PLASTIC ARTS

في تقنيات انتاج العمل التشكيلي المعاصر

                                                                             " نزار الراوي"

                                                                               باحث وناقد

في ثمانينات القرن المنصرم كان من المخجل أن يدور الحديث بين الفنانيين عن تقنيات انتاج العمل التشكيلي، فذاك شأن الحرفيين والصناع ممن يعملون في ورش النجارة والحدادة ومصاهر البرونز؛ كنا في ذلك الوقت نقف بانبهار مفتونين على ضفاف ماعرف لاحقا بالفن الحديث، وكنا حقاً مبهورين بالانتقال بوعينا للتشكيل من مرحلة البحث في الافكار والمضامين المتسامية الى الدخول في جدل الصورة وأسس التصميم للنتاج التشكيلي والانفلات من المنحى الرسالي للفن الى ربوع جديدة حولت العمل التشكيلي الى حقل بصري محض.

أما عن التحول الأهم الذي أدى الى لفت انظارنا الى التقنية في العمل التشكيلي على نحو جاد فقد أتى لاحقاً عندما واجهنا اشارات من الفنون الأخرى، ففي السينما كانت البداية عندما قدم عدد من سينمائي اميركا الجنوبية سلسلة افلام قصيرة قدر لها فيما بعد ان تُدير عنق النقد السينمائي وتغريه ليتخلى قليلا عن الخوض في جماليات الصورة والزوايا والربط التزامني للمشاهد، ليتناول التقنيات كفعل جمالي؛ مما استدعى توقف التشكيلين طويلا ازاء هذه الانعطافة الجديدة في آليات  النقد حيث لم يعد يخفى هوس التشكيل بالسينما منذ تنظيرات (هاوز)* الذي ربط الفنون التشكيلية من منطلقات بصرية محضة - خلال نقده الاجتماعي لفلسفة تاريخ الفن - بالدراما عن طريق تحليل الظاهرة السينمائية تحليلا شكليا محضاً.

سريعاً طفت الى السطح مرة اخرى الدعوات المادية وكثير من التنظيرات والتطبيقات التي تناولت المادة في العمل الفني عبر تاريخ الفن التشكيلي الذي قرأناه مرات عديدة كل مرة في أطار وعي مختلف على نحو يؤسس لوجود فعل جمالي للمادة، فلم يكن من العسير على الجدل التشكيلي ان يستعيد دعوات الدادائين (DADA) الذين اثارو ضجة عارمة في الربع الاول من القرن العشرين عندما انتفضوا على الكثير من القيم والمفاهيم الفنية ليقدمو فناً فجاً يجانب التزويق والتكلف بل ويجافي كل ماهو مألأوف من دعوات رقي الفن واستعلائه ليزنلوه منزله الناطق بلسان حاد واحياناً بذيئ، وليعلوا من شأن الاعتيادية والبساطة واحياناً السوقية والبذائة؛ كما في العمل الشهير (لمارسيل دوشامب) عندما مهر (مبولة) بتوقيعه وارسلها الى معرض المستقليين في نيويورك ليعن موت انتهاء عصر التلفيق واندحار القيم المتحفية التي كانت سائدة والتي كان العمل الفني يُقيم عبر معاييرها.

والاستعادات لا تنتهي للممارسات والمفاهيم التي بدأت تنسل من جديد الى الحوار النقدي الجديد مثل طرائق انتاج العمل الفني عند فناني البوب آرت(Pop Art) الذين اجبرو المتاحف الكلاسيكية فيما بعد على اقتناء اعمالهم التي كانوا يصنعونها من مخلفات الحياة اليومية كعلب الكولا الفارغة والصناديق الخشبية التي كانت تستخدم للفواكه والخضر واللابس المستعملة.

أذن فالمادة المكونة لشيئية العمل التشكيلي، والخامة التي يعمل الفنان لمعالجتها لانتاج سطوحه التصويرية وبالتالي تقنيات أخراج وانتاج العمل التشكيلي ليست منحى تنفيذياً يخلو من الفكر والاجتهاد الذهني كما كنا نزعم، بل اننا اذ نحرك آليات ومجسات النقد الفني ازائها فاننا نعترف بان البحث المادي والتقني داخل العملية التشكيلية هو بحث جمالي فكري بتمظهرات حسية فيزيائية يستدعي الوقوف والتأمل لتحليل لطرائق الانتاج وتوصلاته.

هنا يستوقفنا مفهوم الخبرة الفنية التي تنج عبر سلسلة من المراحل بضمنها مراحل فكرية تؤسس للجانب المفاهيمي الاكاديمي للفنان الذي بات معروفاً وشائعاً أيضاً، ومراحل تقنية تجريبية تعود على الفنان بمعرفة صناعية وتنفيذية تؤسس لجانب الصنعة وتؤدي لتماسك العمل وتدعيمهه تقنيا.

اذن فهناك الكثير مما يدعونا لاعادة النظر في التقنية ومكانة المادة في العمل الفني، فالتقنية التي كانت من شأن الحرفيين و الصناع المهرة والمادة التي كانت حاملاً للشكل وناقلاً للتعبير لم تعودا كذلك ولم يعد تجاوزهما في الجهد النقدي وارداً أبداً.

في التحولات الفكرية التي انتجتها ما بعد الحداثة حصل تغير جذري في التناول النظري  والمفاهيمي للفن حيث تحررت العديد من المفاهيم الفنية من تفسيراتها وتقنيناتها القديمة وأُعيد النظر بالعديد من المعايير النقدية القديمة للعمل الفني لتكتسب توصيفات جديدة عُرفت فيما بعد بمعايير الفن المعاصر و التي تأبى الانصياع لانضباطات الفكر الكلاسيكي الذي أصبح مستهلكا وعاجزا عن الإيفاء بمتطلبات الرؤيا المعاصرة لإنسان اليوم.

من هنا اتيحت الفرصة للفنان أن يباشر اشتغاله الفكري المركب لتقف في مؤازرته معظم المرفوضات القديمة التي أصبحت اليوم مؤهلة للمساهمة في اختراع لغات جديدة للاتصال بالأخر، فكانت التقنيات في أول قائمة المتحررين مما أثرى التجريب واتاح للمجربين ارتياد الخامات البكر في تاريخ الرؤى الجمالية لتفعيلها والانطلاق بحسيتها الفظة الى عالم من الشفافية يخلقه التأويل الذهني للفنان للمادة واشتغاله التقني عليها.

إذا لم يعد من المستغرب أن يتناول الفنان أية مادة على الإطلاق أو أن يعمل بأي من الطرق التقنية، بل قد عاد من المحرج أن يتحسس الفنان أو يجافي أية من الخدمات التي تعترض طريقه يوميا بدعوى أنها لا تتناسب وتقاليد العمل الفني، تلك التقاليد التي عمل الفن جاهدا على القفز بها الى ما فوق الثوابت الراسخة نحو المتحولات الأشد وعيا بتفاصيل صياغة رؤية المستقبل.

 

تأسيس الحداثة الفنية  … جواد سليم

 المقدمات:

ينسب مؤرخو الفن الحديث ودارسوه إلى جواد سليم (1919 – 1961) دور التأسيس للحداثة الفنية في التشكيل العراقي والعربي في الرسم والنحت على السواء. فهذا الفنان استطاع –بعمر قصير ودراسة دقيقة منظمة وتجارب مستمرة- أن يمنح الفن هوية معاصرة ، وأن ينقله إلى أسلوبية خاصة ، كان قد افتقدها مع جيل الرواد من الهواة الذين سبقوه ، ومهدوا له بالتنبيه والإشارة أو التربية المباشرة والمعايشة .

وأحسب أننا إذا نمنح جواد سليم دور ( التأسيس) لا (الريادة) نبتعد عن الوهم الذي أضاع جهود دارسي الأدب والفن الحديث ، في تصورهم لريادات أولى تعبر عن  مركزية ذاتية، هي – في ظني- انعكاس لتمركز الشخص ودوره في تحول وجهة الأسلوب وهو ما يوقعنا في إيديولوجيا فنية وأدبية ، تفترض وجود (الرائد) رمزاً للواحد المؤثر ، أو المؤثر الواحد ، بمزايا قيادية أو بطولية ، لا يمكن أن نقبل بسهولة صلاحية منجزها لإحداث التغيير المطلوب.

فكأن الجهد الريادي المفترض يمتلك أثراً سحرياً فيمحو ما قبله ، ويخلق ما بعده ، بينما نعتقد أن تراكمات النوع وأفراد النصوص هي التي تخلق التحولات الكبرى. لذا نجد النصوص تتقدم بعيداً عن دوائر النقاش والخلاف حول ( الرائد) وريادته ، وتتهمش هذه المسألة لصالح ظهور المتون النصية وتبدلاتها الأسلوبية.

أما جهود التأسيس فنرى  أنها تتكفل بالبذار التحديثي ، وتصب على النوع الأدبي أو الفني طاقة التحول ، وتفجر فيه إمكانية  التبدل ، وترسي مزايا وخصائص  تتكرس بالإنجاز المشترك الذي يرتبط بمركز التأسيس ، لكنه لا يرتهن به أو ينشد إليه بتبعية .

وهذا الاعتقاد يرسخه- ويؤكده- إسناد التحولات الكبرى- في الغرب خاصة -إلى الجماعات والتجمعات ، وما يصدر عنها من بيانات نظرية مدعمة بمنجز نصي ملموس  يتشرب مؤثرات عديدة في لحظة حداثته وأفقها المفتوح. فالجماعات تحذف دور           (الفرد  الرائد) لصالح ظهور رغبة التبدل الجماعية فناً وتقبلاً . وتخلق الإحساس بالحاجة إلى تأسيس جديد ، له مبررات الوجود الفعلية ، وإمكان الاختلاف والتحول .

وتحمل فكرة ( التأسيس ) بمقابل (الريادة) إمكان الانفتاح الأسلوبي وتشخيص المؤثر الذي لا يظل له وجود في فكرة الريادة .

فالمؤسس يستلهم ، والرائد يجترح . والمؤسس يقترح ، بينما الرائد يقرر ، وهذا التقابل الفكري المستند إلى فكرة الجماعة يعضد قولتا بالتأسيس كاقتراح. بهذا المعيار نقرأ منجز جواد سليم ، لنقدمه كمبدع ضمن حركة الحداثة ، وامتداد في أفق فني واسع فسيح، ونقطة تحول وتبدل كبرى . لقد نشأ جواد سليم وسط محيط يزدحم بالرغبة الفوارة في تسويق الفن لهذا المجتمع الذي يجحده ويقصيه . وفي بيئة تقبّلٍ لا تراه ضرورياً أو أساسياً . لذا كانت استجابة الجيل الأول من الهواة لهذه البيئة ، تتمثل بالانتماء إليها دون وعي واضح بجمالياتها ، والاكتفاء بمزج الواقع بالفن بطريقة آلية ، تعتمد – أسلوبياً- نقل هذا الواقع على سطوح اللوحات بشكل فج ومباشر وعبر ثيمات تقريرية دون تمثلها ، أو التعيير عنها بأساليب متقدمة .

لقد كان عدد من ضباط الجيش الذين  أتيحت لهم فرص السفر إلى تركيا- خاصة – أو التجوال في أنحاء العراق  قد لجأوا إلى الرسم بطريقة مباشرة، تنحصر في رسم الشخصيات ( البورتريهات) أو المناظر الطبيعية ومأثورات الواقع وموضوعاته وانضم إليهم فريق من الهواة منهم والد جواد سليم نفسه (الحاج محمد سليم) الذي كان إلى جانب الضابط الكبير عبد القادر الرسام (1882-1952) ومحمد صالح زكي            (1888-1973) وعاصم حافظ (1886) وغيرهم ممن نشط في أول جمعية فنية هي  (جمعية أصدقاء الفن) التي تأسست عام 1941م ببغداد ، وأنضم إليها جواد وأخوه الأكبر سعاد (1) وقد نكون قساة على المحاولات الأولى هذه ، إذا ما نعتنا أصحابها بأنهم (هواة) فمنهم من سافر فعلاً لدراسة الفن ( عاصم حافظ مثلاُ في باريس ) حيث أتاحت سنوات الثلاثينيات، وقبل أن تستعر مقدمات الحرب الكونية الثانية ، لعدد من طلاب الفن أن يدرسوا في أوروبا التي لم تشغلها وتعطلها الحرب بعد ، فدرس أكرم شكري في إنكلترا من مواليد (1910) ودرس عطا صبري(1913) في روما ولندن ، ودرس فرج عبو (1921) في القاهرة ، وروما ، وحافظ الدروبي (1914) في لندن.

ولكن دراسة هؤلاء لم تؤت ثمارها بعد ، لعدة أسباب ، منها : عدم توفر الوعي بالصلة الأسلوبية الصحيحة مع الأخر .. والعودة إلى الوطن : إما بمحاولة إستيحاء الأساليب التكعيبية والسوريالية والانطباعية الجديدة خاصة ، أو الإنكفاء،  بسبب محدودية المقدرة والموهبة والحرفة،إلى موضوعات الواقع وغنائياته المباشرة .

لهذا كان خريجو معهد الفنون الجميلة ( تأسس عام 1939) والعائدون من الخارج لا يحاولون خلق محيط فني أو ذائقة عامة تقبل الفن ضمن الحياة العصرية ، قدر اهتمامهم بالبحث عن هوية شخصية عبر الأسلوب والتقنيات ، أو التكتل ضمن نخبويات تتخذ من الجماعات مظهراً لها ...

وهكذا تأسست جماعة الرواد عام (1950) بزعامة فائق حسن تجسيداً لهاجس الأسلوبيات الغربية دون استيعاب وتمثل . فنعتت نفسها أولاً بالجماعة البدائية وبتسمية فرنسية صريحة (societe primitve)  أو (P.S.) إختصاراً ، وكان أتباعها انطباعيين أو واقعيين بأساليب متباينة ، يظهر نشاطهم برسم المناظر الطبيعية وموتيفات البيئة التي ينقلونها عبر رحلات ميدانية ينظمها الرسامون  في الهواء الطلق أو مجالي الطبيعة الحية .. هروباً من أجواء الأستديو(2)  ولم يستطع ( البدائيون ) أن  يجيبوا على سؤال الفن في لحظتهم الراهنة ، ولم يوازنوا بين الضغوط المعرفية والأسلوبية والمحيطية التي تحاصرهم :

-   فأعمالهم تعكس حيرة أسلوبية إزاء إختيار مدرسة أو تيار فني محدد.. وهذا يشخص خلل صلتهم بأساليب الفن الغربي وضعف توفرهم على الثقافة الفنية المعمقة .

-   ونفتقد في أعمالهم أية إحالة مرجعية إلى التراث الحضاري الهائل للفنون الرافدينية ونتاج الفن الموروث في الحضارات السومرية والبابلية والآشورية التي كانت غائبة كمؤثر في أعمالهم كمفردات ( واقعية ) دون إستيعاب الخصوصية المحلية أو سمات المكان المتجذرة عبر تاريخه وحاضره، أي النزعة البغدادية خاصة.

أنضم جواد سليم عند عودته من الدراسة في لندن إلى جماعة الرواد لكنه أنفصل عنهم بعد معرضهم  الأول ليؤسس جماعة بغداد للفن الحديث التي تقف نقيضاً ضرورياً لجماعتي أصدقاء الفن من الجيل الأول ، ومن الحلقة الوسطى من متعلمي الفن ممثلين بجماعة الرواد وكأنه يجيب بتأسيسه ( جماعة بغداد ) عام 1951م على الأسئلة المؤجلة التي لم تجد الطريق إليها جماعتا أصدقاء الفن والرواد ، رغم أن فائق حسن زعيم الجماعة الثانية تعرض للمؤثرات نفسها التي تعرض لها جواد سليم ، فقد عاش في بغداد – المدينة ذاتها ، وسافر شأن جواد لدراسة الفن في باريس ، كما التقى قبل ذلك بالرسامين والنحاتين الأجانب ( بولوينين وبريطانيين ) ممن جاءوا بصفة عسكريين في جيوش الحلفاء ، أو اشتغلوا دبلوماسيين في العراق.

لكن استيعاب فائق حسن – وجماعته بالضرورة- للمؤثر الغربي لم يكن بالوعي الذي مثله جواد . ولم يتوفر لفائق الوعي المطلوب للإحاطة بمؤثر البيئة والمحيط بالعمق الذي تنبه له جواد من خلال مدرسة الواسطي وعلامات المحيط البغدادي ، إضافة إلى انشغال  فائق باللون والخط ومهارات اليد المباشرة ، عن تأمل أساليب الرسامين في الفترة التي عاشها بباريس  وكانت السوريالية فيها ذات مؤثر قوي رغم إنحسارها التاريخي ، ورسوخ التجريد كأسلوب فني حديث ، ونشاط الانطباعية الجديدة وفاعليتها المؤثرة في الرسم الحديث.

ولعلنا بهذه المقدمات الأسلوبية – التاريخية قد وضعنا جواد سليم في سياق التشكيل الحديث ، ولنصل إلى مبرراتنا التي تقترح جواد مؤسسا للفن الحديث أو حداثة الفن بعبارة أدق، منبهاً في وقت مبكر إلى ما غاب عن برنامج سابقيه من سمات فكرية وأسلوبية تعززها مصادر الثقافة الأدبية التي لم ترد في تلك البرامج وأعني هنا تحديداً: الإفادة من الأسلوبية الحديثة المقترحة في التيارات السائدة وتكييفها محلياً ، والانتباه إلى معالم متخيلة لمدرسة بغدادية بالمعنى المعرفي والأسلوبي ، وقراءة المنجز الحضاري الرافديني في النحت خاصة ، وتعزيز ذلك بالمؤثر الإسلامي  وتدعيمه بالثقافة الأدبية الضرورية.

 

•    جماعة بغداد : المنطلق

لقد كتب الكثير حقاً عن الدور التأسيسي لجواد سليم ( وأشير هنا بخاصة إلى كتابات ذات طابع شهودي توثيقي ككتابات جبرا إبراهيم جبرا  وشاكر حسن آل سعيد لكونهما مسهمين في الموجة التي قادها جواد وصديقين له ) وكتابات عباس الصراف وشوكت الربيعي(3)  (كدارسين من وجهة تاريخية أو فنية ( أو تاريخ – فنية بالتحديد) ولكن ما ظل مفتقداً هو الدراسة النقدية التي تحلل الأسلوب وتؤشر السياق الثقافي والفني لرسم جواد ونحته ضمن كينونته التأسيسية وصيرورته من بعد.

 لدينا الآن وثيقتان مهمتان يمكن الانطلاق منهما لتأشير بعض المشغّلات النظرية لعمل جواد سليم ، والمنجز التشكيلي المحدد له .. وهما : بيان جماعة بغداد للفن الحديث عند تأسيسها والذي وافق عليه جواد وتبناه وأوحى بأفكاره فيما تعهد بصياغتها اكثر أفراد الجماعة إنشغالاً  بالكتابة والتنظير اعني شاكر حسن آل سعيد. وهناك صفحات من مذكرات الفنان ويومياته ودفاتره حررها ونشرها جبرا إبراهيم جبرا بعد وفاة الفنان .

وإذا عكفنا على هذه المستندات رجوعاً إلى أعماله المصاحبة أو انطلقنا من أعماله ذاتها  بتعضيد تلك التفوهات والتلفظات والبيانات ، سنعثر على المنطلقات ، ونسمي بعض الملامح التي تندرج في تبرير سمة التأسيس لدى جواد. ففي بيان جماعة بغداد للفن الحديث الذي تلي لحظة افتتاح معرض الجماعة الأول عام 1951م والخطاب الذي ألقاه جواد نفسه قبل البيان ، سنجد أبرز الملامح والنيات على السواء. زمنياً تسبق اليوميات والمذكرات المكتوبة في أعوام 1941-1946 بيان الجماعة التأسيسي وقد أسماها      (مرآة وجهي )  كناية عن مكانتها في التعبير عن ذاته الفنية .. وعند كتابتها كانت خبرته السابقة تتلخص في أثر محيط الأسرة الفنية ( الوالد والاخوة ) وفي سنة دراسية في باريس وأخرى في روما ، عاجلتهما بوادر الحرب الكونية الثانية وقطعت سبيلهما ليعود الفنان إلى العراق ويعمل غير بعيد عن الفن ، وفي جو بالغ التأثير هو المتحف العراقي للآثار القديمة ، حيث يتاح له التعمق في دراسة النحت السومري والآشوري خاصة ، ثم إعطاء دروس في النحت لصفوة من الطلاب في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ومصاحبة الفنانين الأجانب الذين وجدوا أنفسهم في بغداد ، ووجدتهم بغداد بين ظهرانيها، لدواع ذكرناها آنفاً.

