليتها الضخمة إرادة أقوى من إرادة الإنسان قد تسحقه وتهيمن على مقدماته فيصير لها خاضعاً و خادعاً وساعياً على غير هدى ينجز وينجز ولا يدري لمن ولماذا في خدمة تطور عجلة العلم وآلية العلوم التي لا تأبه بالإنسان وتقمع إنفعالاته التي تمثل أعلى مراحل الصدق البشري فيجرد العلم الانسان من آدميته ويحيله الى ترس في عجلة ضمنه تتحرك بأرادة غير إنسانية.

4- القيم لأنها ثوابت عقائدية تحد من تحولات العقل وتكبح جماح التفاعل الذهني التحرري وهي قوانين وضعت لأسباب غير ذاتية تكبل الذات لا لشيء إلا لخدمة أوهام غير قابل للتعايش فعلياً وغير مؤدية لا على مستوى وحدة الذات بالموضوع فالإنسان الوجودي يخلق قيمه بنفسه ويرتقي بها ويتحرر من أجلها من كل القيود الزائفة.

ومن هنا أثرت الوجودية في الفن تأثيراً كبيراً و أنتجت عدداً كبيراً من الحركات والمدارس الفنية التي إستفادت من طريقة الفهم الوجودي للعالم خصوصاً إن أعظم فلاسفة الوجودية هم أصحاب نتاجات فنية عبرت عن رؤاهم الفلسفية وتضمنت أعمالهم قيماً جمالية جديدة تعطشت لها فلسفة الجمال المعاصر مثل أدبيات سارتر والبيركامو وكولن ولسن مما رسخ المعاييرالجمالية وأسس سريعاً لنظرية نقدية وجودية في الفن واضحة المعالم وفاعلة ومؤثرة في النقد العلمي وقد إنطلق تاثيرها من فرنسا الى العالم والى الوطن العربي.

تكمن قيمة الفهم الوجودي للجمال إرهاصات الرفض العنيف للثوابت والجرأة المثيرة لتقليب وجوه الحقيقة والعبث بالمسلمات الفنية والجمالية والنقدية وحتى التقنية في الفن وقد بدأت نزعة الوجود واضحة منذ أشعار تازارا وحتى أبولونيز وأشعار بريتون السريالية و أفكاره وبيانه السريالي والمستقبلي الذي تضمن نزعة وجودية واضحة.

وينطلق الفن الوجودي من الأعماق بحقيقة الوجود ورفض القيم العليا والأسئلة والطروحات العنيفة التي تستهين بالقيم والقوانين والثوابت والإنتماء اليها و إعلاء ما أسموه (بتسامي الحياة الحيوانية) أي الحيوان الذي يعيش لحظته فقط فهو المتسامي عن كل السفاسف التي يطرحها تقدم الحياة.

 أثر الوجودية في الفن أثر كبير يوافق بين إنفعالية الفكر الوجودي و إنفعالية الفنان كمحرك لقيم جمالية تفترض الصدق فأنتشرت مفاهيم العبث في النظم الجمالية المعاصرة وصارت مسؤولة عن اهم تطورات نظرية الجمال المعاصرة ولا يكاد يخلو عمل فني معاصر من تأثيرات الوجودية بشكل او بآخر من أعمال بيكاسو الى براك الى روشنبرغ الى بولوك وكاسبرجونز.

 وقد يؤخذ على الوجودية تشاؤميتها التي يبررها الوجودي من منطلق الإحساس بالمسؤولية والقلق حياله ولا يمكن السكوت عنه من أخطاء العالم وهمجيته كما يعاب عليها إنفلاتها من المناهج و المنهجية وهي سبل تطور المفاهيم وإنتاج مفاهيم جدد تؤمن الحياة لأي إتجاه أو قضية فكرية.

 

البرجماتية Pragmatism

 وهي حركة فلسفية تعرف بالذرائعية أو فلسفة الذرائع وهي فلسفة العمل وفلسفة الأشياء المنتجة إبتداءت في أمريكا وكانت بدايتها عند بيرس ثم إنفجرت عند جون ديوي الذي أسس نظاماّ فكرياً له تطبيقات واضحة ومهمة في الإقتصاد والسياسة والتعليم والبحث والمناهج وتنطلق البرجماتية من مقولة (أينما تكون المنفعة يكون الإتجاه) في الإقتصاد رفعت شعار (دع الشيء يعمل دعه يمر) قد رفضت كسابقتها كثيراً من النظم الفكرية السائدة و أسست برفضها نظرية المعرفة البرغماتية ولها تنوعات عديدة في التعليم والسياسة والإقتصاد وقامت على حتمية المتغير ووعيه كحدث يؤسس لأحداث ينبغي وعيها لمسايرة التطورات وإحتوائها و أكدت على وجوب إدراك بنية المتغير وحقيقة علاقاته وسياقاته ومعادلات تغيره بفعل الزمان والمكان و أخيراً التدخل بأيجاد معادلات جديدة تؤسس لمتغيرات قصدية يدعمها واقع الخبرة بعلاقات التغيرفي الحدث إنتاجياً و إبداعياً.