كان البولونيون خاصة ، وهم لاجئون هربوا من  بلادهم بسبب الحرب والاحتلال النازي، قد تعلموا على يد أستاذ ( تتلمذ بدوره على الرسام الفرنسي بونار) (4) لذا كان تأكيدهم على الألوان واضحاً ومؤثراً . وحين التقى جواد هؤلاء الفنانين في شتاء 1942 في أحد المعارض البغدادية كان معه قرين نشأته الفنية فائق حسن  وأمتد التعارف إلى المقاهي الراقية بالعاصمة ليغنى بالحوار إلى جانب المشاهدة المتبادلة ، فقد كان جواد يرى أعمالهم ويرون أعماله ولكنني هنا أريد مناقشة تأثير هؤلاء الفنانين الذي بولغ فيه نسبياً ، ربما بسبب حماسة جواد في الحديث عنهم في يومياته.

ولي  بالتأكيد أسبابي في التهوين من أثرهم : وفي مقدمتها أمر يتصل بجواد الذي كان – حين تعرف عليهم قد عاد من دراسة فنية في أوروبا لمدة عامين (1938-1939 ) في باريس و (1939-1940 ) في روما فهل يعقل أنه لم يكتشف اللون في منابعه الانطباعية وما بعد الانطباعية بفرنسا ، وانتظر ليكتشف ذلك في رسوم المهاجرين البولونيين ؟ والسبب الأخر يتصل بالفنانين الأجانب أنفسهم إذ لم يكن أحد منهم فناناً معروفاً في أوروبا قبل مجيئه إلى العراق ، بل كانوا – كما يبدو – من الهواة ومحبي الفن .. إضافة إلى أن أحداً لم يكتب عنهم كفنانين  في بلدانهم حتى بعد الحرب .

ربما كان جواد ينّشط صلته بالفن العالمي من خلالهم .. وربما كان يجد لديهم ما يسد فراغ التلقي الذي آلتهم الحركة الفنية الجديدة – والغريبة عن محيطها – وذلك ما تؤكده شكوى جواد نفسه من سوء فهم الجمهور لأعماله وأعمال زملائه .

نقطة أخرى تخص الفنانين الأجانب أيضاً فقد رأوا في جواد  وفائق نموذجين (أوروبيين) يذكرناهم بالفن الأوروبي ، لكون جواد وفائق درسا في باريس لفترة من الزمن ، وثمة  نقطة بالغة الأهمية وهي التعاطف الإنساني مع هؤلاء المنفيين . وهو أمر أوضحه جواد في إحدى يومياته المؤرخة في أواخر عام 1944م وقد هدأ عندها إعجابه الحماسي بهؤلاء الفنانين الأجانب ، وفكر بما أعطته بغداد نفسها لهم حيت توقف عملهم في بلدانهم.

" خلال هذه الأربع سنين  التي وقفت بها باريس وأوروبا عن العمل الجميل ، لم تقف بغداد عن العمل ...

جاء إلى بغداد في هذه الفترة المديدة من الزمن أناس كثيرون ، وإذا كانت أوروبا قد أوقفت حركة إنتاجهم ، فإن بغداد قد هيأتها للعمل . وفتحت للفنان منهم عالماً جديداً من المرئيات تحت ظلال قبابها الفنية . ولم  يكن هؤلاء طلاب البوزار في باريس أو السليد سكول في لندن ، بل كانوا ذوي أفكار جديدة ومن الذين يمزجون في إنتاجهم الفني عصارة تأملاتهم ودراساتهم بدنيا إحساسهم وخيالهم .

كان هؤلاء الأجانب ذوي أثر على هذه الفئة من الأشخاص ، ولم يكن التأثير مجرد تبادل مدارس فنية جديدة للفن . لقد ارتبط هؤلاء مع بعضهم بميل فطري واحد هو إنساني محض : حب الحياة والكفاح في سبيل النظام الطبيعي ، حب الحياة والأشياء  البسيطة التي تنسينا الموت . لقد كانوا رجالاً اكثر مما كانوا فنانين .." (5).

وأعتقد أن هذه الفقرة من المذكرات ترينا قيمة هؤلاء الفنانين بحجم صحيح دون تهاويل. فهم (رجال) اكثر من كونهم ( فنانين) . وتلك إشارة إلي إنسانيتهم وحبهم للفن والحياة .. وما انطوت  عليه أفكارهم من تجديد وتأمل وخيال بل نحس أن بغداد تبادلت معهم التأثير فأعطتهم ما لم تستطع  بلدانهم أن تعطيه بسبب الحرب . وذلك لا يناقض إنبهار جواد بعنايتهم باللون مثلاً ، وتنبهه لذلك العنصر التشكيلي المهم ، فهو شعور يحسه أي فنان إزاء أي عمل جيد يعجبه ، ولا يعني انه كان خلواً من ذلك الإحساس . كما أن جواد إذ يذكر مرور أسماء بعض هؤلاء في ذاكرته حين كان يدرس في أوروبا، فإنه لا يشير إلى عمل محدد ، أو شهرة واسعة أو مدرسة فنية واضحة أو معرض.    إن حديث جواد عن هؤلاء الفنانين ينصب في حواراتهم ومناقشاتهم المطولة حول الفن أكثر من الحديث عن أعمالهم التشكيلية ، وهذا يفسر ملاحظاته حول إنسانيتهم وحبهم للحياة اكثر من وجودهم كفنانين. لقد كان جواد في تلك المرحلة المجدبة في تاريخ الفن التشكيلي العربي ، وصلته البائسة بالجمهور المنصرف عن الفن وتذوقه ، مهموماً بترتيب تلك الصلة بحيث لا يخسر الفن شيئاً ، كما يكسب الجمهور الذي يصفه الفنان في إحدى يومياته بالسذاجة والانصراف عن التذوق الفني للجديد.

وعلى أساس  ذلك يرى جواد أن مهمة ( النخبة) من الفنانين من زملائه ، مهمة عسيرة. هاهو يصف في يومياته موقف زملائه أبان الحرب:

" كانوا قلائل تحدق بهم المصاعب من كل جانب في عملهم الإبداعي وتهيئة الجمهور للفهم والتذوق . أما عملهم ، فبصفتهم البعث الأول منذ خمسة قرون ، كانت محاولتهم صعبة وهم يهيئون الأسس للأجيال الشابة القادمة . كان عملهم ينحصر في تأليف حلم هذا الإعرابي الملون غير المتناهي في كتب التاريخ وزخارف الريازة العربية . وحتى أبعد من ذلك  : التأليف بين إنسان عاش بين أحضان النهرين منذ آلاف السنين وصنع من طين هذه التربة تماثيل صغيرة جميلة ، وبين تعبير أستمده من لندن وباريس وروما.. " (6). ملخصاً بذلك مثلث المؤثرات في الفنان العراقي الحديث الخاضع لأثر فنون ما بين النهرين القديم ، والمدارس الفنية الغربية الحديثة ، وتحولات البيئة البغدادية وأثرها.

وتقودنا هذه الفقرة إلى منطلق أخر سيبلوره جواد عبر أعماله النحتية ولوحاته منتصف الأربعينيات ، ولا تثنيه عنه دراسته التالية ، في لندن ( 1946-1949).  هذا المنطلق الذي  سيشكل العمود الفقري لتميز ( جماعة بغداد للفن الحديث) هو الموازنة بين (التعبير) الأسلوبي الحديث المتمثل بالضخ الغربي عبر المدارس والاتجاهات السائدة في أوروبا ، والذي يغري بالتبني طمعاً في اللحاق بالعصر والعيش في متنه لا على حاشيته أو هامشه .. وبين ما يرد من جهة ( الجذر) التراثي الضارب في المحيط وثقافته التشكيلية التي واجهت جواد ، لاسيما وقد عمل مباشرة في متحف الآثار العراقية فترة من الزمن ، فتعرف على أساليب النحت الأشوري الضخم ، والمصغرات البابلية المدهشة ، والأختام ، والأفاريز ، والجداريات ، والنحت  الناتيء ، وسواها من نتاج فني لحضارات العراق القديم : السومرية والأشورية  والأكدية والبابلية حيث كانت مادة ( الطين ) أول ما لفت نظر جواد ، وهو صبي يكور من كتلتها عوالمه وأخيلته وشخوصه . وظلت الآثار واللقى والتماثيل هي الشغل الشاغل لجواد سليم الذي لم يضعف إزاء أي طرف  فلا هو (حداثي) تلصيقي يستلف الأسلوب من مدرسة غربية أو اتجاه أوروبي خالص ، ولا هو (انعزالي) يدير ظهره للعالم  وينغلق على مفردات حضارته أو محيطه دون إفادة من الأخر.

وكان ذلك أبرز سمات عمل جواد نحاتاً ورساماً ومفكراً.

إنه مهموم بالبحث عما يسميه جبرا إبراهيم جبرا " طرازاً عراقياً في الإبداع مجذراً في تراث العراق وحضارته"(7)  وكانت تلك ( محنة جواد سليم) بتعبير أحد النقاد الشبان وهي محنة معرفية لم تشغل زملاءه كثيراً ( باستثناء فريد لشاكر حسن آل سعيد ، وفائق حسن الذي تجاهل ذلك كما سنرى) .

إن مشكلة الأسلوب والتراث مشكلة معرفية لا تتعلق باختيار ذوقي أسلوبي لمدرسة ما ، رغم أن جواد يثني في مذكرات الأربعينيات على أسلوب رسامي ( ما بعد الانطباعية ) وعنايتهم الخاصة والجديدة باللون والضوء والخط ، لكنه يتوقف طويلاً إزاء الصلة بين رؤية الفنان الخاصة وزاوية نظره ، وبين جذوره الحضارية على مستوى الفن ، وهذه مفردات تتصل بمعضلة الهوية قبل كل شي .

في إحدى يومياته ينص جواد على أن الفنان مطالب " بأن يهضم كل قديم ليأتي بالجديد وما هذا القديم إلا دنيا هائلة" (8) وسوف يتذكر أن المؤثرات كثيرة ولكن على الفنان أن يعرفها أولاً " لكي يبقى على ما يريد وينبذ الباقي"(9) إنه يرى فن وادي الرافدين كشعب هذا الوادي " كلاهما نتاج الأرض والمناخ كلاهما لم يبلغ قط الانحطاط ولم يبلغ قط الكمال كان عمل الفنانين العراقيين القدامى خشناً ولكنه غني بالابتكار . فيه حيوية وجرأة لا تتيسران للتقنية المرهفة . كان الفنان دائماً حراً في التعبير  عن نفسه.." (10)   ويضرب لذلك مثلاً باللبوة الجريحة التي جسدها الفنان الآشوري وقد أصابتها سهام الملك الصياد في كل جزء من جسمها لكنها تغلب الموت وتصرخ في وجهه.

إن هذه الإلتفاته المعمقة من جواد لا تتناقض مع انتباهه لخطورة حركة الفن التشكيلي الحديث وحيويته وفاعليته ، الأمر الذي يراه ضرورياً لقيام فن عربي حديث لا يخضع للتقاليد والأسلوبيات البالية.

وذلك الانتباه المتوازن سيقوده إلى العناية بالمأثورات الشعبية والأزياء والأقراط التي وضع تصاميمها الحديثة بإحياء أشكالها الموروثة وإظهار جمالياتها..

لقد حدت هذه العناية بالمحيط ببعض النقاد ليشخصوا في جواد وعياً جاداً يقصي المؤثر الخارجي (( فهو لم يكن يصغي إلى الخارج بالمعني الذي يسمح له بتخريب أو إرباك رسالته المعاصرة والوشائج السرية مع السطح والكتلة وما يسفر عن تبدلات ..)). (11)

فانغماسه بالمحيط لا يعني الاستسلام له ومحاولة نقله بانسحاق وتبعية واقعية بل كان جواد يحور مرجعه دائماً ويكسبه حضوراً فنياً أي أنه يجعل السطح التصويري مكاناً لوجود واقع جديد ، فني ، متفوق على نسخة المرجع أو الإحالة . وذلك أمر  يتيسر لمن يمتلك – كجواد – وعياً بالمحيط من جهة وبالأسلوب من جهة ثانية .

وسوف يتجسد ذلك الامتصاص للمنجز الحضاري عبر توسيع المنجز وتعدده . فهو لم يبق عند حدود النحت العراقي القديم بل تنبه للتشكيل في الخط والحرف العربي كتنويع للخبرة البصرية بالمحيط . وهذا سيتضح في مرحلة العناية بالأشكال الهلالية المستوحاة من التراث الفني الإسلامي وترسيخ (( البناء الرؤيوي للحرف العربي داخل السطح التصويري وإعادة القيم الجمالية لما عرف بالأرابسيك )) (12)  وسنرى أن ذلك يتعضد بآستيحاء الأجواء الحكائية التراثية عبر قراءة ( ألف ليلة وليلة ) ورسم عدد من موضوعاتها..

وسوف يقوده ذلك إلى عالم ( البغداديات ). وهي مرحلة استيحاء البيئة المحيطيه سواء بأشكال الشخوص ، أو التكوين العام للموضوع البغدادي ، وطقوسه الاجتماعية وعاداته وثقافته ، أو بالانتباه للمكان والعمارة الخاصة والمقاهي وألعاب الأطفال والملابس ..

وهنا لا يتوقف جواد عند مفردات بصرية تشكيلية بل يهرع إلى المعرفة أيضا ، فيجد ذلك في رسوم الواسطي ( القرن السابع الهجري ) ومنمنماته لمقامات الحريري.

يتحدث جواد في إحدى يومياته عن الواسطي الذي يبدو انه رأى له عدداً قليلاً من الرسوم لدى صديقه عطا صبري(13) فيقول : إن يحي الواسطي (( أعظم من ظهر من المصورين في العراق .. خلدها بصوره وألوانه .. لأنه كان يخلق صوره )) (14)  وقد سرت عدوى عنايته بالواسطى إلى أصدقائه في ( جماعة بغداد ) فيصف  جبرا مثلاً الواسطي بأنه ((كان حداثياً مبكراً في الفن العربي ، وذلك لتوحد الصورة والكلمة في وعيه باستمرار ، وعلى نحو مدهش غزير التوليد في رسومه)) (15) كما تسلل ذلك إلى بيان الجماعة الذي كتبه شاكر حسن تركيزاً لأفكار الجماعة التي يتزعمها جواد نفسه . فقد أشار البيان إلى ((يقظة عصرية تقطع نفس الطريق التي قطع المراحل الأولى منها فنان القرن الثالث عشر الميلادي )) (16)  كما تسللت أيضاً قناعة جواد بالموازنة الضرورية بين التعبير الأسلوبي الأوربي وخصوصية المحيط المحلي . فوصف البيان فناني الجماعة بأنهم    ((لا يغفلون عن ارتباطهم الفكري والأسلوبي بالتطور الفني السائد في العالم . ولكنهم في الوقت نفسه يبغون خلق أشكال تضفي على الفن العراقي طابعاً خاصاً وشخصية متميزة)). (17)

ونستطيع أن نسمي الآن مؤشراً رؤيوياً آخر في شخصية جواد، هو مؤشر ثقافته. فبالرغم من نشأته في حاضنه فنية أسرية تتميز بالهواية والعفوية والاعتماد على قوة الرسم والمقدرة الحرفية ، يعطي جواد للثقافة مركزاً مهماً في تجربته . فهو ينطلق من رؤية ثقافية واضحة لا نجدها فقط في القراءات المكثفة بلغات عديدة ( عربية – فرنسية – إنجليزية ) وفي حقول مختلفة ( فكر – قصص – أشعار )، بل نجدها في التأمل والتحليل بمقابل نظرة زميله فائق حسن الذي انصاع للمقدرة الفائقة في تنفيذ رسومه وإتقان حرفيتها وتقنياتها وموادها ، تعويضاً عن غياب المولد الفكري أو الثقافي . فكثيراً ما كان – وظل – فائق يردد على أسماع طلابه (( إن الفن حس وحسب )) (18) كما غاب عنصر الرؤية الثقافية والمعرفية عن أعماله لصالح إتقان عناصر اللوحة لا سيما اللون والخط وعوامل الضوء والظل وإتقان الخلفيات والتفاصيل . وتمثل كذلك في الدعوة للرسم في الهواء الطلق وخارج الأستديو(19) قرباً من الموضوع وتفاصيله ,

وهذا الجمع بين الرؤية والأسلوب هو جزء من ثنائيات كثيرة تحكمت في فن جواد ، عرفنا منها ثنائية القديم والجديد ، والحداثة والتراث ، والرؤية  المعاصرة والجذور ، وسنرى منها ثنائية الرسم والنحت أيضاً إلى جانب الرؤية والأسلوب .. والموضوع والفن..

وقد تأكد اتجاهه الثقافي عبر صلاته بأدباء عصره وكتابه وشعرائه ، وقراءاته ومختاراته التي ضمتها دفاتر يومياته ومذكراته " وكذلك في عدد لا بأس به من أغلفة الكتب التي صممها ورسمها .. (20) ويستكمل ذلك عامل أخر هو ثقافته الموسيقية الحديثة ، وانتباهه للحس الفني في الأعمال الموسيقية العالمية ، ورغبته في تعلم العزف على الجيتار ، وكذلك في انتباهه للموسيقي المحلية ، كما برزت في عدد من لوحاته التي صور فيها موسيقيين وعازفين ومؤدين شعبيين ..

 

 

الاختيار الصعب: الرسم أم النحت  ؟

في إحدى يومياته (29/5/1944) يشير جواد سليم إلى توزع محير بين الرسم والنحت  فيقول: "إني لا أريد أن أكون  كروزيتي يبدد قدرته بين الشعر والتصوير لا يدري أيهما يجيد..أنا أعيش في القرن العشرين وتقسيم قواي بين الرسم والنحت من المؤكد سيوصلني إلى لا شيء. إني أفكر أن أتحرر من الرسم في يوم من الأيام، لأني أشعر شعوراً أكيداً أنه ليس بالشيء الذي أعيش من أجله. إنه لا يعبر عن نفسي تمام التعبير"(21).

إن حيرة جواد ليست انتقائية يحددها المزاج. كما أنها لا تتصل بتداولية الفن أو تسويقه، ولا تحتكم إلى تلقيه لدى الجمهور. بل هي حيرة اعمق من ذلك لأنها تتصل بقدرته على التعبير عن نفسه من خلال الفن المناسب، وقدرة الفن على استيعاب ما في نفس الفنان.

فالحيرة إذن في اختيار وسيلة التعبير أساساً، وقد خلق ذلك لجواد إشكالية حقيقية، لا يهمنا منها التوزع الحرفي وعامل الوقت أو الجهد، وحتى المستقبل بمقياس الإبداع والشهرة وأي المجالين يحقق ذلك.  فالمسألة أكثر تعقيداً من ذلك كله. لقد أحس جواد بقابليته (وقدرته) لإنجاز مشروعه ورؤيته في النحت  تحديداً، كما وجد في النحت ، بالمقابل، الوسيلة الممكنة لتوصيل ما في نفسه.. وهذا أمر يدعونا للحديث عن طبيعة المادة الخام في الرسم وفي النحت … وفي أدوات التعبير نفسها، فضلاً عن إمكان التعبير في المجالين.

لقد تحدث جواد مرة أخرى بعد عام ونصف عن الحيرة نفسها، وأضاف مبررات تفصيلية هذه المرة. فقال في إحدى يومياته (3/10/1945) بعد إنجاز صورة شخص      (الفراش حسين): "استقر في رأسي شيء خطير، وهو أني لا أصلح أن أكون رساماً لأني أرى شيئاً وفرشتي تعمل شيئاً آخر. وقد استنتجت في كثير من المرات أني لا أرى الألوان بالقوة التي يتطلبها رسام بارع من الصنف الأول، وأنا لا أريد أن أكون مصوراً من الصنف المتوسط. إني أفكر بالشكل والحجم أكثر مما أفكر باللون… وأني اجتهد بكل طاقتي وأحرص أشد الحرص في إخراج حتى أبسط القطع في النحت، بينما يكون الرسم لي كلهوٍ بسيط لا يهمني إن كان حسب اتجاهي القديم أو الحديث، بالنسبة لصوري التي رسمتها قبلاً .." (22)

لعل في كلام جواد هذا شيئاً من المبالغة، عبر تهوين قيمة رسومه لصالح تحقيق رغبته التعبيرية في مجال النحت…لكنه عملياً لم ينقطع عن الاثنين في مراحل حياته كلها… وحتى في فترة انصرافه لإنجاز نصب الحرية في أيامه الأخيرة، ظل يرسم بكثرة.. وحفظ لنا أرشيفه تخطيطات كثيرة بالغة الروعة لأفكار وخطاطات ودراسات لشخصيات النصب أو حركاتها وأبعادها، تتعدى بقوتها وتعبيرها كونها خطاطات أو دراسات أولية.

لكن مشكلته كما قلنا تعبيرية، ويبدو أنه لم يستطع الإفصاح عنها يسبب محدودية ثقافته في مجال الفنون وجمالياتها قياساً إلى حجم السؤال الذي عذب روحه.

نحن نقر مع جبرا إبراهيم جبرا أن جواد سليم"كان من تلك الفئة القليلة في تاريخ الفن التي استطاعت أن تجمع بين النحت والرسم. طبعاً على النحات أن يتقن الرسم. ولكن رسمه يظل من قبيل الدراسات الضرورية لنحته. فهو أمر ثانوي لديه، لا يبغيه لذاته. أما الرسم لدى جواد فهو الشق الآخر من حياته"(23)  ولا ندري مدى دقة تحديد أولوية أو ثانوية الرسم للنحات، لكننا متيقنون من (استغراق) جواد في الرسم بنفس القوة  التي كان ينصرف فيها للنحت ويفكر ويخطط ويعمل.

كتب في رسالة لأحد أصدقائه في نيسان 1944 إن أكثر ما يثقل عليه الآن هو تقسم قواه بين الرسم والنحت. وتوقع أن يترك أحدهما ذات يوم مبرراً ذلك بأنهما معاً سيكونان فوق طاقته وأن قابليته سوف تتجزأ بينهما. ثم توقع بأنه سيترك الرسم نهائياً(24)  وهو أمر لم يتحقق طبعاً. وأحسب أن الاختيار الصعب بدأ منذ الطفولة، حيث توجه جواد يعمل ألعابه من الطين ثم ليرسم ،متأثراً في النحت بأمه، وفي الرسم بوالده. وتطور الأمر في شبابه لينغمس مع زملائه في رحلات الرسم أو الاشتراك في المعارض، بينما ظل هواه الخاص داخل مشغله يتبلور في النحت .. وحين بدأ يطلع على الرسم والمنحوتات الأوروبية، قابلته الحيرة نفسها، فتوزع إعجابه باللوحات، وبتماثيل عصر النهضة ومنحوتاتها معاً.

أما حين عاد ليدرس آثار العراق القديم ويقرأ فنونها، فقد توزع أيضاً بين رسوم جدارية ونحت ناتيء أو بارز ومصغرات أو كتل.. وكان عليه أن يختار أيضاً.

لكن رؤيته لم تجد تجسدها الحر في الرسم، بسبب نظرته للأشكال والأحجام وتقدمها على اللون والخط. كما أغرته السطوح الخشنة أو كما جذبته الكتل والأحجام.. وقد انتقلت عدوى النحت هذه إلى رسومه، فكان سطح اللوحة بالنسبة لجواد مكاناً خيالياً يستخرج منه كنوزه الشكلية، وأخذ يرسم بقلم الرصاص على سطح القماش الأبيض بعد أن يهيئ لهذا السطح قبل الرسم ملمساً خشناً(25) وهذه إشارة ذكية إلى تنافذ نوعي أسلوبي، أي أن الرسم يهرّب مزاياه للنحت، كما أن النحت يبادله المزايا. فالملمس الخشن والمفردات الكثيرة والتفاصيل، والعناية بالكتل وتوزيع الفراغ في اللوحات، يقابل رشاقة المنحوتات وجمال أعضاء شخوصها ورهافتها، وإغراقها في الشاعرية أو الغنائية. حيث نجد شيئاً من التعبيرية الرمزية في منحوتاته..

لكن جواد رغم ذلك السؤال العسير والحيرة الرؤيوية بين الرسم والنحت، لم يترك واحداً من الفنين بل مضى موغلاً في انشطاره الأسلوبي والتقني مغنياً تجربته برسوم ذات أهمية خاصة في التشكيل العراقي، بينما ينجز أعمالاً ستعد من أبرز الأعمال النحتية العربية وأهمها على الإطلاق.

إن تساؤلات جواد والأمثولات التي ضربها عن حيرة مشابهة لأحد الفنانين بين الشعر والتصوير، لم تكن موجودة إلا في الجانب النظري من رؤيته. فالقرب بين الرسم والنحت ليس كالبعد بين الشعر والرسم، على مستوى المادة والأدوات على الأقل. وهذا عامل آخر ظل يعتمل في داخله، ويزكي افتتانه باللون والخط، كما يلهب عشقه للطين والصخر وللكتلة والشكل والحجم بالضرورة. كما يعكس ذلك تعلمه من رسوم بيكاسو ومن تماثيل هنري مور(26)  معاً .. إذن لم تتحقق نبوءة جواد بهجران الرسم. كما أن اندفاعه في الرسم لم يحرمنا من عبقريته في النحت كما سنرى…

 

أزمنة.. ورسوم:

تعود أقدم رسوم جواد سليم المتوفرة الآن إلى مطلع الأربعينيات ويمكن لأغراض الدراسة أن نقف عند الخمسينيات كحد زمني وأسلوبي. ففيها عاد جواد إلى بغداد، وأسس جماعة بغداد للفن الحديث، وانطلق في مشروعه التشكيلي المعتمد على الأسلوب الحديث واستلهام التراث. لكن رسومه الأربعينية وتلك التخطيطات والدراسات الأولية السريعة التي ضمها دفتر مذكراته المسمى (تأملات روحي) (27)  المدونة في العقد نفسه، تتيح لنا التعرف بوضوح على رؤيته وأسلوبه.

وأول ما يطالعنا مجموعة تخطيطات سريعة (اسكتشهات) منفذة بالقلم وتتسم بالسرعة والرهافة والحركة. حيث يعتمد فيها على أبراز الخطوط الخارجية (Out lines) واختزال التفاصيل لصالح التكوين العام، والأجساد التي لا تبدو سماتها الخاصة بوضوح، أو تشربها، بينما تبهرنا الحركة الضاجة فيها، وهو أمر يعلله انشغاله النحتي واتجاهه لإبراز الحجم والكتلة وسنرى في تلك الرسوم التخطيطية، لاسيما التي نفذها بعد سفره للدراسة، اهتماماً بالمرتكز الثقافي للعمل. فثمة أكثر من تخطيط لقصة الحمال  والبنات من     (ألف ليلة وليلة)، وتخطيط لقصة يوسف من القرآن الكريم، يلفت نظرنا فيها ابتعاده عن المرجع لصالح الرؤية الخاصة. فهو لا يحيل مباشرة إلى مراجعه، ولا يرهن رسومه بها.

تلك مسألة مهمة سوف تتضح في الخمسينيات، وتعبر عنها رؤيته للصلة بين الفنان والواقع. لكننا سنتحدث الآن عن بعض لوحاته الأربعينية مثل (أطفال في الطريق 1944) حيث يبرز التركيز على الخطوط الخارجية أيضاً، وتظهر ملامح الوجوه بتعبيرية واضحة تتجسد عبر الألم في وجه الأم التي تحمل طفلاً. والبراءة الجميلة في وجوه الأطفال الذين يضمهم الشارع. إلا أن عمله الأقدم ( الملاريا 1941 ) محير حقاً. إذ أنه يعتمد على التجريد والخطوط الحرة المتشابكة لإنجاز انفعال عام بالملاريا، فحيث تتصل بعض المفردات بالموضوع، تظل بعض التكوينات حرة كالإشارات والعلامات، لتنجز الأثر النفسي بما تسببه الملاريا. بينما تحتل وسط العمل صورة وجه مخطط بحرية وشيء من التجريد، ويمتلئ السطح التصويري بالخطوط ليعكس الرعب والاحتدام. وهو أمر سيتكرر في دفتر مذكرات جواد عام 1944 حيث تحتشد اللوحة بالخطوط والتفاصيل        (أبواب – أجسام – أشجار- أشباح – أشكال هندسية) وكأن العمل مشروع جدارية غير مكتملة.

  وفي (الابن المقتول 1947) و(الطفل الميت) في العام نفسه، نجد نزعة تعبيرية واضحة في وجوه النسوة وصياحهن ووجود الابن والطفل ميتين وسط العمل، يوحي أحدهما بصلب المسيح.. كما تبرز نزعته الخطية الحرة واضحة في العملين.

يحاول جواد في هذه الفترة الاقتراب من الجسم العاري دون إشعار مشاهده بأية نزعة حسية أو جنسية، لصالح إبراز (جمالية) الجسم المرسوم كما يتضح في تخطيطات دفتر مذكراته المعنون (تأملات روحي) حيث يستعين بالتنقيط والخطوط الحرة لاستكمال أبعاد الجسم دون انصياع لأية نزعة أكاديمية، الأمر الذي سيطر على رسوم وتخطيطات زميله وصديقه فائق حسن. فجواد مشغول بالحركة والكتلة والخط أكثر من تفاصيل الموضوع التي تبرز المهارات التقنية، كما تتضح نزعته التجريدية في تخطيط أطلق عليه     (الإنسان الخالق) 1945 وكأنه يعيد للذاكرة أجساداً نجدها لدى الرسامين العالميين وماتيس خاصة (لاحظ عمله في دفتر المقتبسات والمذكرات) وهو صورة امرأة تداعب شعرها بإغراء وأنوثة ، والنساء الراقصات في عمله (بلاد لافاد الجميلة) وبعض المشاهد الحسية (رجال ونساء). وتشدنا كذلك الحركة المتسمة بالعنف والتعبير الجسدي الصارخ في تخطيطاته المتسمة بالتكثيف والرهافة، جامعاً إلى جانب ذلك بداعة التكون وبراعة الخط، مما يستلزم تعويض اللون المفقود ويجلب الانتباه إلى الحرية في تشكيل أشكال الشخوص (figures) واختزالها بالخطوط الخارجية ذات الحدة والعمق مما يقرب تلك الشخوص من الوحشية.

إن ثنائية الرسم والنحت لا تتجلى في النزعة الكتلوية وإهمال اللون، وإنما في تجسيم التعبيرية بالحركة الشاملة، وإحاطة الموضوع بطاقة المخيلة التي تقصي المرجع دائماً. وهنا نستذكر رأي الفنان في الواقعية. فهو يرفض عام 1951، في كلمته في افتتاح معرض جماعة بغداد، ما يراد من فهم سطحي للواقعية القريبة من الفوتوغراف والسذاجة، ويؤكد على النسخة الفنية دائماً لا نسخة الواقع.

لكن نزعة التلوين ستظهر واضحة في رسوم الخمسينيات وإن تكن تباشيرها الأولى تعود إلى بعض أعمال الأربعينيات مثل لوحاته الزيتية (نساء في الانتظار1943)              و(رجل في المقهى ) 1943م ولورنا ( زوجة الفنان بثياب عربية ) 1948م وبعض المناظر الطبيعية (Land Scape) حيث يدخل اللون هنا كعنصر أساسي من خلال تحديد المنظر وجزئياته أو جمالية الشخوص، وكذلك العناية بالخلفيات وبعض التفاصيل. أما عمله في الوجوه والأعضاء فيتسم بالجمالية الواضحة بتأثير من الانطباعية وما بعدها، مع إضفاء جو خيالي يؤطر مشاهد الواقع وأمكنته (المقهى-البيوت -الأزياء-الأثاث..).

أما رسوم الخمسينيات فتمثل طفرة واضحة على المستوى الأسلوبي فإذا كانت الثقافة والقراءات تعمق تخطيطات الأربعينيات لا سيما تلك المستوحاة من ألف ليلة وليلة، فإن رسوم الخمسينيات تمدنا بتنوع متعدد النواحي على مستوى الموضوع المستوحى من الطبيعة (شارع في مدينة بعقوبة) 1952 و(الجادرية 1953) ومن مفردات الواقع (عائلة) وسلسلة رسومه (بغداديات) و(زخارف هلالية). والموضوعات الإنشائية ذات السمة التجريدية مثل (الضحية 1951-1952) وبعض البورتريهات التي تجمع الدقة الأكاديمية إلى جانب التركيز على التعبيرية وجمال الوجوه ومكملاتها.

وبهذه الاتجاهات الفنية أبدع جواد سلسلة رسوم كان لها أثر في الفن العراقي عامة. فجواد يقدم أمثولة للكد الذاتي خارج أسوار المدارس والاتجاهات المغلقة. فالحرية تتضح الآن في الأسلوب وتنوع المعالجة وطبيعة المادة.

صحيح أن الزيت والقماش هما مواد اللوحات الأساسية، وأن اللون والتعبير فيها عنصران رئيسيان، ولكن الأسلوب المعزز بالرؤية الفنية يتراوح بين الاحتفاء باللون، وتناغمات الضوء والظل، وتوزيع مساحات الكتل والخلفيات بتأثير انطباعي محدد واضح، بينما تستسلم الصور الشخصية (كصورة الشاعرة لميعة عمارة) إلى تعبيرية شاعرية تحفظ جمال الوجوه النسائية وفتنتها السابحة في ألوان رصينة متناغمة مفعمة بالحيوية والشباب والجمال القريب بأبعاده من الرسم الأكاديمي، مع متعة حقيقية في رسوم الواقع ومفرداته، تلك التي لا تخضع  له كمرجع أو نسخة أصلية، بل تبتكر وجودها الخاص داخل العمل.

ونرى من المؤثرات الأخرى شيئاً من التكعيبية والسوريالية وبدايات الاتجاه نحو المحيط البغدادي والمؤثر الإسلامي العميق.

فبغداد بالنسبة لجواد، وكما تعكس لنا سلسلة رسومه عن الزخارف والهلاليات والمناظر البغدادية، ليست مدينة مجردة من تاريخها بل تتحد فيها عناصر تاريخية: كونها عاصمة الدولة العباسية، ومسرح أغلب الموروث الحكائي في ألف ليلة وليلة، كما أنها الجغرافية الروحية للفنان، ومهد الصبا والشباب، وتجلي المشاهدة المباشرة في أحيائها وطرقها ومناظرها اليومية.

هنا برزت في رسوم جواد تطلعات جماعة بغداد التي كانت تلك الرسوم، تمثل الجانب التطبيقي لأطروحاتها النظرية، وطموحها لخلق مدرسة تستلهم الموروث الإسلامي، والرسم القديم الذي يمثله يحيى الواسطي، والإخلاص للبيئة بالمفهوم الرومانسي الثوري. ولكن أبرز ما ظل من رسوم تلك الفترة هو العناية بالشكل الهلالي سواء أجاء بشكل أيقوني يمثله  رسم الأهلّة وزخارفها مباشرة في اللوحة، أم في تمثل الشكل الهلالي وهضمه، ليظهر في استدارات الوجوه عامة، والعيون بشكل خاص، عيون النسوة والأطفال.

في هذه الفترة يرسم جواد أهم لوحاته: زخارف وبغداديات 1955-1956 ولوحة (أطفال يلعبون) 1953 و(الزفة والموسيقيون في الشارع وليلة الحنة) 1956-1957 و(كيد النساء) 1957 و(صبيّان يأكلان الرقّي). و(السيدة والبستاني) و(الشجرة القتيلة) و(القيلولة) 1958. وهي أخصب سنوات فنه، ثم بداية قطيعته مع الرسم لانشغاله بدراسات عمله النحتي الخالد (نصب الحرية)، إلى جانب أغلفة الكتب والدواوين الشعرية التي رسمها في الخمسينيات.

وأية نظرة فاحصة على أعمال الخمسينيات الزيتية هذه، سترينا النضج الذي وصل إليه الفنان، سواء على مستوى الرؤية التي تتيح له الالتقاء بموضوعه في أفق الحداثة التي تفهم الموضوع فهماً فنياً متقدماً، أم على مستوى الأسلوب والتنفيذ الحر والدقيق الذي ينم عن شخصية تشكيلية متميزة أسلوبياً، تقف بمنأى عن المدارس المعلبة، وبمنجى من الفطرية أو الطبيعية الفجة.

أحياناً يكون الواقع محركاً أو دافعاً لإنجاز العمل، كما في لوحة (الشجرة القتيلة) التي رسمها بعد أن رأى بستانياً في حديقة منزلهم يهوي على شجرة متيبسة لكي يقتلعها، فكان ذلك دافعاً لموضوع لوحته التي كان أسمها يشي  برؤية إنسانية تعطي النبات سمات بشرية فهي شجرة مقتولة نحس بآلامها، كما يحدث للبشر إذ يموتون.. وقد أمتد هذا المنظور إلى الشكل نفسه، حيث بدت الشجرة في غاية الجمال، قريبة الشبه من امرأة شابه بقوام جميل وشعر كثيف بينما تتضح القسوة في حركة الرجل الذي يهوي عليها بفأس كبيرة بينما تعلق رجل آخر فوق جذعها ليجز رأسها، وانحنت المرأة ذات الزي الفلاحي لتجمع أشلاء الشجرة من الأرض، بحركة جميلة فيها عناء وفتنة، وكأنها تحمل شيئاً يخص جسدها هي لا جسد الشجرة. أو لعلها الشجرة ذاتها التي انحنت بانكسار وتعاطف لتلم حطامها واشلاءها. وقد برز تنفيذ أجساد النساء في هذه المرحلة . بأسلوب خاص يحيل إلى البيئة والتراث لا سيما في الغلالات الشفيقة التي تغطي الأجساد (كما في كيد النساء المستوحاة من حكاية مشهورة في ألف ليلة وليلة) مما يزيد تلك الأجساد فتنة وغواية.. كما نرى بعض مفردات المأثور الشعبي سواء من طرف الموضوع: كالزفة والحنة والموسيقى الشعبية وألعاب الأطفال والأكلات والمقاهي والأزقة،أو من جهة تحديد الوجوه بأشكال هلالية وعيون واسعة بشكل لافت.

ويتحول الزيت دائماً من مادة كثيفة ذات ثقل ودلالات لونية، إلى إطار شاعري يحدد بحرية ودعة وتلقائية تزيد المناظر جمالاً.

والملفت حقاً إلى جانب الحرية الأسلوبية والحداثة، ذلك الفهم المعمق للواقع وطريقة تمثيله فنياً… وذلك يؤكد البرنامج النظري لرؤية جواد سليم الذي قال عام 1951: "إن الزمرة التي تتذوق الفن والتصوير من جمهورنا تفرض إرادتها بصورة عجيبة … هؤلاء يريدوننا أن نرسم تفاحة ونكتب تحتها ( تفاحة ) .. ومنظر الغروب على دجلة وتحتها (الغروب)… أو فتاة جميلة ويجب أن تكون جميلة لأن الفن جميل وتحتها نكتب بخط جميل : الانتظار … والفنان الحق يجب أن يعرف ماذا يرسم ولماذا هو يرسم.. فماذا تعني صورة نخيل رسمت كما يراها الفوتغراف؟…"(28)

ولعل هذا الفهم لصلة الفنان بالواقع وكيفية التعبير عنه ، لا يقل خطوة عن رؤية الفنان لمسألة الجميل، وإنجازه فنياً.

وهذا ما تجسد في رسوم جواد التي امتلكت،  من هنا، حسب ظني، قابلية التأثير، بينما ظل أثر زملائه محدداً، بسبب فهمهم المحدود للطبيعة والموضوع، ونقصان رؤيتهم في الجانب التعبيري والأسلوبي.

وهذا بالضبط هو ما أهله للانتباه مبكراً إلى دور الخط والحرف في اللوحة، مما سيطوره لاحقاً وبشكل راق زملاؤه الفنانون وفي مقدمتهم شاكر حسن آل سعيد وجميل حمودي.

 

 

 

جواد النحات ونصب الحرية:

في قلب العاصمة بغداد، وأشهر ميادينها (ساحة التحرير) الشريان العضوي للمدينة، تطل كائنات (نصب الحرية) العمل الضخم لجواد، والذي كان يحلم به مزيناً مدينته التي لاحظ أنها خالية من التماثيل والمنحوتات (لم يكن هناك سوى ثلاثة تماثيل برونزية للجنرال مود، والملك فيصل الأول، وعبدالمحسن السعدون) وهي من عمل فنانين أجانب. وكأن هذه المدينة تؤكد قطيعتها عن حضاراتها المتعددة التي ورثتها عن سكان ما بين النهرين وموروث النحت السومري والبابلي الأشوري متعدد الرؤى والأساليب والأشكال.

هذه القطيعة بين الموروث الفني والحاضر، كانت سبباً في حماسة جواد لعمل خالد يعيد الصلة بالموروث، ويبرز كفاءة الفنان ورؤيته.

لقد كان لجواد بضعة أعمال نحتية، رفضت الجهات الرسمية بعضها بسبب تدني الوعي الفني للجمهور، وعرض بعضها في مناسبات متعددة. (29)

قبل ذلك لابد من تفحص المؤثرات الفاعلة في رؤية جواد النحتية. فهي تنهض بالدرجة الأولى على الثروة المتحفية الهائلة للنحت السومري والأشوري وبعض التماثيل والمجسمات والمصغرات البابلية، وما حفظته خزائن المتحف من لقى وتكوينات فخارية تنتمي لمادة الطين التي ألهبت خيال جواد سليم وهو صبي، ولفتت حاسته الفنية بغناها ولونها وطواعيتها.