 

 وهي فلسفة تجريبية ديناميكية تعلي المتراكم التجريبي في حياة الإنسان وترفض نظريات الميتافيزيقية وصراعات اللامعقول والحياة فيها هي التوازن بين الكائن ومتطلبات بيئته. كما الغت البرجماتية التفريق بين المادة والصورة الغت في الفن التفريق بين الشكل والمضمون ورفضت على يد ديوي تصنيف الفنون الى جميلة وتطبيقية حيث نظرياتها كفنون تعتمد تراكم الخبرة الشخصية والجمال فيها حصيلة وعي الأنظمة الشكلية والقدرة على توظيف المتراكم التجريبي في توليد أنظمة جديدة والفنون جمعياً تحظى بنفس الأهمية من الموسيقى الى الطبخ والوظيفة النفعية هي المحرك للعملية الإبداعية، وتظهر في البرجماتية نزعات مادية وميكانيكية واضحة فهي تؤمن بالواقعية والموضوعية ضمن آلية وحتمية الزمان والمكان.

 

 ليس هناك عمل فني سامي وعمل فني هابط ولكن هناك عمل فني فقط ومعايير النقد والنظرية الجمالية البرغماتية عملت بوضوح في فنون أريكا الشمالية ولم تستطع النهوض أو التغلغل في عمق الأداءات الجمالية للفنون الجميلة مثل الموسيقى الأوركسترالية أو الشعر أو المسرح ولم تحقق فيها شيء يذكر لكنها سمت بالتصميم وصناعة السينما بسبب إهتمامها وتعويلها على الوظيفة والإنتاجية والإنتفاعية لإرتباطها بالنظم الرأسمالية في الإنتاج والدعم للسلع وهذا هو سبب الرفض القاطع للمثالية والوجودية عند البرغماتيين.

 

فلسفة العلم

 أو الوضعية المنطقية هي تيار الفلسفة الإنكليزية التي إنطلقت من فلسفة فينا والتي تخضع العالم لرؤية علمية متقنة ومحسوبة وتنفي الإعتباط والعشوائية وتقيم وزناً للمجتمع والتجريب والتقييس والتكميم للظواهروالمتغيرات وقد إعتمدت أسس فكرية علمية وإستثمرت الرؤى الفلسفية والظلال و الإشتقاقات الفكرية لكبريات نظريات العلم محيلة إياها الى مصادر فهم جديد لفلسفة علميةجديدة مثل نظرية آينشتاين في الفيزياء وقبلها نظرية دارون في التطور ومندل في الوراثة ونيوتن في الفيزياء ومن أكبر فلاسفتها برتراند راسل وفرويد ويونغ. وترى فلسفة العلم بأن الإنسان يُفهم على إنه بنية نظامية ( فسيوسايكولوجية ) وتؤمن بأن العمليات العقلية هي التي تؤسس للأفعال في كل الإتجاهات وكذلك في الفنون والإبداع حيث أن الإبداع والعمل الفني لديها عملية إدارية قصدية واعية يتحكم بقيمه وبقيم الجمال نظام المعرفة السائد والنتاج يتحكم بالنظام فيطوره وهكذا تستمد الحياة ديمومتها من الأفعال القصدية وليس من المقاصد غير الفاعلة.

 

  العمل الفني تحليلي – تركيبي  بحث يدور ضمن دائرة متحركة من العطاءات و يخضع لمنطق العلم ولهجته العلمية الصارمة التي تزدري المشاعر والشاعرية و المثالية والتعسف المادي و العبث والتخبط الوجودي وترفض ميكانزمات الذرائع البرغماتية وتقوم بتأسيس نظم تحتكم لإستنتاجات وتوصلات نظريات مختبرية وتحليلية في الفسلجة وعلم النفس والبايلوجيا وحتى الفيزياء والكيمياء.

 

 تأثر الفن بها تأثراً محدوداً قياساً بما قبلها وقد ظهرت من منطلقاتها المستقبلية التي تعاملت مع الآلهة والأرقام و أسست لقبول مبدأ لدخول الآلات والمكائن الى قائمة عدد الفنان ووسائل عمله وإنتاجه وساهمت في توعية الفنان بآليات التلقي وسبل الإتصال وبحثت في أعماق أسباب الإنفعال الجمالي والتأثر ومبررات التعاطف مما ساعد الفنان على فهم محيط عمله الفني بشكل أوحد وأصدق.

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع

 

 

ت إسم الكاتب إسم الكتاب إسم المترجم

1-  ول ديورانت قصة الفلسفة ترجمة فتح الله محمد المشعشع

2- عبد الرزاق مسلم الماجد مذاهب ومفاهيم في الفلسفة والإجتماع

3- زكي نجيب محمود  نافذة على فلسفة العصر

4- جان بول سارتر الوجودية مذهب إنساني  ترجمة كمال الحاج

5- برتراند رسل الفلسفة بنظرة علمية ترجمة زكي نجيب محمد

6- إبراهيم زكريا فلسفة الفن في الفكر المعاصر

7-  نجم حيدر علم الجمال آفاقه وتصوره