وتتمثل كذلك في الأشكال الأيقونية الإسلامية مجسدة في عمارة المسجد كبيت عبادة ينطوي على جمالية الأزرق وروحانيته وفضائه .

ويكتمل مثلث المؤثرات النحتية في المشاهدة البصرية المباشرة التي اكتسبها الفنان كخبرة فنية عبر زياراته ودراسته في أوروبا، حيث تكتنز الساحات والمعابد والمتاحف، بالتماثيل والأيقونات والجداريات، لا سيما ما ورثته أوروبا من عصر النهضة وما قبله.

وفي دراسته للنحت يكتسب جواد فرصة أخرى لمعايشة فن النحت برؤية جديدة، كان يمثل قمتها هنري مور الذي يقوم بالتدريس في مدرسة سليد التي انتظم فيها جواد.. ذلك كله يتعزز برؤية شاملة للفنان وموقف فكري إزاء الصلة بالموروث والأساليب الحديثة من جهة، وبالمادة والأدوات من جهة أخرى إلى جانب الرؤية الثاقبة للتعبير عن الموضوع بكيفية متقدمة.

لقد قدم جواد منحوتة في المعرض الربيعي لجماعة أصدقاء الفن عام 1944 عبارة عن قطعة صغيرة من المرمر العراقي أسماها (النهر الأسود) لكن الفنان يشكو في يومياته أنه رغم عمله فيها بشكل متواصل طوال شهرين، لم يشترها أحد ولم تثر إلا إعجاب القليلين(30). وقد كانت تلك إحدى معضلات تلقي النحت، فالجمهور يعرض عن المنحوتات المعروضة دائماً في الأرضيات، بينما تتجه عيون المشاهدين إلى اللوحات. قبل ذلك كان جواد قد ساهم بمنحوتة يتجاوز طولها المترين بعنوان (موكب ملك أشوري) لكن عمله الأهم في الأربعينيات هو منحوتة (البَنّاء) التي تحدث عنها مطولاً في يومياته.

تعود دراسات المنحوتة وتخطيطاتها الأولية إلى عام 1944 وفي أواخر عام 1945م ينتهي منها تماماً. لقد كان عمل (الأسطة)-كبير البنّائين-هو الذي أوحى له بالعمل. لذا فقد ظهر في العمل النحتي كبيراً.. ونفذها بطريقة النحت النائيء جامعاً مؤثرات الحضارة الفرعونية والأشورية، وهي غنية بالتفاصيل. فثمة سبعة أشخاص إلى جانب البنّاء الأساسي يساعدونه في العمل وهناك تخطيط أولي منشور للمنحوتة ضمه دفتر مذكرات الفنان، لا علاقة له كثيراً بالعمل المنجز. نجد في المنحوتة تركيزاً على (الأسطة) ولا غرابة فجواد يقول أنه استوحى الشكل عند رؤيته أحد مزخرفي الجدران المشهورين في بغداد "وهو يعمل بكل دقة وهدوء في زقاق القصر العباسي وقد أعجبني شكله وما جاوره من الصور والحركة والحياة واهتمامه بعمله وتأكده منه ثم العظمة التاريخية في الشيء الذي يحاول إصلاحه بعد رؤيتي هذا المنظر ازدحمت في رأسي ذكريات وأفكار حفرها هذا المشهد في زوايا منسية من رأسي . وتلا ذلك اتصالي المباشر بأهل البناء والأسطوات والخلفات والصناع الصغار عند بناء بيتنا الحالي ....

وأضطررت وأنا أدرس هذا الموضوع إلى الاتكال على الماضي ، على القباب القديمة ... وشيء آخر وهو الذي استمددت منه الاسم .. هو قراءتي لمسرحية إبسن عن ذلك الأسطة الذي مات لفنه... إني بلاشك قد آستعنت ، زيادة على نفسي والطبيعة والاتجاهات الحديثة بعدة اتجاهات فنية : مصرية وآشورية وغوطية وهذا شئ طبيعي)). (31)

وإذا كنا هنا ، نتعرف على مولدات الموضوع، وهي عبارة عن ملاحظات بصرية وانفعالات وجدانية وتفاعلات فنية مع العمال البنّائين، فإن معرفة المؤثرات ستكون بطاقات جيدة للتزود بإدراك جمالي مناسب لمنحوتة ( البنّاء) .. حيث نلاحظ الأشكال النحيفة والوجوه المستدقة والجو الحلمي الذي يعمل به الشخوص استيحاء من الفن الفرعوني إضافة إلى تحكمه بالنسب وفق أهمية الشخص داخل السرد الفني للمنحوتة التي ( تروي) حكمة العمل وجماله والألفة بين الصانع ومصنوعاته ، وبينه وبين مساعديه ، وهؤلاء مع موادهم .. فيأتي (الأسطة) اكبر من الجميع ،  وبارز العضلات بينما يتضاءل الأخرون إلى جانبه .. وهذه إحدى اكتشافات جواد سليم لجماليات النحت الأشوري القديم، وملاحظة أن الملك يأخذ نسباً اكبر في التنفيذ.. وتسلل ذلك إلى تنفيذ جواد لأعضاء البنّاء الأكبر حيث ظهرت اليد اليمني التي تمسك بالفأس ضخمة قوية لكي " تمثل القوة والشدة الجنسية – أي اليد التي تصنع وتحس وتلمس ، لا اليد التي تفكر "(32)  وراح بعد ذلك يجمل وجوه الصناع الصغار الذين كان يراهم في الواقع وقد تبقعت وجوههم الحمراء الصغيرة الشابة برذاذ مادة الجص الأبيض .. وهكذا أنجز جواد في هذه المنحوتة المهمة – والمبكرة في تاريخه الفني – رؤيته المتلخصة في دراسة الموضوع ، ورفعه من سياق الواقع لدمجه في سياق الفن ، وإعطاء السرد أهمية خاصة وأساسية لا غنى عنها في فهم عمله ، وهي ميزة تعلمها من المنحوتات العراقية القديمة التي تحكي طقوساً وعادات وأحداثاً .. كما انه جسَّد وعيه بأن القطعة الفنية "يجب أن توجَّه حسب الموضوع"(33)  وهذه إحدى ملاحظاته المهمة التي توضح رؤيته لعلاقة المادة الخام بالأسلوب لا سيما وهو نحات يتعامل مع سطوح صماء ، عليه أن يحفرها ليودعها جماليات التعبير الخالصة.. كما أنه يحدد العلاقة بين البساطة في الموضوع ، والعمق في التنفيذ بصدد الموضوع خاصة. حيث يرى أن المواضيع البسيطة ( كحفر تمثال بسيط على الخشب ) تكون أصعب من أي موضوع أخر .. ونختم حديثنا عن ( البنّاء ) بالقول إن له في نفس الفنان مكانة كبيرة كما يتضح ذلك في فرحه الشديد بإنجازه ، وتصريحه بتك الأهمية ..

في مسيرته النحتية سينجز جواد أعمالاً كثيرة ، لا يحالف الحظ أغلبها إما لأنها لا تحوز إعجاب طالبيها لقصور في وعيهم ، أو لأن مردودها غير مقنع .. وهكذا أجهض عدد من مشروعاته لسبب أو لأخر ، يذكر منها في يومياته : تمثالين لمحطة قطار مدينة بعقوبة القريبة من بغداد ، وتمثالاً لحصان لمضمار سباق الخيل في حي المنصور ببغداد لم يعجب الشركة القائمة على السباق .. وشعاراً لمصلحة نقل الركاب بالعاصمة، ومنحوتة برونزية للمصرف الزراعي جعل لها عنواناً ( الإنسان والأرض )  1955م نفذها بأسلوب النحت الناتئ أيضاً ، تميزت بغناها الرمزي وتكاملها السردي ، حيث تظهر الأرض الولود بشكل امرأة خصبة ضخمة الأثداء على يمينها طفل وتحيط بها أغصان شجر وثمار وتعلوها قرون ثور ( كثيراً ماتكرر ذلك في منحوتات جواد تأثراً بثيران أشور الضخمة ) كما صمم عام 1956م جدارية عن الثروة النفطية لصالح شركة نفط العراق يتضح فيها الأثر الأشوري اكثر من سواها بتكرار الثيران أسفل العمل ، واستعارة شكل الأفاريز أو الأختام الأسطوانية والأشكال التي تذكر بالحضارة السومرية والبابلية إلى جانب عامل السرد الذي يربط بين ظهور النفط من باطن الأرض على شكل شعلة نارية ملتهبة اسفل المنحوتة، وبين تحورها على شكل أشجار ضخمة في أعلاها إلى جانب المصغرات المحددة في أنحاء المنحوتة وداخلها أشكال بشرية أو دوائر مرقوشة تستحق كل مها دراسة مفصلة لا يسعها المقام..

وفي مكان غير بعيد عن نصب الحرية نرى تمثال الأمومة . في الحقيقة سنجد عملين لجواد بالاسم نفسه وبمادة الخشب وبأسلوبين مختلفين . لقد كانت الأمومة مرتكزاً فكرياً مهماً وعاطفياً أيضاً في رؤية جواد ، يلاحظ نقاده أنها بالإضافة إلى ( الثور) رمز القوة والحضارة سيكونان أهم تمظهرات الرمز عنده . وهكذا فإن قراءة نحت جواد     (ورسومه أيضاً) لا تستغني عن الثور والأمومة حيث جعلهما " موضوعين هامين "(34)  ولكن رؤية تمثالي الأم تعطينا منظوراً جمالياً مختلفاً . فالأول ( 1952م) منفذ بطريقة مباشرة مع شيء من الرمزية والشاعرية في حمل الفاكهة ( ربما إشارة إلى الخطيئة الأولى ) ، وضخامة الثديين إضافة إلى جمالهما ورقة الجسد ودقته ، والعينين الواسعتين بشكل هلالي واضح .. أما التمثال الثاني للأم ( عام 1954م ) فهو يعتمد التجريد . فثمة قوس أو هلال مفتوح إلى الأعلى ، يستند إلى قطعة مرمر مجوفة بدورها وكأن الشكل كله يوحي باكتناز الأم للعاطفة والولادة والجمال .. وسنرى أن ثمة كرة مدورة توحي بشكل فاكهة أيضاً ، وهي تتدلى من أعلى القوس من الجهة اليمني ، ربما تأكيداً لفكرة العقاب والنزول إلى الأرض بسبب المرأة ، أو بتفسير واقعي – لا ميثولوجي- فربما تشير إلى الولادة كثمرة لشجرة الأمومة ، والعطاء الذي يرتبط بها عبر الولادة واستمرار النوع .. وبمؤثرات الثور الأشوري سنجد تمثالاً من مادتي الخشب والحديد بعنوان ( ثور 1954) وفيه يصبح القرنان هلالين كبيرين ويستدق جسد الثور ويطول وكأنه يمثلك امتداده من الخيال والفكرة إلى الفن والتجسد بهذا الامتداد .. مع ملاحظة إتقان جواد لمادة النحت (الخشب والحديد)..وتمكنه من السيطرة عليها .

وهناك تمثال آخر وضع الفنان مصغراً له عام 1953 وعنوانه ( السجين السياسي المجهول ) وهو تمثال برونزي نال عنه جائزة في مسابقة عالمية لنصب خاص بالسجين المجهول ، نفذه جواد بأسلوب تجريدي خالص ، مستخدماً الهلال كشكل يشير إلى السجين الذي يشرق بحرية ويطل خارج القضبان التي تحيط به .. فالناظر لا يرى إلا هلالاً محوّراً مأسوراً وسط قضبان حديدية وأسلاك تنغرز في جسده ، لكنه بلا ملامح محددة كإشارة إلى هوية إنسانية لهذا السجين بسبب الفكر فهو ينتمي إلى العالم كله لا إلى جنس أو لون أو مبدأ محدد. (35)

نصل ألان إلى عمله الأخير والأكثر أهمية في تاريخه الشخصي وتاريخ النحت العراقي والعربي وهو ( نصب الحرية )الذي يشمخ الآن بجدارة في قلب بغداد كمعجزة فنية خالدة حلم بها الفنان طويلاً وفكر بما يليق بانتقال وطنه إلى نظام جديد (قيام الجمهورية في 14 / تموز –يوليو 1958) تآزر أفراد الجيش والشعب معاً لبنائها.

وفنان مثل جواد سوف يستحضر ماضي وطنه وحضارته دون شك. وهكذا ظهر الماضي  بطريقتين: موضوعية : تضج بالمفردات المجسمة في النصب؛ وفنية نلاحظها في أسلوب تنفيذ النصب: فهو يجمع وحدات متعددة بشكل عرضي ذي مضمون سردي، وكأنه يربط الماضي الثري بمنجزاته ، بالحاضر المتجدد، ووصولاً إليه ليؤكد صلة الإنسان بتراثه. وماضيه بحاضره كما أنه يحاكي الروح السردية في أفاريز العراق القديم ووحدات الأعمال المتعددة والمكملة لبعضها سواء على الجداريات أو الأختام والأفاريز والمسلات.. كما يستفيد من المستقبل كذلك في التنبؤ بما سيؤول إليه تنوع الحياة وغناها                (زراعة –صناعة – إنسان – محاربون – شهداء- كائنات حية ..) ولأول مرة يجد الفنان تقديراً لنحته بصورة استثنائية إذ جرى تكليفه بإنجاز عمله الخالد رسمياً ، وكانت له حرية التكوين والتصور معاً(36).

 وفي آذار 1959 يسافر جواد إلى إيطاليا وسيقضي أشهراً طويلة في مصهر خاص بفلورنسا ، يصنع المصغرات بعد تخطيطها ثم يعمل مع مساعديه ( ومن أبرزهم النحات الشهير وتلميذه في المعهد محمد غني حكمت) لكن الفكرة الواضحة في ذهنه أنه سيصنع ملحمة بالمعنى السردي والفني (تحكي) تاريخاً وحاضراً لذا أراد لها أن تكون بهذه السعة وأراد لها أنه تكون بأسلوب النحت الناتئ– وليس المجسمات- متأثراً بالفن العراقي القديم وفكر في لوح عريض هو الأرضية التي تستقر عليه وحدات النصب التي يبلغ عددها أربع عشرة وحدة تضم خمسة وعشرين وجهاً عدا الحصان والثور .. ويمتد هذا اللوح المعلق خمسين متراً وبارتفاع أكثر من ثمانية أمتار . ووضع جواد  منحوتاته على إفريز عرضي يجعلنا نتساءل أهو متأثر بالخط العربي فوق سطر طويل أم أنه يستوحي الأفاريز والجداريات العراقية القديمة ؟ أم استوحى ذلك من شكل (اللافتة)- أي القطعة البيضاء أو الملونة من القماش يرفعها المتظاهرون ويكتبون عليها الشعارات المؤيدة للجمهورية الوليدة ؟

يذهب جبرا إبراهيم جبرا إلى تفسير وحدات النصب على أنها مفردات "بيت من الشعر العربي يقرأ من اليمين إلى اليسار فكل وحدة هي فكرة قائمة بذاتها ولكنها تتصل بالأخرى في سياق يؤلف المعنى الذي يعبر عن النصب بأجمعه: توق العراق إلى الحرية منذ القدم، وتقديمه الضحايا في سبيلها"(37).

ولكن معاينة النصب من قريب، ستقوي اعتقاداً جمالياً قرائياً،  يتطور من تفسير جبرا الشعري.فأنا أقترح قراءة النصب كجملة نثرية بليغة  أشبه بتوقيع عباسي مختصر ووافِ وبليغ حقاً.أو حكاية قصيرة ، كالمقامة ذات  غنى سردي متسلسل ذي طاقة رمزية. ويشجع على ذلك تأثر جواد سليم بالفن الأشوري الذي يرى الدارسون أنه يعتمد على السرد ويمثل" أطول مساحة قصصية عرفت في تاريخ الشرق الأوسط فقد جعل الأشوريون السرد القصصي سبيلهم لتسجيل تفاصيل الأحداث الحربية في شريط مصور تسهل متابعته"(38).ولعل هذه النزعة السردية انتقلت لجواد سليم بطريقة الدراسة المتأنية والمعاينة البصرية لمنحوتات العراق القديم، فضلاً عن طبيعة العراق المتأثرة بالزراعة كوسيلة إنتاج مما يجعله ميالاً للسرد وتجسيد الفكرة عبر حركات متسلسلة متواصلة تذكرنا بالفصول الأربعة وتواليها ونمو النباتات المتدرج من البذرة  وصولاً إلى الثمرة.

لقد اقترن  اسم جواد سليم بنصب الحرية الذي اقترن بدوره بمدينة بغداد تاريخاً وفناً، وقد كان ذلك إنصافاً حقيقياً للفنان وللفن نفسه الذي أخذ مكانة حية وفاعلة في قلب الحياة والمكان....

يتنوع أسلوب جواد في تنفيذ كائنات نصبه، فتتراوح بين نزعة واقعية وأخرى رمزية ، وثالثة تجريدية، لكن وحدتها السردية الخفية هي التي تلائم بينها، وتبرز جمال المنحوتات وقوتها معاً.

لقد بدأت جملة النصب السردية بالحصان كرمز عربي يشير إلى الجموح والقوة (39)  ، فهو بدون فارس، وإذا كان الحصان يعج بالحركة والنفور فإن جسده مغطى بأجسام بشرية تقرن الثورة بالإنسان، ثم يندمج أحد هذه الأجساد بيد رجل ثائر  ممتدة إلى اليسار بينما يرفع يمناه باتجاه مساحات فارغة لعلها لافتات أو بيانات الثوار ، مكتملة بوجود المرأة وجسد ثور مموه في الأسفل. ثم يأتي الطفل جميلاً وبريئاً وفرحاً، تليه المرأة الباكية أو الصارخة، وكأنها تحاول فك قيود تلف وجودها، بل كأنها تبكي الشهيد في الوحدة التالية، واحتضانها له بمحبة وجمال يركز على المرأة نفسها. أما السجين داخل قضبان مشرعة وكأنها تستعد للتكسر،فهو المفكر المقيد الذي سيساعده الجندي على التحرر من سجنه.

في الحركة التالية نصل إلى مركز النصب  ومنتصفه. هنا يتلاءم البصر والفكرة حقاً فنحن نصل إلى نصف النصب، وكأن الجندي وهو يكسر القضبان يفتتح وحدة سردية جديده في جملة النصب، كما أنه – الجندي نفسه- يبدأ بثورته في عام 1958م تاريخاً جديداً  لهذا الوطن، ويعلوه قرص مختزل يشير إلى سطوع شمس الحرية التي تمثلها مرة أخرى امرأة تحمل مشعلاً متقداً يرمز للثورة  وهي بدون قدمين تعبيراً عن سموها أو تحليقها عالياً كما يقول الفنان(40).

هنا نصل إلى جو إيقاعي جديد. تنتصر الثورة ويستلم الشعب شعلتها فيسود السلام الذي برزت في أجوائه أغصان الأشجار والحمامة والوجوه الجميلة والأنهار. ثم تأتي النخلة والمرأة الحبلى رمزاً للخصب الخيرات التي تحملها بنت صغيرة في لقاء نهرين دجلة والفرات . وتبرز ايضاً معجزة الزارع الجديد بالمسحاة ( أداة الزراعة التقليدية في ريف العراق) مع ثبات وقوة أرجل الفلاحين، ثم العامل الصانع واقفاً بشموخ وبيده أداة (ورمز) العمل أي المعول. وبينهما – أي الزارع والعامل – ثمة ثور ضخم يطالع المشاهد، وكأنه يكمل صورة الحصان في أول النصب وهو استدعاء للمؤثر الأشوري لطاقة الثور رمزياً وفنياً.

لقد اكتملت موجودات  النصب الذي لا يغني وصفه عن رؤيته كأي  عمل ضخم خالد.. ولعلها مفارقة عجيبة أن يموت جواد سليم في 23/3/1961م عن إحدى وأربعين سنة من العمر ؛ وهو يعمل على وضع منحوتات النصب في مكانها في فضاء ساحة التحرير عندما داهمته نوبة قلبية توفي على أثرها .. .

 

 

خاتمة  : فكرة الخلود

كثيراً ما تحدث جواد عن فكرة الخلود .. فالفن هو التعويذة التي يمتلكها الإنسان بإزاء الموت المحتم.

وإذا كان جلجامش قد أسدى لنا نحن البشر  أمثولة عن البقاء الرمزي والخلود بالعمل فقط بعد أن يئس من العثور على عشبه الحياة التي تعيد الشيخ صبياً، وتمنع عنه الفناء ؛ فإن جواد يحس ذلك تماماً وهو يقول "أريد أن أعيش. أريد أن أشبع من الحياة . أريد الحياة على حلوها ومرها .. إنني وإن كنت سأعمل شيئاً في المستقبل أو أكون شيئاً ولكن سأموت بعد هذا الإجهاد الهائل والتعب المضني. أموت وأنا لا أعرف الحياة. لا أعتقد أي قيمة ستعطى لي … أهو الخلود أم الشهرة بعد ضياع العمر ؟ إنني سوف أموت ككل البشر... ولكني لن أعيش ككل البشر "(41).

وإذا كانت حيرة الفنان مشروعة وهو في سبيل إنجاز فنه، يخيفه المجهول والمستقبل وقيمة ما يعمل ، والحياة التي سيحياها عمله من بعده، فإن الشيء الوحيد واليقيني في حياة جواد سليم القصيرة أنه عمل ما سيترك أثراً في حياة كاملة بعده، تزكي حدسه بأنه   لن يعيش ككل البشر .. بمعنى أن حياته ستمتد بعد موته الجسدي، من خلال الفن الذي كان العمل الأكثر جدوى لحياة جواد ومجتمعه والإنسانية. وهذا ما حصل .. فكل صباح إذ  تستيقظ مخلوقات النصب، من الحصان النافر على اليمين ؛ حتى الثور  المتحفز  بين الفلاح والعامل على اليسار ، فإنما لتعلن أنها عادت للحياة مجدداً.. وعاد جواد معها حياً… وإن كان قد مات كسائر البشر…شيء من سحر الفن واستثنائية وجوده في حياة البشرية، وضرورته قبل ذلك كله.

 

 

*هوامش ومصادر دراسية

(1)                عفيف بهنسي : رواد الفن الحديث في البلاد العربية ، دار الرائد العربي – بيروت  1985م، ص119..

(2)                إسماعيل الشيخلي : الفنانون الرواد ، نشرة الواسطي ، دائرة الفنون- بغداد ، ع1–س4 كانون الثاني - 1996م ، ص3.

(3)                تراجع قائمة المصادر والدراسات في نهاية هذه الهوامش.

(4)      جبرا إبراهيم جبرا : الرحلة الثامنة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت ط2 - 1979م ، ص146. وتنظر شهادة زوجته لورنا حول الجماعات الفنية في كتاب: لورنا –سنواتها مع جواد سليم – إنعام كجه جي ، دار الجديد بيروت98،ص50.

(5)      نفسه ، ص172- 173. مختارات من يوميات جواد سليم ، يذكر جواد كذلك الصداقة التي نشأت بينهم (( صداقة متينة استعدنا فيها تأثيرات باريس قدر طاقتنا وقدر ما تتمكن به بغداد)) نفسه ، ص 165.

(6)                نفسه ، ص 172-173

(7)                جبرا إبراهيم جبرا : جذور الفن العراقي ، دار واسط – بغداد ، 1986 ، ص20.

(8)                الرحلة الثامنة ، ص 160.

(9)                جبرا إبراهيم جبرا : جواد سليم ونصب الحرية ، وزارة الإعلام – بغداد ، 1974، ص73.

(10)            نفسه ، ص 73.

(11)            عاصم عبد الأمير: جواد سليم في محنته ، نشرة الواسطي ، ع 2، ت2 – 1996م،ص9.

(12)            هناء مال الله : التأسيسات الجمالية وحركة التجييل والتحقيب ، نشرة الواسطي ، نفسه ، ص 13.

(13)    الرحلة الثامنة ، ص 145. وشاكر حسن آل سعيد : جواد سليم الفنان والاخرون ، وزارة الثقافة – بغداد ، 1988، ص  172.

(14)                             الرحلة الثامنة ، ص 16.

(15)            جبرا إبراهيم جبرا : الأدب والفنون الأخرى : شهادة ، مجلة الأقلام – بغداد ، ع 4-5 ، 1994م.

(16)            جواد سليم ونصب الحرية ، ص 47.

(17)            نفسه ، ص 48 .

(18)             هناء مال الله ، جدل جماليات الحرفة والمعرفة ، نشرة الواسطي ، العدد2 ، 1995، ص9 هامش رقم 8.

(19)            نفسه . هامش رقم 1.

(20)    منها غلاف ديوان الشاعر حسين مردان : قصائد عاربة . ومجموعة أقاصيص لأخيه نزار سليم: أشياء تافهة .. و( عرق وقصص أخرى ) لجبرا ، وديوان الجواهري الذي رسم له جواد صورة شخصية مشهورة تتصدر الديوان.

(21)            الرحلة الثامنة ، ص 169 ..

(22)            نفسه ، ص 177.

(23)            نفسه ، ص 142.

(24)            نفسه ، ص 176.

(25)            فاروق يوسف : رسوم الخمسينات ، نشرة الواسطي، ع 2- 1995م ، ص 7.

(26)            كان هنري مور مدرساً في مدرسة سليد التي تعلم فيها جواد بلندن ..

(27)            جواد سليم ونصب الحرية ، ص 166 وما بعدها ,.

(28)    نفسه ، ص 194 . وتذكر لورنا سليم بعض احباطات جواد بسب عدم تفهم الوسط الاجتماعي لأسلوبه ورفض بعض أعماله مثل الحصان الحديدي لميدان السباق بالمنصور ، ومنحوتة – المصرف الزراعي التي صممها جواد للمبنى الجديد للمصرف وتمثل فلاحاً وزوجته وطفله يتوسطهم جذع نخلة، لكن حجة المشرفين عند رفضهم للعمل أنهم –كما تقول زوجة الفنان- كانوا يريدون تمثالاً مباشراً: فلاحاً يقف أمام شباك المحاسب وبيده رزمة أوراق نقدية! . يراجع : لورنا سنواتها مع جواد – سابق -  ص 65.

(29)            شوكت الربيعي ، الفن التشكيلي المعاصر في العراق ، وزارة الإعلام – بغداد ، 1972م ، ص 63.

(30)            الرحلة الثامنة ، 169.

(31)            نفسه ، ص 176.

(32)            نفسه ، ص176.

(33)            نفسه ، ص177.

(34)            جواد سليم ونصب الحرية ، ص 49.

(35)            نفسه ، ص 52.

(36)    تذكر لورنا زوجة جواد تفاصيل كثيرة حول العرض الذي قدمته الحكومة العراقية لجواد ثم إجراءات سفره وإقامته في إيطاليا لتنفيذ المنحوتات . لورنا – سنواتها مع جواد – سابق – ص 71 – 78.

(37)            جواد سليم ونصب الحرية، ص 78.

(38)    نعمت إسماعيل علام : فنون العراق القديم ، دار المعارف ، القاهرة 1984، ص54.وفي الكتاب إشارات أخرى إلى الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في الفن الأشوري والعناية بالشخصيات والعناصر القصصية – ص 56وما بعدها .

(39)            جواد سليم ونصب الحرية ، ص 152.

(40)            الرحلة الثامنة ، ص 166.

(41)            نفسه ، ص 152.

•       بعض المصادر الدراسية

-  يشير الكاتب إلى أنه أعتمد عدداً من الكتب بالمراجعة وبعضها بعيد عنه الان. لكنه يدين له بفضل التنبيه في قراءاته الأولى عن جواد سليم .. ومنها :

1-           جبرا إبراهيم جبرا : الرحلة الثامنة ، وفيها يوميات ومذكرات جواد سليم              ( مرآة وجهي ) .

2-           جبرا إبراهيم جبرا : جذور الفن العراقي المعاصر .

3-    جبرا إبراهيم جبرا : جواد سليم ونصب الحرية .. وفيها شرح مفصل وتفسير لنصب الحرية . ودفتر جواد سليم بعنوان _( تأملات روحي )

4-           عباس الصراف : جواد سليم .

5-           شوكت الربيعي : الفن التشكيلي المعاصر في العراق .

6-            نوري الراوي : جواد سليم .

7-           نزار سليم : الفن العراقي المعاصر – التصوير .

8-           شاكر حسن آل سعيد : جواد سليم : الفنان والآخرون  .

9-           شاكر حسن آل سعيد : من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق .

10-      محمد الجزائري : الفن والقضية ...

11-      إنعام كجه جي : لورنا – سنواتها مع جواد سليم .

 

كلمات : شواهد من جواد سليم

•         إنني من الذين يؤمنون بالمستقبل.إنني أثق بالغد . وأؤمن بفوز الحق والأفضل.

•   كثيراً ما أتمنى لو أنني أنسى كل شيء . وكل ما سمعته ورأيته وقرأته لأعرف نفسي الصافية . أريد أن أنتزع نفسي من كل هذا البحر الزاخر من المدارس والاتجاهات .

•   إن عظمة الـ( post- impressionisim ) لم تقف عند اللون والضوء وطريقة خلط الألوان بل تعدتها إلى حقيقة عظيمة هي هارموني الألوان وتأثير الألوان على النظر ، أي مثل هارموني الموسيقى أو تأثيرها على السمع .

•   في عملي كنت أفكر وأبحث أكثر مما أحس . والإحساس بالشيء على ما أظن هو أهم من التفكير فيه . إن الإنسان  يحس قبل أن يفكر . وخلاصة الحقيقتين هي أني أمضيت خيرة أيامي في التفكير أكثر مما أمضيته بالشعور والإحساس.

•     الدنيا كلها ألوان ، حتى في الوحل الذي أمام شارعنا ملايين من الألوان .. خذ يحي الواسطي أعظم من ظهر من المصورين في العراق التي تدعي أنها عديمة الألوان – بلاد النخل – إنه خلدها بصوره وألوانه أو بالأحرى خلد نفسه ، لأن صوره كانت تختلف عما يرى أمامه ، لأنه كان يخلق صوره.

•          عندي أن العمل الفني يجب أن تكون له حيوية خاصة به ، ولا أعني بذلك مجرد انعكاس لحيوية الحية .

•    الفن لغة . وهذه اللغة يجب أن نتعرف عليها ولو قليلاً . ماذا يحاول المصور في كلماته هذه مثلاَ . وكلماته هي الألوان والخطوط والحجوم ؟ وهذه اللغة : إنها تستعمل نفس الكلام ولكن في قالب جديد يتبع مؤثرات العصر الحديث . ففي الشعر مثلاً لم يعد أمراً طبيعياً أن يقرض الشاعر اليوم شعراً كالشعر الجاهلي . والتصوير في مختلف عصوره يتقارب في نقاط أساسية هي جمال الألوان .. جمال الخطوط .. وجمال الأشكال مجتمعة كلها لتعبر تعبيراً صادقاً عن ناحية من نواحي تحسس الفنان لكل عصر...

•    الفن الحديث في الحقيقة هو فن العصر ، والتعقيد فيه ناتج عن تعقيد العصر . انه يعبر عن أشياء كثيرة : القلق ، الخوف ، التباين الهائل في اكثر الأشياء ، المجازر البشرية ، وابتعاد الإنسان عن الله ، ثم النظرة الجديدة إلى الأشياء بما أحدثته النظريات الجديدة في علم النفس وفي باقي العلوم ...

•         إن الفنان يتابع ما يجري حوله ويعبر عنه بإخلاص ، ولكن عليه أن يعرف كيف يحقق هذا التعبير ....

•          مجد بلادي

الفلاة التي ما حلمت إلا بها

إنها تتحول وتولد داخل روحي..

•        لوحة حياة : جواد سليم

1919 – ولادة جواد سليم في أنقرة من أب موصلي وأم بغدادية . وربما ذكر  بعض الكتاب عام 1920 تاريخاً لميلاده.

1938 – دراسة الرسم في باريس لمدة عام في معهد البوزار.

1939 – الانتقال للدراسة في روما.

- يعود لبغداد بسبب الحرب العالمية الثانية – يعمل رئيساً ( ومدرساً) لقسم النحت في المعهد – العمل في ترميم الاثار والجداريات المتصدعة في المتحف العراقي.

1941 – تأسيس جمعية أصدقاء الفن من والد الفنان الحاج سليم الموصلي وأخرين منهم جواد نفسه

–  يبدأ بكتابة يومياته (مرآة وجهي) ويعرض( السندباد في رحلته الثامنة) وأقدم أعماله ( الملاريا) – تعرفه على رسوم الواسطى.

1942 –1943 – تخطيطات وأعمال : الحمال والبنات  / قصة يوسف / وزيتيات :

                  نساء في الانتظار / رجل في المقهى / اللقاء بالفنانين الأجانب ببغداد.

1944 – دراسات لمنحوتة البنَاء او الأسطة البنَاء.

-            دفتر مذكراته ( تأملات روحي ) وفيه تخطيطات ونقل لأعمال وأشعار وأفكار كثيرة.

1946 – السفر لغرض دراسة النحت في مدرسة سليد بلندن في شباط.

1949 – العودة الى بغداد

1950 – زواجه من زميلته الرسامة البريطانية لورنا هيلز التي لحقت به إلى بغداد في أيلول.

-         أول معرض شخصي له في بغداد بعد عودته .

-         رسوم مناظر من الطبيعة والبيئة: مساجد ومآذن وقباب زرق .

-         فائق حسن يؤسس جماعة الرواد. ينضم إليها جواد ويشارك في المعرض الأول للجماعة .

1951- يؤسس جواد جماعة بغداد للفن الحديث التي تصدر بياناً في معرضها الأول

        - لوحة الضحية .

1952 –جماعة الانطباعيين – حافظ الدروبي.

        - يرسم جواد بعض البورتريهات المهمة ومنحوتة الأم .

1953 – عمله النحتي المهم  السجين السياسي المجهول – ولوحاته : عائلة /الجادرية / فلاح وفلاحة / أطفال يلعبون / منحوتة الإنسان والأرض.

1954 : رحلة فنية الى أمريكا .

 1955 – 1958 – منحوتة ثور وفلاحة/بورتريهات وأغلفة كتب /زخارف وبغداديات وهلاليات/القيلولة/قرويتان/ زفة/موسيقيون / الحنة  / رجل وحصان / فتاتان / صبيان يأكلان الرقي/السيدة وأبن

                البستاني / الشجرة القتيلة / امرأة ودلة / كيد النساء / قرويتان / امرأة .

1956- تأسيس جمعية الفنانين العراقيين .

1958- قيام النظام الجمهوري في العراق / 14 /تموز

1959- البدء بدراسات اولية لجدارية ( نصب الحرية)

- السفر إلى فلورنسا بإيطاليا لصب أجزاء النصب/ في شهر آذار.

1960-تأسيس للفرقة السمفونية الوطنية العراقية واعتمادها شعاراً كان جواد قد رسمه مطلع الخمسينيات مستوحى من القيثارة السومرية .

1961- العودة إلى بغداد والبدء بوضع قطع النصب في مكانها في ساحة التحرير بمركز العاصمة بغداد.

- في 23/ 1/1961م يتوفى جواد في المستشفى الجمهوري ببغداد بعد عشرة أيام من إصابته بنوبة قلبية أثناء عمله في وضع المنحوتات في مكانها بالنصب.

- في 16/7/1961/م أزيح الستار رسمياً عن جدارية ( نصب الحرية ).

 

 

الإستعانة بالجمال لتمهيد الحياة

 

عندما تضيق فضاءات الوطن على الابداع وعندما تفوح روائح تحدي الخراب والتضييق والعزلة عما يدور في العالم؛ وعندما يتدفق العراقيون جمالاً واندفاعاً من أجل تمهيد الحياة للعيش أكثر فأكثر لا للعراقيين فقط بل للبشرية أجمع؛ البشرية التي استنارت بفيض علوم وفنون الرافدين مذ كان العلم والفن والفكر والى آخر ومضة ابداع يشهدها العالم، عندها تبثق فنون هذا الوطن لتأوي تطلعات لها الحق في أن تتواجد في زخم الصخب وفي ثنايا مصاعب الادلاء بما لا تحسن النفس كبح جماحه؛ أو هكذا قدر الارض هنا مذ خلقت تؤجج النفوس قلقاً ووعياً وحباً وحكمة وأبداعاًً؛ ولاتطيق إلا أن تدفع أبنائها للاغداق على الآخر بمنتهى الوهج والقوة.. قوة الحياة وقوة الشعب حين يحتكم للجمال وقوة التواصل في زمن القطيعة والانكفاء.

في مرحلة إعادة صياغة أولويات الوطن، والأحتدامات على أشدها بين الأخوة يتقاسمون الأدوار لتثبيت المواقف بما نأمل أن يبني ويشد من أزر الشعب المصاب بالإعياء من هول ماشهد ويشهد؛ تسري الحكمة بهدوء في شرايين أساتذتنا الكبار الذين تنحوا قليلاً وفسحو المجال لأنفسهم لإعادة إستقراء أولويات الجمال معلنين أن أمل الأمة لم يعد مناطاً بما قد تحمله وريقات ما بعد الحرب والسياسة بل الأمل كل الأمل في مستقبل وعي الشعب بمجريات الفكر ومتغيرات إدراكه لجماليات العالم.

سالم الدباغ واحداً من الذين تحركوا لينيروا الدرب للصامتين الذين فرغوا أنفسهم للتلقي معلناً أهمية أن ينصت المرء للوحة عندما يتعالى صراخ الحرب وما يليها من اقتسامات ومفاوضات، إستاذ الفن والجمال الذي أسس منذ أربعة عقود خلت بمنتهى الهدوء لفهم التجريد المتسامي عن التصريح والتزويق والأفصاح المج الذي إنزلق اليه الكثير ممن نسينا أو تناسينا؛ في أعمال تستدعي المكننون الثقافي المعاصر ليشهد على أخطر ما تمخض عنه الفن في المنطقة العربية من تجليات نحو معادلة العمل الفني المتفلسف والسطح المركب الأكثر عمقاً مما تحتمل إستخفافات الدارسين المتعجلين للفن المعاصر والذين يحتملون خطايا عدم القدرة على اللحاق بما أفرزته لوحة الدباغ على مدى العقود الثلاث الأخيرة من فهم وربط معمق لنظرية إستيعاب وتكريس التراكب المنظوري للمشهد المراقب في الواقع لصالح إنحناءات المطلق الإفتراضي الذي يسعى الدباغ لطرحه بصرياً من خلال تسريبات النتسيق الجمالي الذي تقترحه أعماله التي شكلت جزءاً حيوياً من تأريخ التوثيق الوجداني والذاكرة الجمالية المعاصرة لهذا الشعب الممتد تأريخه لإلآف من السنين.

وتأكيداً على حرص المؤسسة الفنية للتعاطي مع ما من شأنه أن يديم ويصون قواعد العمل الثقافي المميز والمستقل الساعي لاعادة إعمار الثقافة العراقية بعيداً عن مزايدات لاتسمن ولاتغني من جوع وبعد عدد كبير من المعارض أقمناها داخل وخارج الوطن فسحت المجال رحباً أمام فنانينا من مختلف المناطق في عراق الجمال من أقصاه الى أقصاه؛ نعلن هنا أننا على قدر من التمكن لتحمل مسؤولية العمل مع أساتذتنا الكبار الذين تقدمهم سالم الدباغ معلناً أهمية ترسيخ تقاليد التبادل المحترم بين الفنان والمؤسسة المستقلة بما يدعم تحسين ظروف ومعطيات الابداع والتواصل.

 

 

 

 

 

وقفة نقدية ازاء تجارب في

المعرض السنوي السادس عشر للفنون التشكيلية

                                                                                                    نزار الراوي*

 

على قاعة بيت الزبير افتتحت الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية معرضها السنوي السادس عشر بتاريخ 30/ نوفمير ليعزز مشاركة هذه الجمعية النابضة بالحياة في تفعيل المشهد الثقافي العُماني؛ اشتمل المعرض على تجارب فناني عُمان بالرسم والنحت والكرافيك والمواد المختلفة، على أن الرسم كما هو معتاد حاز على حصة الأسد من حيث كم المشاركات وبأساليب راوحت بين الأقدم مثل السريالي والواقعي التعبيري والأحدث حيث ضفاف التجريد وبعض التراكيب السمعبصرية في الفديو آرت والرسم الرقمي الأكثر معاصرة.

أثناء تجوالي بين أعمال المعرض تحركت في ذهني تساؤلات عديدة عن الأنواع والأساليب الفنية،منها على سبيل المثال مادار حول النحت؛ فاذ كان هناك نحات كسالم عمر الذي قدم نحتاً على الرخام بموصفات بنائية غاية في الاتقان والتماسك، فهذا الفنان قدم لنا عملاً نحتياً ينم عن وعي عالي بمتطلبات المعمار النحتي حيث النحت الذي يقدم دراسة جمالية لعلاقة الكتلة بالفضاء الفيزيائي المحيط، أقول اذا كان هناك هكذا نحات لماذا لا يقدم لنا المعرض السنوي الا نحاتين معدودين على اصابع اليد الواحدة؟ لما هذه الندرة والشحة في عدد التجارب النحتية في بلد تشهق فيه جبال تعانق السحاب يشكل معضمها خامات يحلم بها نحاتون في أماكن أخرى من العالم؟ لا أظن أن لدراسة النحت علاقة بذلك حيث أعمل شخصياً منذ مدة في جامعة السلطان قابوس وأشهد أن النحت يدرس هناك في قسم التربية الفنية بكلية التربية الى جانب الرسم وعلى يد أحد أمهر الأساتذة الذين عرفتهم، وقد صادف وأن عملت على إعداد دليل القسم لهذا العام ولم أكتم أحداً رأيي بأن أعمال الطلبة في مادة النحت كانت من أجمل ما ضم ذلك الدليل وأقربها لأعمال المحترفين، بل انها في بعض تكويناتها خصوصاً الهندسية كانت تفوق حتى أعمال بعض المحترفين من حيث الدراسة المعمقة لجماليات التكوين ولمساقط الضوء، الا أنها وللاسف تبقى أعمال دراسية منفذة بمواد هشة وبأحجام صغيرة.

في نقاش جانبي مع أحد أصدقائي التشكيلين العُمانين طرح مسألة إهتمام المتلقي العُماني بالأعمال المرسومة كمبرر لشحة التجارب النحتية في معارض الجمعية، ولكني أقول ان هذا لا يبرر المشكلة أبدا حيث أن المتلقي في كل العالم يميل لاقتناء الأعمال المرسومة أكثر وكذلك المؤسسات لسهولة نقلها وعرضها، أنا هنا أتمنى على ادارة الجمعية العمانية للفنون التشكيلية وهي تشهد منذ شهور حركة دؤبة للتطور والانفتاح على كل ما من شأنه تطوير الواقع التشكيلي في السلطنة، أتمنى عليهم أن يفكرو ملياً في اقامة ورش للتدريب على النحت والتركيز على معارض النحت العمل على تبني برنامج متكامل لدعم التجربة النحتية في عمان.

وبما اني بدأت الحديث بالنحت الحاضر بنسبة أقل فسأواصل مع الأنواع الأقل حضوراً منتقلاُ الى الكرافيك الذي حضر في أعمال سيف العامري الذي تميزت اعماله بالأناقة ودقة الفصل بين المناطق الطباعية وهذا ربما من أسرار الحفر أن يكون الفنان الحافر دقيقاً وحريصاً على ابراز التكوينات التكشلية من خلال العزل المقصود لمناطق السطح الطباعي عما سواه بلا زحف بين المناطق الا عندما يكون التداخل بين طبقات الحفر من النوع الذي يمنح السطح الطابع مستويات متباينة من حيث العمق لينعكس ذلك على العمل الكرافيكي تباينات في الشدة الكثافة الحبرية تمنحه في كثير من الأحيان قدرة على الابلاغ بتفاصيل أكثر.

كذلك أعمال هلال الحارثي التي امتازت بقوة البناء بالاضافة الى ميزة التجريب الجريئ والواعي التي تحتسب للحارثي عندما لم يكتف بالتجريب على مستوى الخامة وتقنية الاخراج التي اختار الطباعة واسطة لها بل ذهب بالتجريب اقصى من ذلك ليكون من أوائل من ادلوا بدلوهم في حقل الرسم الرقمي (Digital Painting) الأحدث والأكثر أثارة للجدل والأبعد عن التقليدية واليقينية في آن.

واذا انطلقنا من هذا الموقع الى تحليل التكنيك في المعرض فاننا سنجد ان عدداً ليس بالقليل من الرسامين قد جنحوا نحو التقنيات التي بشرت بها مناهج مابعد الحداثة حيث الكسر الابداعي لحواجز الصنف الفني وتداخل النسيج المعرفي والجمالي للصنوف الابداعية على اساس من التماهي الذي تفترضه منهجيات ما بعد الحداثة، فالخشب الناتيئ من السطح التصويري لم يعد اشارة مجازية الى النحت بل صار نسقاُ رسومياً يحظى بامكانية توفير جماليات الملمس والفضاء والاضاءة الحقيقية لصالح علاقات اللون الايحائية والتشكيل الوهمي المتكون نتيجة الرسم على السطح بمختلف المواد.

جمعة الحارثي وفر للوحته ميزات اكثر عندما تعامل مع السطح التصويري على انه منطلق لفهم بصري تجسيمي وتراكبي بفعل الطبقات التي انتجها على غير عادة الرسامين الكلاسيكين الذين اعتنو بمواضيع البيئة والتراث، الفنان هنا قد تناول المفردات والعلاقات الشكلية التقليدية المتعارف عليها في نسيج الفنون البصرية المحلية ولكن من منطلقات غير تقليدية وغير متعارف عليها الا في اتون المعاصرة المصرح بها انتصارا للمعنى البصري الجديد.

كذلك انوه هنا بالعمل الذي ادعوه جميلاً بامتياز للفنانة طاهرة فداء التي لو لم تصل بكتاباتها على سطح العمل الى المقروئية المباشرة لكان عملها من اقرب الاعمال المعروضة الى ذائقتي، لكننا نفاجاء عندما نسترسل بتلقي تجربتها التي تمتاز بوجود مديات موسيقية غاية في التناغم والرقي بوجود كتابات تحيلنا الى القراءة اللفظية لما كتب ومنها الى التحليل اللغوي لمعنى النص وهنا تقع قطيعة التلقي وأنها لقطيعة حتمية عندما نصطدم برسالتين الاولى بصرية والثانية لغوية تدفعنا الى مصاعب التلقي المزدوج والتأويل المزدوج الذي لا يمكن مجاراته أبدا.

كذلك اعمال فاطمة ساجواني قد تخلت عن انطلاقها الى شفافية التداخل الرمزي الللاشكلى لحساب التوقف عند الاشارة الواضحة والقطعية للانسان من خلال التشخيص الذي آمل ان يخلصها منه حسها التجريدي قريب جداً، حيث ان بوصلة تجربتها تشير الى افق التنغيم الشكلي التجريدي اكثر.

ويبقى عمل عالية الفارسية من الأعمال التي تستوقف النقد لانه عمل يتحرك بمنطق التبادل التعبيري بين طاقات اللون التعبيرية وامكانية الرسامة على شحذ الشكل الأكثر عمقاً على التواصل مع متقلي هيئه اللون مسبقاً للتفاعل مع مضامين العمل والمراد التعبيري للفنانة.

اما من تجربة نادية البلوشية فقد استحقت القراءة المتأنية لانها امتلكت لغتها التعبيرية الخالصة والتي ابتدأت من التركيب المحترف للون وانتهت الى تراكيب وقطوعات شكلية بمنتهى النعومة والشفافية مما اوحى بعمق خيالي في العمل ربما يؤدي الى ايحاءات نفسية تقرب المتلقي الى امكانية استيعاب جمالي اكثر، لكنني لم احب توقيع الفنانة الذي بالغت في حجمه ولم توفق لاختيار موقعه مما كاد يخل في احترافية العمل ومستواه.

ومن الاساليب التي اتوقع لها نموا مضطردا باتجاه الايغال في المعنى والتكنيك الجمالي على حد سواء هو ذلك الاسلوب الذي عمل به سليم سخي حيث سلك مسلكا جرئيا في انتقاء اسلوبه ومن خلال الاسلوب المميز بدا اكثر هدوءاً وتميزاً وسيكون له توصلات رائعة لو سارت البحوث الجمالية للفنان كما ينبغي خلال الاعمال التي سيقدمها لاحقاً.

ولعلنا اذا تكلمنا عن تميز الاساليب ونموها فاننا نسير باتجاه التعليق على اعمال محمد نظام الفنان الذي جائت اعماله باختزالات لا يجيدها الا فنان متمكن من ادواته التقنية والتعبيرية حيث ابحرت اعماله في تجريد تحمد عقباه فقد اوصلنا الفنان بتقنيته البسيطة وغير المملة الى ضفاف الجمال الحقيقي والذي يسعى لطرح نفسه بديلاً عن جماليات التشخيص والواقع الزائفة والتي لاتعدو كونها تلفيق غير فني لواقع غير حقيقي.

وتواصلاً مع التحليل الجمالي للتجريد الخالص اصل الى تجربة موسى عمر الذي تكلم بلغة الكبار عندما مازج على نحو ممتع وفريد بين التجريد الهندسي الحديث والمعادلات اللونية الثلاثية وكم كبير من العلامات ذات البعد الدلالي مما دفع بالعمل الى تبني منهجا اشاريا يسحب المتلقي الى مدى واسع من التحليل الذهني لتكوينات بصرية ربما تسعى لتكون ايقونة او طلسماً لا يمكن الا التوغل بالتلقي الايجابي له، من هنا أرى ان كل تلك السلوكيات والاداءات الفنية التي قام بها الفنان على سطحه التصويري قد قدمت لنا في الاخير عملا لايمكن تصور وجوده دون ايحاءات فلسفية عبرت عن عمق التجربة البصرية والفكرية لدى الفنان.

وأخيراً أُشهد القارئ بما أشهد به انا على نصي بأنه لم يغطي نقدياً كل التجارب التي تستحق التحليل والتعليق والتنويه، لا كسلا ولا عجزاً ولكن لثراء المعرض في هذا العام ولغزارة الطروحات الفنية وتنوعها؛ مما يستأهل بحثاً دقيقاً وتفرغاً معقولاً والكثير من الحوارات والسجالات النقدية لتحرير نص نقدي يدرس ويحلل بعمق وسعة كافية للتوصل لاستنتاجات نظرية قد تسهم في بلورة الهوية التشكلية لفنانين يستحقوا أن يذكروا دائما ويوثقوا دائما على أنهم صانعوا الجانب الجمالي من حياة هذا الشعب النبيل.

*ناقد تشكيلي ومصمم واستاذ مادة التصميم الجرافيكي في جامعة السلطان قابوس

 

 

 

التشكيل العراقي مرحلة التصحيح

ومسؤلية واقالة العثرات

 

     منذ أكثر من ثلاثة أعوام مضت وعلى صفحات متناثرة من صحافة العراق الرسمية وغير الرسمية بداءت أختط لنفسي مساراً نقدياً مختلفاً عما ساد في أجواء التشكيل العراقي وما صار معروفاً لديناً من تقاليد وأخلاقيات مزاولة العمل في التشكيل، حيث تتصدر العلاقات الطيبة والصداقات الحميمة والأعتبارات الأجتماعية والمالية قائمة أولويات الخطاب النقدي، ومن ثم تليها الأعتبارات الأكثرموضوعية مثل عمر الفنان وعدد مشاركاته الخارجية وعدد أسطر سيرته الذاتية واسعار اعماله ومدى رواجها في الأسواق الأردنية واللبنانية ومدى حرص الموظفين الأجانب في العراق على اقتنائها الى آخره من معايير نقدية لم تمثل بالنسبة لي ولعدد من اصدقائي الطائشين سوى باباً أخيراً للتندر يذكرنا  بان العالم لازال يسمح لنا بالضحك.

 

      لم اكن أول المعترضين على المهزلة ولن أكن اخرهم طبعاً ولكني كنت أكثر الخارجين عن الصف المدجن وقاحةً عندما استثمرت صحافتنا الرسمية -آنذاك- لنشر الغسيل القذر للتشكيل الذي شط عن كل ماهو تشكيلي صوب العشواء والتردد بين رغبات الاميين من باعة الفن ومسيسيه ومقتنين رذائله الرخيصة ولشد ما أدهشني عندما تطاولت يوماً على رمز وعراب التشكيل العراقي في زمن المحنة اسماعيل فتاح الترك فأخضعت تجربته دون أدب مني لمجريات النقد العلمي المنهجي محاولاً تبرئة تاريخ الفن العراقي المعاصرمن اجتراراته السمجة واميته  وخواء اعماله المتأخرة من المحتوى الفكري؛ أقول لشد ما أدهشني انذاك أمرين أولهما الرعب والارتباك الذي علا وجوه اساتذتي عندما قرأو ماكتبت والتحذيرات المبطنة والمفضوحة التي قدموها لي بصيغة نصائح حريصة؛ وثانيهما عدد المنشرحين والمتفائلين والمصدقين على ماكتبت من فناني مرحلة التسعينات ممن خٌطط لتغيبهم واقصائهم خارج دائرة الوجود والتاريخ ؛ عندها ادركت حجم المشكلة بتجسيم كامل فانا لم اتناول في تلك المقالة الترك وحده ولكني عمدت الى تحليل سريع لم يخلو من التهكم لقائمة طويلة من التجارب المهيمنة آنذاك على مرتبة الأستذة والريادة والتفرد التشكيلي فأعملت فيها لغة النقد تحلل حيناً وتقييم حيناً وتعنف وتستنكف احياناً. وهنا ذا بعد نشر المقال بيوم واحد اسمع عن وعيد حفنة من مريدي ومقلدي أعمدة الفن العراقي وعن تطاير المقال مستنسخاً بين ثلة من التشكيلين الطليعيين في المخابئ العتيقة التي يحلو لنا ان ندعوها استوديوهات رسم.

        عندها فقط أدركت أني أقف وجمع من المتنورين لايستهان لابعددهم ولا بما أعدوا للفن ازاء مشكلة ضخمة لها أبعاد مخيفة فمسؤلية التشكيك بالتوثيق الجمالي للمرحلة ، وضرورة خلق التوازن الثقافي، ومبرارات صيانة المشهد التشكيلي مما يسهم في تقويضه، والنضال لتدعيم رؤية جيل بأكمله يناضل لمواصلة الفن، وأشياء اخر لم يعد التعامل معها جدياً ضرورة ثقافية فحسب بل لقد وجدنا انفسنا امام ضرورة اخلاقية تحتم علينا التبرؤ بحذر وبأناة وتفرض علينا المواجهة بصمت وبقوة، وهكذا وجدت نفسي مع عدد كبير من الفنانين وسط أزمة مواجهة الأزمة فكيف لنا أن نواجه موجة عارمة من العلاقات والمصالح والترتيبات المريبة ؟  وبماذا ؟ اذا كان سلاحنا الوحيد في تلك المواجهة هو الوعي والولاء للفن دون سواه من بيع وأو نفوذ أو حتى قدرة على الظهور المستمر في المناسبات والتتجمعات ذات العلاقة لما كنا نشكوه جميعاً انذاك من رهاب التنقل التواصل بسبب مالا احب ان اذكره عن نفسي او اصدقائي من سوء الأحوال المزاجية والمادية واضن أن الجميع يعلم اني قدمت الثانية على الأولى استكباراً وتزويقاً لما كان وعموماً فاني لا احب ان اطيل بذكر المعوقات ولكنني اشدد على اننا جميعا ادركنا ان دورنا لم يكن ليقتصر على مزاولة الفن،  بل اتسع ليشمل مسؤلية الأعتراض في ظروف لم يكن فيها تهمة اشد فتكاً بصاحبا من الاعتراض وها نحن اليوم نقف منصتين بخشوع لأخبار جمع من ابناء وطننا دفنوا احياءاً اما لانهم اعترضوا أو لأنهم فكروا بالاعتراض أو على الأقل لأن من كان يبعد عنهم قرية أو قريتين قد حاول الأعتراض.

      وشاءت الأقدار أن نتجمع في أول مناسبة حقيقية للتجمع الا وهي مرور شهر واحد على ازاحة الموت عن طريق من يرغب بالموت في دوره الطبيعي دون تدخل الوساطات الأرضية، تجمعنا وتذاكرنا من لم يستطع الوصول الينا وتنادينا لتجميع كل من يرغب بالأنظمام لمسيرة البحث عن سبل تصحيح الخطاء وادراك مافات من الوقت لادراك العالم والوقوف بجدارة بين اقرانهم من فناني العالم بثقة وانفتاح وشفافية دون اللجوء لما يحوك في الصدر ويكره ان يطلع الناس عليه .

        واخيراً أقول أننا عندما رفضنا  وعندما شككنا وعندما تفانينا في تحري الفن النقي وحتى عندما تعمدنا الانسحاب أحياناً لم نكن لنقبل يومها ان نصادر من أحد فكيف بنا اليوم وقد زالت كل أعذار التباطؤ  والتلكؤ اترانا نقبل بمادون التقويم المبني على اسس العدالة والموضوعية وليس اليوم بيننا من لايطالب بتعويض جميع ما فاته وما سرق منه من فرص للفن الحياة ، اترانا نجد ملجأ يحمينا من تطلعاتنا لاعادة ترتيب اولويات تاريخ الفن في العراق ، وهل يفلح اليوم احد في تشكيل عصابة فن تتوعد من يطالب بتفعيل  معاير النقد المنهجي مثلاً و من يتجرأ على تقديم ما يؤمن به دون اللجؤ لاعمدة الفن لابداء الرأي والوصاية، أظن ان القت قد فات على أوصياء الفن العراقي وعرابيه ولم يعد من المجدي لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة لهم ان يحاول البعض تلفيق الأمر وترقيع الواقع ، فليس في دعوى توحيد الواقع التشكيلي ومحاولات تقنين جميع الرؤى في وعاء المؤسسة المركزية مرة اخرى الامحاولات ساذجة لقمع التنوع ومصادرة الخيارات التي كنا نقول بها ولم يكن لنا الحق في تبنيها، نعم نحن مع المؤسسة، ولكن لسنا مع المؤسسة الواحدة  ونؤيد ونساند تشكيل عدد كبير من مؤسسات الفن في العراق لكي يعود الفنان غية للمؤسسات وليس ساعياً كما كان لارضائها، مما يجعل المهم في معادلة الفنان – المؤسسة هو رؤية الفنان وقابليته على التواصل وليس علاقته بالسيد رئيس المؤسسة والسادة اعضاء ادارة المؤسسة، اذن نحن الآن جميعاً نقف ازاء المسؤلية الأخلاقية لتصحيح مسيرة التاريخ ، وانها لفرصة حقاً من ذهب أن يتخلى المترنحون عما كانو يمارسون ويعتنقون ويباشروا معنا رحلة تصحيح المفاهيم ومراجعة العثرات فرز الغث من السمين وفتح الحوار التخصصي والقاء مقتربات الفكر والوعي على جميع ممارسات الفن ، وسيكون للجميع منذ الآن الحق في التخلي عن تاريخ زال وقته وانتفت الحاجة لمثله ولكل عذره غي ضغط العامل الأقتصادي وضبابية الرؤية والأنصياع لمتطلبات الجهات الرسمية المخيفة آنذاك، اى آخره من اعذار يجيده الجميع ويحفظها، اما بعد اليوم فلا استطيع ان اتخيل مخباء لا لسياسي ولا لاقتصادي ولا لرجل دين ولا لرجل علم ولا لرجل اعلام ولا لفنان ان هو اخطاء أو اساء واعلم ان في السياسة والأقتصاد والدين والعلم .

 

 

 

 

النحت العراقي ...تاريح للفن والارض

 

برزت أسماء لامعة في سماء المجتمع الفني العراقي وعكست أعمالها الخلاصات التراثية والبيئية والحضارية والفكرية العراقية ممتزجة بثقافات تلك البلدان فأصبحت هناك محصلة يتجاذب أطرافها طرفي الثقافة وحورها الفنان العراقي فمنهم من بقي بتجربته العراقية الخالصة المستوعبة للإرث الحضاري العميق ومنهم من التجئ لمعظم التيارات الثقافية والفنية العالمية، إذ لا يختلف من حيث المقومات الفكرية التي تنبع من الواقع الاجتماعي والنفسي وتكون لها تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة في أسلوب الفنان، اذ أنه " وكما للفن الشعبي قيمه اجتماعية وحرفية ارتبطت بالحياة اليومية والعادات والتقاليد، ولقد توسعت الحركة التشكيلية في العراق وتنوعت بعد أن كان للفن الأوربي دوره في البدايات والنشأة ".

اذ تتفاعل ثمار الفكر والحضارة الأوربية والتراث الحضاري العراقي العربي ليصبح للفنان العراقي دورة في محاولات أيجاد ما يناسب عراقيته وتحديد أسلوبه الخاص بما يحاكي روح العصر "رغم تأثره بالفن الغربي تأثيراً واضحا الا انه أستنبط في فنه من التراث العراقي".

 

 

• جواد سليم

فمن ابرز من تلاقحت منهجيته الفنية بالحضارة الغربية هو الفنان جواد سليم، (ولد في انقرة سنة 1919 من ابوين عراقيين، سافر إلى فرنسا سنة 1928 لدراسة الفن ثم عاد إلى بغداد بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، عين مدرسا لمادة النحت في معهد الفنون الجميلة بعد عودته من باريس عام 1945، سافر إلى لندن لدراسة الفن ايضا، توفي في بغداد عام 1961، أهم أعماله جداريه نصب الحرية في بغداد) إذ " أن استيعاب جواد الواعي للتراث هو احد الأسباب الجوهرية في إبداعه الفني الذي يتركز في كونه أنطلق من المحلية إلى العالمية ". وأبدع في صياغة ارث حضاري عراقي خالص، إذ أنه يحمل في جعبته خليط من التأثير بالماضي مع محاولة التجديد، في الوقت نفسه لا ننسى الظروف التي تحيط بالفنان بشكل عام من حالة سايكلوجية أو بيئية أو كفكر سائد، إذ نلاحظ في عمله (نصب الحرية) الهوية المنفردة التي يحملها جواد سليم، على واجهه من الحجر الأبيض اللون وهي عبارة عن لافتة مدون عليها نص ليس هو بالكتابي المقروء وإنما كمفردات تقرأ من خلالها أهداف ورؤى قد نظمها بعلاقات تنظيمية، حاكت واقع جديد، حاملاً في طياته رموزاً، ليصل في ذلك التنظيم الشكلي الجديد إلى المعاصرة في الشكل وهي تعد "أصدق مرحلة وأكثرها تحديداً لشخصيته، تلك المرحلة التي عصرن فيها تقاليد الفن الرافديني في أعماله... وكان مشروع نصب الحرية رائعة أعماله الفنية وكمال عبقريته".

نلاحظ في ذلك النصب والشخوص أنها بعيدة عن التشخيص في الأشكال وانه يعلو ويتسامى في فنه ليرجع إلى أصوله السومرية وما كان يفعله الفنان السومري في فنه الذي يرتفع عن أرض الواقع إلى عالم أخر أسمى، ولاسيما "عندما لا يعود الإنسان يخاطب الإنسان بل الإنسانية".

ويظهر في العمل الخصائص الفنية التي مثلت في رمزية الموضوع وقوة التعبير الفني من خلال تكويناته التي شيدت على ذلك الجدار الحجري إذ نلاحظ أن جواد سليم قد أحال أشكاله إلى الاختزال وتبسيط الشكل كما أعطى لنفسه حرية التصرف في خلق تلك الأعمال، ولكن على وفق قواعد جمالية أعطت للفن مفهوماً جديداً، وخاصة النحت العراقي المعاصر، الذي كان في سبات طويل بسبب الأوضاع السياسية التي مر بها العراق أي قبل فترة الأربعينيات من القرن العشرين إذ "كانت فترة الأربعينيات بالنسبة للفن العراقي المعاصر فترة تحول، وانطلاق، تحول عن المفاهيم الساذجة والأكاديمية نحو التجديد، والانطلاق عبر التقنية الحديثة".

وبهذا يعد جواد سليم قطباً من الفنانين المبدعين وخاصة في تجريد الأشكال، وإعطاؤها قوة تأملية وتأويلية، إذ نجده في عمله (السجين السياسي 1953)، أنه قد حاور مادته كي تحال إلى أشكال لم تكن معروفة مسبقاً، كذلك لم يكن الفكر آنذاك يستوعبها، أذ نجد في هذا العمل تحول في الشكل إلى حالة مجرده وتوسع انفتاح الدلالة فيه، إذ تجاوز التصوير الايقوني للشكل إلى رموز وعلامات داله، إذ يتكون من مجموعة من الوحدات الشكلية لتمثل من خلالها تلك الأعمدة الحديثة التي أحاطت بجهاتها الأربعة العمل، كما ويتخلل العمل أسلاك من المعدن مرتبطة بالأعمدة لتتصل بكرة صغيرة في الوسط ليخلق من خلالها بعداً للعمل وهو المجهول. نجد أن عمله هذا قد خرج عن المألوف والتشبيه وهو يعد ابتكار جديد في فن النحت علماً أنه استعار عناصر التكوين من مواد غير عضوية ممثلة بالأعمدة والهلال، كما أنه سيد عناصر الخط والفضاء الداخلي فيها فحسب، فأستطاع من خلال حركة تكوينات الخطوط ممثلة بالأعمدة والهلال أن يعبر عن موضوعه، إذ يذكرنا جواد سليم في عمله هذا بأسلوب جاكوميتي في عملة السلكي (القصر في الرابعة فجراً) قد نلاحظ أن استلهام فكرة الأسلاك واردة ولكن بدافع موضوعي جديد ولفكرة جديدة، وبهذا نجد انه قد صاغ أشاراته الدلالية بوصفها لغة وأداه تواصل، زاوج فيها بين استلهامه للحضارة و تأثره بالنحت الأوربي المعاصر، أذ نجده قد أتبع المنهج التوفيقي الذي "يقتضي الدمج بين الأسلوب والتقنيات المعاصرة المستمدة من الحضارة الأوربية والعالمية من جهة والسمة أو الطابع المحلي والممثل للحضارة العراقية والعربية في مختلف مراحلها من جهة أخرى"

فنرى الكثير من الرموز في أعماله المنتقاة من الحضارة الأشورية كالثور مثلاً وآلهه الخصب، إذ استطاع أن يوجد لغة للتواصل الفكري ما بين الفنان والمتلقي، كما في عملة (حيوان أسطوري 1954) المصنوع من المرمر والحديد.

الإيحاءات الموجودة تشير إلى ذلك الحيوان، فنجد النحات نجح في تحقيق المزاوجة والألفة بين المواد المتناقضة في عمله هذا وأحالها إلى شكل جديد غير مألوف "وهو بلا شك يمثل موضوعاً ديناميكياً لما يوحي به من حركة فعلية للحيوان على الرغم من سمة التبسيط والاختزال في منجزة النحتي الذي يمثل أحد أساليب الحداثة لجرأة النحات في الاستعاضة بأطراف معدنية سلكية للحيوان المنحوت"، كما أهتم بعنصر المادة والملمس والفضاء، إذ حقق الملمس الصقيل وأكد على الفضاء الداخلي المتحقق بفعل الأسلاك لإطرافه الأمامية وارتفاع كتلة الجسم عن الأرض من خلال الأسلاك الموجودة، بهذا نجد أن جواد سليم قد "طرح مفاهيم معاصرة في الرؤية التشكيلية العراقية، ذلك لأنه لم يكن يطفو على سطوح أعماله أبداً بل كان يتغلغل في دواخلها لا كظهير خارجي بل كتجربة وتأمل داخلين وهذا ما أمكنه من استشفاف وعيه الحضاري " و "جعل فنه واسطة تحمل مسؤولية خلق أسلوب حديث منتزع من غاية التطور العالمي في الأسلوب، ومتقمص الطابع المحلي في الوقت نفسه"، كالاختزالات التي وصلت حد التجريد في الفن والمعالجات الفضائية والرمزية العالية التي جعلت من العمل قمة المعاصرة والحداثة.

حاول جواد سليم أن يختزل الكثير من التفاصيل الداخلة في معظم أعماله، أن لم نكن مغالين ونقول جميعها، فهو يميل إلى التبسيط في معظم أجزاء أي شكل يقوم بتنفيذه نحتاً كان أم رسماً، في محاولة جادة لهجر ما كان سائداً من أساليب تقترب في أساسياتها من الاسلوب الانطباعي ومقترباً بقوة من التجريد بخطى لا يمكن تجاهلها.

 

 

• خالد الرحال

وامتدت التجربة الفنية على أيدي فنانين عراقيين آخرين منهم خالد الرحال، الذي جسد تجربته بالنحت العراقي القديم عامة والنحت الأشوري بشكل خاص وتأكيده على مفردات عراقية كالثور والسنبلة وغيرها، إذ درس الفن العراقي القديم في أوائل الأربعينيات والذي أطلع على الفن الغربي أثناء دراسته في ايطاليا، وقد انحاز الرحال إلى حقيقة أن المعاصرة لا تكتسب شرعيتها إلا بمفهوم عميق للموروث، وهذا يتجلى في عمله (كلكامش)، "التي تعد من الشخصيات المهمة في الأدب وتاريخ بلاد ما بين النهرين وملحمة كلكامش شاهد أكيد عنها ".

إذ نلاحظ في العمل الواقعية في التنفيذ ألا انه أحال الشكل إلى المبالغة في التعبير من خلال تضخيم عضلات اليد، هذا من جانب ومن جانب أخر يؤكد الرحال عن تجاربه المعاصرة المتمثل في منحوتته (الشرقاوية ليلة الدخلة 1947 ) إذ أكد فيه النحات على المعاصرة والحداثة في التنفيذ والطابع الفلكلوري التراثي، نرى في العمل وهو يميل إلى التبسيط والاختزال في تفاصيل الجسد، إذ اعتمد التبسيط والتسطيح والتلاشي لإظهار الجسد بتلك الصورة وهذا طابع غير تشبيهي اعتمده الرحال في منجزة هذا، محاولاً أن يحقق قيمة تعبيرية وجمالية من خلال تلك النظم غير الخاضعة للواقع، "فتجاوز التشريح في دقته مع المحافظة على الشكل العام، دون الإشارة إلى التشريح في مناطق أخرى كالبطن والصدر الذي سترة بثياب متلاشية مع الجسد".

أما الوجه فقد بقي كما هو محافظاً على ملامحه التشخيصية الواقعية، وإظهار تشريحه بدقة أكثر من بقية الأجزاء، بينما أعتمد على الخطوط المبسطة في صنع خصلات الشعر غير الواقعية الشكل، ونلاحظ أن النحات بقي متلازماً مع تراثه وموروثه رغم حداثة شكله النحتي اذ نجد أن الفتاة تحمل في يدها وجها بشرياً وضعت له قرون، وهي ذو طابع ميثيولوجي، معبرا من خلاله عن فكرة موضوعه والترابط الذي يربط الفتاة مع ذلك الرمز وما يشير له من معانِ عديدة، ويحمل هذا العمل ديناميكية من خلال بعض عناصره الرمزية الممثلة بالوجه ذي القرون وخصلات الشعر المختزلة وتبسيط الجسد.

وقد أستثمر النحات الفضاءات الداخلية للتمثال و حركته الطبيعية أو التلقائية، وقد حقق الرحال من هذا العمل قدرة من التعبير من خلال استخدامه للرموز التراثية و التبسيط في أخراج الشكل.

 

 

• محمد غني حكمت

ويبقى النحات محمد غني حكمت، واحدا ممن تركوا الأثر الكبير في النحت العراقي ومعالجته الأصيلة للإرث الفني للمنجز النحتي، إذ عالجت أعماله البيئة العراقية مستمدة من الإرث الكبير لها على اختلاف مناهله فقد استعان بالأساطير العراقية القديمة في استلهام مفرداته النحتية كما في، إضافة إلى حكايات ألف ليلة وليلة العراقية (شهريار وشهرزاد)، وكهرمانة، فنجده "اقترب من تحقيق النزعة المتأصلة في الفن العراقي منذ القدم، نزعة التشبيه والتجريد التي تبرز أولاً في الفن السومري ثم تتراوح قوةً وضعفاً عبر القرون وتعاقب الحضارات على العراق ولسوف تتجه النزعة بأقصى مداها بعد ذلك نحو التجريد في الفن العربي وهو ما تبناه محمد غني، محولاً الكثير من تشكيلاته النحتية إلى ما يشبه تلافيف الخط العربي وتعاريجه مازجاً مرة أخرى المجسد في المجرد".

وكما هو واضح في أكثر أعماله النحتية كتمثال (بائع السكائر1962)، المعمول من الخشب والذي يتسم في اختزال التفاصيل الخارجية للملابس أضافه إلى اختزال تضاريس الجسم وجعلها مبسطة جداً موضحاً من خلال التبسيط في الأداء. كما واعتمد النحات في أظهار القدرة التعبيرية في الشكل المبسط والمجرد، الذي تكتنفه الحركة ذات الإيقاع المتوازن لإيجاد وسيلة يحيل بها الفكر إلى الماضي ويعيش أجواءه في الحاضر". ومن الأمثلة على ذلك تمثاله (تحمل العباءة 1989)، الذي يعد أسلوبه أقرب إلى شكله الواقعي الا أنة يمتاز ببعض التحويرات، التي حققها الفنان من خلال تموجات العباءة وإظهار خطوطها بشكل مبالغ فيه للإيحاء بالحركة، وهذه الخطوط المتموجة أمتاز بها النحات موظفاً إياها في أغلب نتاجاته النحتية ومبتعداً عن كل الخطوط المتكسرة ذات الزوايا الحادة أذ "يقوم بمهمة فضح أسرار الجمال الجسدي، حتى أن الوسائل الرابطة جراء حركته كالإيقاع والاستمرارية، والترديدات النغمية المتواصلة تخضع لسلطته، وتسهم مجتمعه في بلورة الفكرة المشتغل عليها لهذا يتحول الخط عندهُ على الدوام من مجرد عنصر تصويري إلى بنية تمركز تتضائل إزاء المراكز الأخرى". وكما في تمثاله (هواء وعباءة وطفل 1975)، أذ يمثل أمرأة تحتضن طفلها، والتي حقق من خلاله النحات لغة تعبيرية عالية، من خلال أسلوب التنفيذ الذي كان مقترباً من الواقع رغم اختزال الكثير من التفاصيل في الشكل، أضافه إلى الملمس الناعم الذي يتسم به العمل.

فضلاً عن أن محمد غني قد وظف قدراته الفنية في محاولاته من خلال التنوع في الخامة كالبرونز والحجر والمرمر والخشب، "ومهما تكن تجارب الفنانين متأثرة بصياغات غربية فأن فهم أسرار المادة وتطويعها للمضمون هدف أساسي في استمرار النحات لعمله في خضم بحثه عن شخصيته متواصلاً مع حركة التاريخ وواقع مجتمعه وتلبية حاجاته وتحقيق بعض تطلعاته عبر الفن. أنهم يجدون في ذلك مجالاً للبحث والتمثيل قصد الابداع والاستيعاب وكسب المعرفة، وهكذا الآن تبحث تجارب النحت في العراق عن سمات جديدة توصل فيها سعياً في الفن باحثه عن هوية متميزة".

 

 

• اسماعيل فتاح الترك

وعلى العكس لدى العديد من النحاتين العراقيين، أي أن يكون تأسيسا وتطويراً للقواعد التي كان جواد سليم قد وضعها في أصول وحرفيات فن النحت بالذات، يذهب إسماعيل فتاح الترك (من مواليد البصرة1934، حاصل على الدبوم العالي في النحت من اكاديمية الفنون من روما، حاصل على الجائزة الاولى للفنانين العرب في ايطاليا 1962، انجز نصب الشهيد، وتمثال الكاظمي وابو نؤاس والرصافي، توفي في عام 2003) عاكساً تلك الجوانب الخاصة لتجربة تتحدى الواقع من جهة ولتكسب الواقع الفني عمقاً وطرازاً فنياً جديداً من جهة ثانية، فإسماعيل الترك الذي نشأ رساماً وعاش في جنوب العراق وتأثر فنه بخصال مناخية متوترة وقلقة إلى حد بعيد أستطاع أن يغذي مشاعره الانفعالية بفهم التراث الفني التقدمي في أوربا، فأزمته هي أزمة كل فنان يمتلك موهبة ينتظر مناخاً أوسع لتتغذى وتنمو ولقد حصل هذا عملياً عندما تخلص من التقاليد السائدة آنذاك في الفن العراقي أي من الحدود التجريبية ومن محاولات الإنشاء والتأليف بيد أنه سيعكس في العديد من تجاربه الناجحة أسلوباً ما يزال غريباً وتجريدياً أيضاً. أنها تجربة تمتلك وعياً يناقض الفه المبسط التعليمي للفن أولاً وللحياة المعاصرة ثانياً، فالترك كما يقول غالباً يفهم المستقبلية أنها الاتجاه الأكثر تعبيراً عن الواقع وليست هي الاتجاه الذي يسبق العصر.

بهذا نجد أن الترك في أعماله قد أتبع بعداً مستقبلياً في الاتجاه إذ "أن برونزياته مدينة في معظمها للنحت الحديث أكثر منه لسومر و أشور وهذه بالنسبة إليه مسألة تقنية لا قلقة ما دام هو قادر على التعبير عن ثيماته العراقية بطريقة ترتبط بعصرنا الراهن فلئن يستمد أسلوبه بخصائصه الواضحة من النحت المعاصر فأنه واثق من أن النحت كله في زماننا يستمد أساليبه من خليط كبير من الثقافات الفروسطية والقديمة وبخاصة الشرق أوسطية منها". ونجد ذلك في تمثاله (رجل وديك 1998) ( ونهر العطاء 1977)، محاولاً من خلالهما "أعادة صياغتها بأساليب تجريدية و سريالية وتعبيرية". إذ أسهمت في بلورة شخصية الفنان الترك من خلال تجاربه مع المنجز النحتي محاولاً الخروج بوضعيات مؤسسة لشخصيته ومستمدا الحوار المحلي كنتاج لاستخلاف الموضوع، إضافة إلى محاولته التأثير بأسلوب نحتي معتمدا التجريد كمذهب وبرمزية عالية مشذبا العمل الفني للوصول إلى أقصى غاية في التعبير يحاول في تلك الأعمال الخروج من الشكل التقليدي للنحت المحلي متأثرا بمدارس النحت الغربية من خلال التلاعب بمسببات الظل والضوء والتكنيك الخاص، لكنه يبقى ضمن المحلية العراقية الخاصة من ناحية الموضوع باستخدام الديك وطريقة حمله كتقليد اجتماعي متعارف عليه ضمن البيئة المحلية العراقية، كما وتتسم أعماله هذه "بتجاوزها السياقات المألوفة التقليدية في النحت الأكاديمي أذ عمد إلى تبسيط واختزال الشكل بالكامل وهذا ما يحقق الإشارة إلى سمة الترك في أسلوبه الحداثوي هذا فضلاًعن ذلك تأكيده على الملمس الخشن الذي يشير إلى عدم عناية الفنان بهذا العنصر المهم واستغلال ذلك خدمة للقدرة التعبيرية للمنحوتة".

 

 

• صالح القرة غولي

ومن النحاتين العراقيين الذين تركوا الأثر الأكبر في مزاوجة الإرث الحضاري العراقي مضمونا وبأسلوب فني متفرد هو النحات صالح القرة غولي (من مواليد 1933 حاصل على دبلوم معهد الفنون الجميلة من بغداد وحصل على الماجستير في النحت من باريس، انجز تمثال ابو بكر الرازي، توفي عام 2003) فرغم الاستطالات التي سبق وان نادى بها جياكومتي لكن الخصوصية تكمن في طريقة احترافه ببدائل الخامة والشخوص الإفريقية التي قد تحملنا عليه كثرة التركيز من النظر اليها والتشييد بها على انها تكاد تكون افريقية هذه المزاوجة في المدارس الفنية، وطرق المعالجة لم تحيد الفنان عن مادة موضوعه السامية الا وهي الموضوعة العراقية الخالصة الذي يمثل (الاهوار1993)، لا يمكن أنسابها ابدا لغير البيئة العراقية بما تحمله من خصوصية في استخدام المفردات: الفاله والشباك لتجسيد منظر صائدي الأسماك في الاهوار.

 

كما أنه تميز في استثمار خامات متعددة لم يدركها أحد من قبلة وخاصة في النحت العراقي، وللخامة دور كبير في أعمال القرة غولي أذ يجد فيها خدمة لصالح (الفكر والمكان) فكلاهما معبر عنهما باختيارات نحتية قد تعد سبقاً في المسار العام للنحت العراقي بمعنى الاعتياد الذي ألفناه في الخامات الثقيلة، أن القرة غولي لشدة موضوعيته والتزامه الأخلاقي بالفكر الإنساني ولخصوبة خياله حيال الموضوعات ذات الجذر البيئي أو الإنساني، نحا منحىً لم يحدث أن تجرأ أحد على خرق عوالمه، انه في أسفارة حول المادة مثلاً قد تحدث بلغة المحيط، بما لها من مواصفات في الملمس والروح والمقاومة والجمال، كالقار، شعر الماعز، الوبر،... الخ، يكون قد خط أولى التجارب في مضمار النحت البيئي الذي يمكن أن يستثمر بوصفة خطابا عصرياً يجري الآن الحديث عنه بكثرة، مع هذا فالفنان في مذهبه هذا انما يمثل كشفاً عن هاجس التجريد في داخله على وفق هذا النزوع نحو عد المادة قطباً لا يصح تهميش فاعليته في كلية الخطاب، لهذا يخطئ من يظن أن البحث في المادة أو الخامة عند القرة غولي سيسوقنا إلى موقف شكلي... لماذا ؟ لأننا حين نفصل طرفاً من أطراف البحث التشكيلي، فكأننا قد أسقطنا أسس اللغة في النحت، وهي الخامة التي يجابه الفنان العالم بها ولهذا أيضاً، مضى النحات بعيداً وربما وحيداً في خلوته وهو يؤسس مناطق بحثه بلا أحالات أو مراجع ضاغطة، أنما بصفات أسلوبية باتت تمثل نسقاً من أنساق الخطاب العام في النحت العراقي.

أن شخوصه ذات القامة الممشوقة ووجوهه التي لها عمق التاريخ و أرديتها المستلة من البيئة الحارة... تعد فرضيات ولاء خالصة للأرض، التي عاش عليها الفنان مثل أجيال امتدت لعهود غابرة. وأيضا نجد في أعماله العملاقة التي تبدو مظهرياً كما لو كانت قادمة من بيئات غريبة قد طبع فيها خاصية العصر الذي لا بد أن يلقى بظلاله على الحياة برمتها، وهذا ما يؤكد عدم رغبة الفنان في الاتكاء على المثال في الخارج بل العمل على أحاطته بلغة بصرية تدفع به قدماً باتجاه مثال أخر جذوره ضاربة في التاريخ والذات أيضاً، مثال ينهل من الواقع والتعبير بما يجعله يقف على الضفة الأخرى للواقع، بل أن الفنان يسعى إلى جعله أكثر إثارة وثباتاً وربما تكون شخوصه العملاقة قد اوحت لنا بهذا الانطباع، وهذا ما نجده في العديد من أعمالة.

وكما هو واضح في تمثاله (بلقيس والهدهد 1993)، الذي يتصف بكبر حجم التمثال وتعددية الخامات المستخدمة كالحديد والحبال والأسلاك والقير، كما وأنة أستطاع أن يحقق شكلاً واقعياً إلى حد ما تمثل في ضبط نسبة التشريحية في معظم مناطق الجسد من الرأس وعموم الجسد كالصدر والأطراف السفلى وكذلك عملية تحقيق الرداء، إذ نلاحظ أنه "كان متفرداً على صعيد المادة الخام و تركيب العمل الفني وطريقة تجميعه وعلى صعيد صياغاته التي لا يمكن تصنيفها ضمن فئة أسلوبية معينة وهي مواد تعد من مقترحاته الأسلوبية بمعنى أنها ليست مسبوقة في أنشاء العمل النحتي فليس هناك عمل نحتي يقوم أنشاؤه على خامة واحدة متعارف عليها في النحت كالمرمر أو الخشب أو البرونز أو الحجر... الخ".

إذ نرى ذلك متجلياً في عمله (كائن أسطوري 1968) الذي أعده القرة غولي من عدة مواد كالقرون الطبيعية وعجلة من النفايات إضافة إلى قطع من الصفائح الحديدية، جاعلاً منها تكويناً أشبه بالبشري من حيث الهيئة، محققاً تكويناً حداثوياً تجريدياً رمزياً من خلال الاستعانة بالكائنات المركبة التي تعد من التراث العراقي القديم وتجريد الشكل من كل التفاصيل التشبيهيه والمحاكاة.

فضلاً عن استخدامه لتقنية مخلفات التكنولوجيا والمواد العضوية الطبيعية وهذا يعد ابتكاراً محسوباً له إذ أنه قد ابتكر وخلق أسلوباً منفرداً لم يكن مشهود له من قبل إذ "كانت استعارته لمواد من الطبيعة كالقرون والعظام والجلد متفردة في النحت العراقي وغير مسبوقة، ورائدة إزاء النحت العالمي إضافة لإستعارته لمواد خام لها وظائفها في الحياة اليومية كالعتلات والعجلات المعدنية و أنابيب الألمنيوم والحبال، وشباك الصيد، وعدة صيد السمك (الفالات) والخيوط الصوفية وأن كان عمله التجميعي على صعيد المواد الخام مسبوقاً في أوربا، غير أن طريقته تختلف بالصياغة، فالتجميع لمواد خام متعددة لإنجاز عمل فني واحد كانت قد ظهرت في أوربا وظهر معها مصطلح (التجميع) التلصيق في أواخر الخمسينات من القرن الماضي 1950".

 

 

 

• أن النحات العراقي قد تجرأ كثيرا في محاولة الاختلاط بالفنون الأوربية أو بالمدارس التي ظهرت فيها فتارة يحاول التقليد وأخرى يحاول التجريب واعتقد ان محاولة التجريب هي السائدة على اعتبار ان موضوعة الانعتاق من قيود الشكل الملزمة والوتيرة المتسارعة في الحياة والاطلاع على تجارب الآخرين، اكسب الفنان تلك الجرأة على اعتبار ان الشكل ومطاوعته ينتج من الذاتية التأثيرية لدى الفنان بمختلف المراحل فيحاول بشتى الطرق تحقيق رغبة الوصول إلى ما يرضي ذاته، فنراه يحاول مجربا الكثير من الاتجاهات للوصول إلى غايته الذاتية ومحررا إشكالاً تلبي نزعته للوصول إلى الحقيقة.

كما وأن لهؤلاء النحاتين دوراً بارزاً في أظهار طبيعة الفن العراقي المعاصر وتحديد مساره الفني، رغم تنوع الأساليب والاتجاهات التي جاءت بها مختلف المدارس والتي تبناها العديد من النحاتين ولكن كل مبدع عمل وفق أسس وقواعد خاصة به أغلبها كانت تمت للإرث الحضاري من جانب، كي يتمكن من مخاطبة المتلقي وأيضا إيصال المفاهيم العراقية إلى العالمية، ومن خلال تلك المنجزات تمكن النحاتين العراقيين أن يخرجوا من واقع المحاكاة التشخيصية رغم الإمكانيات العالية التي يمتلكوها في النقل الحرفي للواقع، معتمدين على العلاقات الجمالية الجديدة في المنجز النحتي المعاصر.

وكان على الباحث أن يسلط الضوء على بعض هؤلاء النحاتين الذين كان لهم دوراً واسعاً في أغناء الفن العراقي بتشكيلات تجريدية ذات مضامين تعبيرية.

 

 

• عبد الجبار البناء

إذ نلاحظ في عمل الفنان عبد الجبار البناء ( فنان نحات رسام ولد في بغداد / محلة باب الشيخ 1925. تخرج في معهد الفنون الجميلة قسم النحت 59-1960. عضو في نقابة الفنانين العراقيين. عضو في جمعية التشكيليين العراقيين. تم انتخابه ثلاث دورات في عضوية الهيأة الإدارية لجمعية التشكيليين. درّس في المملكة العربية السعودية / مدينة الرياض مدة أربع سنوات (1964 ـ 1968). حاضر في القسم المسائي فرع النحت في معهد الفنون الجميلة. عمل رئيسا للقسم الفني في متحف التاريخ الطبيعي. ساهم في العديد من نشاطات جمعية الفنانين والمتحف الوطني. أنجز ثمانين قطعة فنية فولكلورية في المتحف البغدادي. أقام اثني عشر معرضا شخصياً) (رجل و أمرآة 1990)، والمعمول من الخشب، إذ نرى في العمل قد أحال النحات طبيعة الخشب وأستثمرها لصالح عمله فقد شكل منها بطريقة الحذف تكوينه النحتي، وبهذا التكوين نشاهد الخروج الواضح عن المحاكاة، واقتراب الشكل من النظم الواقعية أذ أظهر بعض السمات الجسدية المميزة للمرأة مثلاً كالصدر وكبر حجم الورك.

بالرغم من أن العمل يخلو من كل التفاصيل التشريحية للجسم، اكتفى الفنان بكتل وسطوح و حزوز أستطاع أن يعبر من خلالها عن الجسد. نفذ البناء عمله هذا من الشكل العضوي محملاً بقيم تجريدية ذي قيمة تعبيرية عالية من خلال ليونة خطوطه واللون الذي أستثمره في تناسقها مع المضمون المطروح بحيث جاء متناغماً لحد كبير وأنجح من فكرة العمل وطبيعة الإخراج الشكلي المنفذ والذي يعد من ضمن النحت التركيبي لأضافته أكثر من مادة وتجميعها بطريقة فنية عكست عن قدرته في تأليف عمل ذي خامة منوعة ومنسجمة مع بعضها كما هو واضح في العمل أذ وجود تلك الأسلاك أو القضبان المعدنية المثبت عليها العمل بالكامل فوق القاعدة الخشبية. كما وحققت تلك التركيبة فضاء للعمل، كما واتبع النحات في تنفيذه العمل الأسلوب التعبيري من خلال تجريده للأشكال العضوية محققاً شكلاً يسمو إلى الرقي وعدم التشخيص.

 

 

• راكان دبدوب

ونرى كذلك في أعمال الفنان راكان دبدوب (رسام نحات ولد في الموصل عام 1941. تخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد 1961. أكمل دراسته العالية للفن التشكيلي في أكاديمية روما عام 1965. عضو نقابة وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين. شارك في معرض الجريدة الايطالية السنوي للفنانين الايطاليين والأجانب في روما وحصل على دبلوم شرف وميدالية فضية لسنتين متتاليتين 1962و1963. حصل على جائزة دانتي في معرض إقامته العلاقات الثقافية الايطالية في روما 1969. حصل على الجائزة الثانية في مسابقة سان فيتو رومانيو 1969. شارك في عدة معارض داخل العراق وخارجه. له أربعة معارض شخصية) التي تتسم بطابعها المجرد عن كل ما له صلة بالواقع والتشبه به، كما في عملة (تظاهرة 1970)، فبرغم تسمية العمل ألا أننا لا نرى تلك الحشود في تكوينه، إذ شكلها على وفق رؤية رمزية تجريدية صرفة، قاصداً شكلاً مفتوحاً انتشاري التكوين ذا زوايا حادة.

أن العمل قد أبتعد عن التشخيص ولعل الفنان قد أستند بعمله هذا إلى مقولة برانكوزي "أن ما هو حقيقي ليس الشكل الخارجي، فهو جوهر الأشياء" إذ أبتعد عن الواقع ليصل إلى أفق أوسع للشكل. أن العمل مصنوع من مادة الخشب بطريقة الحذف، وهو متعدد القطع عملت كل قطعة على حدا وبلغ عدد القطع ست قطع، وقد جمعت مع بعضها البعض حتى اتخذت نسقاً واحداً في قولبة أشكالها المتباينة الواحدة عن الأخرى وقد ثُبتت بواسطة القضبان المعدنية لتربط فيما بينها، وكذلك ثبتت على القاعدة بواسطة عمودين معدنيين يحملان العمل وهذه الطريقة في التنفيذ غير معهودة سابقاً في النحت العراقي المعاصر، رغم تحقيق جواد سليم المزاوجة في أعمالة لتلك الخامات الا أننا نشهد في الجيل ما بعد الستينيات ظهور ممن تنوعت أعمالهم بتعددية الخامة، وذلك بسبب التأثر المباشر والاطلاع حول الأعمال العالمية والاستفادة منها لصالح منجزهم النحتي الذي يجسد وفق الطبيعة الفكرية الخاصة للنحات العراقي.

أن عمله هذا ما هو الا أشارة واضحة تجاه النحت العراقي المعاصر بأن هناك نحاتين مارسوا وأبدعوا في خلق نحت تجريدي خالص يخرج عن محاكاة الواقع وفق نظم شكلية جديدة.

 

 

• عيدان الشيخلي

كما نجد في تجارب وإبداعات الفنان عيدان الشيخلي (ولد في بغداد عام 1932، انهى دراستة من معهد افنون الجميلة في بغداد عام 1957، حاصل على دبلوم فنون عام 1964 من انكلترا، اختص بصب البرونز في كلية جلسي وكلية الفنون المركزية بلندن، اقام العديد من المعرض الفنية منذو عام 1956، أول من أقام مصهر لصب التماثيل البرونزية) فضلاً عن تجاوزه المباشر للواقع في أكثر أعماله النحتية التركيبية، قد أستخدم فيها الكثير من الخامات الداخلة في تكوين تلك الأعمال النحتية وعلى وفق تقنيات متعددة أحالت إلى رؤى فنية وإبداع متقن. أذ تتميز أعماله بإمكانيات أبداعية ذات مساحة وآفاق خصبة وتنوع وثراء، قد أضفى على أعماله مهابة وتنظيماً وقيماً جمالية فائقة ومحركة للعواطف والأفكار الإنسانية باتجاهات متعددة، ويضيف الناقد شوكت الربيعي عن تجارب عيدان الشيخلي قائلاً "الفنان عيدان الشيخلي ينتمي إلى أولئك الباحثين عن التنظيم والتنسيق والتوازن من حيث خلق حقيقة تتلاحم مع الصورة الحية في الواقع وأن لم تتهيأ لهم ظروف تفعم تطلعاتهم بالحماسة وتحفزهم للإنتاج المتواصل وهكذا نجد تجربة هذا الفنان قد دخلت الحياة من خلال المفاهيم الميثيولوجية وفق خلفية المجتمع الأخلاقية ورمز كل ذلك (المرأة – الأم – الحبيبة – الأرض).

والنقطة المهمة تكمن في هذا التداخل الرقيق المعنى وفي هذه الاستعارة الذكية حينما تتحول الأفكار إلى صياغة نحتية برؤية حديثة تمس القيم الروحية في منبتها ونبعها الشعبي. وعند الولوج في مكنونات ومفردات الأعمال الفنية لفنان ومتابعة مشواره الفني وخطواته عبر مسيرته الفنية الطويلة سوف يراها مفعمة بالحرفة والتنوع والتجارب ذات الخطوات المرنة المتسلسلة والتي تتناغم مع الاتجاهات الحديثة والقديمة ذات القيم التاريخية والتراثية وتساير رغبات وخيال المتلقي.

 

 

• عزام البزاز

 

هذا ولم يكن الفنان عزام البزاز(نحات ورسام ومصمم ولد في الموصل عام 1946م، تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد عام 1968م، حصل على الدبلوم العالي في النحت عام 1980م التي عادلت شهادة الماجستير في الفنون) بعيد الصلة عن واقع الفن العراقي وعن أظهار كامن التجريد في فنه اذ عد البزاز من الفنانين متعددي الاتجاهات وقد كان له دور بارز في حركة النحت المعاصر. اذ كان يستلهم أفكاره النحتية من تكوينات الطبيعة الغنية بالأشكال، مستثمراً إياها لفكرته ومضمونة كما وان طبيعة أعماله كانت بعضها يتسم بالخروج عن النمطية، أي عن المحاكاة والتشخيص المباشر، اذ ركز على الجانب الشكلي التجريدي الجمالي الزخرفي في تكويناته النحتية، كما في عمله (تكوين 2000)، إذ حقق في أسلوب تنفيذه هذا بعداً تجريدياً صرفاً متبعاً في تكوينه مبدأ التكوين المغلق من خلال توزيع عناصره داخل التكوين بذاته، والعمل مصنوع من خامة النحاس ذات الخصائص المتنوعة من قوة ومطاوعة ذات لون مائل للاحمرار، أن العمل هذا يبتعد عن الأشكال العضوية محققاً بعداً جمالياً في تكوينه.

 

 

• أتحاد كريم

أن تعدد المدارس الفنية التي ظهرت ومنها في العراق أحالت إلى ظهور فنانين عديدين أتبع كل واحد منهم طريقاً يجد فيه غايتة في أغناء حركة التشكيل المعاصر في العراق ومنها فن النحت خاصة فنجد من ذلك تجربة معاصرة اعتمدها الفنان أتحاد كريم (من مواليد عام 1940، عضو جمعية الفنانين، عضو نقابة الفنانين، شارك في ترينالة الهند العالمية وفي الكثير من المعارض الدولية في أنكلترا والمانيا وفرنسا وايطاليا والاتحاد السوفيتي) التي أبتعدت عن كل ما هو مألوف وواقعي، اذ اعتمد النحات في أسلوبه على إخراج أعماله النحتية وشخوصه الممثلة بقوام ممشوقة نراها ذات استطالة مجنحة طويلة الساقيين ذو أسلوب تجريدي، محوراً النظم السائدة في الجسم البشري، ومحورها لصالح شخوصه النحتية وهذا يتجلى في أغلب أعمالة رغم قله توفر مصورات لأعماله.

إذ نلاحظ ذلك في عمله (أشخاص)، التي تبدو شخوصه كأنها تطير و ذات أجنحة، وقد يصح القول بأنها طائرة فعلاً لعدم ارتباطها بالأرض، وأن كانت مرتبطة بالأرض ومستندة عليها، فحين النظر اليها ينسى المتلقي ذلك الارتباط بالقاعدة مما يعطي شعور بأن القاعدة ذاتها جزء من العمل كما في عمله هذا. أن النحات إتحاد كريم قد خرج من دائرة المحاكاة وخرج بكل جرأة ليس فقط من الناحية الشكلية للمنجز النحتي وحسب بل والتنظيمية من خلال توزيع المفردات ذات النسخ المتعدد للمفردة والإيحاء بها على أساس التعددية بالحركة الدائمة من خلال وجود ذلك الصحن الذي يبدو طائراً في فضاء العمل فوق الأرض مما يعطينا أحساس بحركة شخوصه من خلال التفاتات الرأس (لغة الجسد

 

 

 

اللوحة التشكيلية القيم الجمالية بين

 والمنجز التصميمي

 

        تواجه الباحثين في حقل فلسفة الجمال اليوم حزمة من الاشكالات الفكرية التي القت بها التداخلات المعرفية التي أوصلت بين الممارسات الفنية والصنوف الابداعية التي كانت فيما سبق تشكل مترايس لتنظيراتها الخاصة المتخصصة؛ حتى بلغت التفصيلية ببعض المنظرين للذهاب الى حساب وعد القيم الجمالية والاسس الفنية والعناصر التكوينية لكل صنف ونوع ابداعي والنص على تلك الاعداد والارقام والنص على تسمياتها بحيث لا تقبل الجدل او الشك والنقاش؛ فصار للمسرح جمالياته وللسينما جماليات اخرى وكان من العيب ان تختلط الوسائل والصيغ التعبيرية بين النمطين الجماليين والا فسوف لن نحسن التمييز بين القيم والاسس الجمالية المسرحية عن نظيراتها السينمائية، هذا على سبيل المثال.

 اليوم الامر مختلف تماماً فالتداخل المعرفي افترض تداخلاً تطبيقيا وتقنياً وبالتالي فقد صار من الوارد ان نتلقى فيلما ممسرجا ونصا شعريا متلفزاً وتكشيلاً مصمماً أو تصميماً مشكلاً وهكذا، ولكن الا يستدعي ذلك التباسا في الهوية الفكرية والتصنيف المهني لكل فن؟ اليس للسينما شخصية ومدارس واساليب تختلف عن المسرح ومذاهبه؟ وهل يعني ذلك اننا لن نجيد الفصل بين العمارة والتشكيل مثلاً؟ الجواب يكمن في ان الأمر ينبغي ان يتم استيعابه على مستوى نظري أولاً وأخيراً فالقضية في منتهى التنظير ومنتهى الواقعية الكمية ان صح التعبير.

 ليس هناك حواجز او موانع تقنية او تعبيرية بين الاجناس الثقافية الا بما يقتضيه المنطق الفكري للمنجز الابداعي، ولكن هناك منظومة هائلة من القيم الجمالية مختلفة ومتنوعة تنشط على شكل باقات ومجموعات في كل جنس ابداعي وقد تشترك بعض هذه القيم في الفنون المتقاربة ولكنها ابدا لا تتطابق والا اصبحت فناً واحداً، ولنسعى للتفريق هنا بين جماليات التشكيل والتصميم على سبيل البحث والتنظير مما سيمهد للقارئ ان يزداد قدرة على الفصل بين الجماليات حين التلقي.

 التشكيل هو مرجعية التصميم وهو جزء مهم من تاريخه لكنه أبداً لم يكن مرجعيته الوحيدة فللتصميم في الهندسة مرجعية اخرى وفي علم الاتصال مرجعية اقدم وهكذا ولكننا سرعان ما نستدعي التشكيل اذا ما اردنا الخوض في جماليات التصميم حيث لا جذور جمالية بصرية في العالم اقدم واعرق من جماليات التشكيل.

 ولنأت القول بالتفصيل فنقول ان القيم الجمالية وأن كانت غير قابلة للتقنين والتحديد القاطع الا انها قابلة بلاشك للبحث والتمحيص وهي قيم يتعارف عليها البحث العلمي بآلياته البحثية، لكن أولاً علينا أن نعلم حقيقة بسيطة مفادها ان القيم الجمالية هي ليست الجمال الفلسفي الذي تتناوله النظريات بل انها المؤسسات الواقية لذلك الجمال، ولنزدد قرباً من التطبيق ينبغي لنا ان نتتبع منطلقات ومساراتت القيم الجمالية في كل من التشكيل والتصميم ولا بد ان تتداخل المتابعة بمرور على قضايا التعبير واستخدام المادة والتقنيات وغيرها من الاشتباكات البنيوية في متن العمليتين التشكيليلة والتصميمية.

 

1-  ينطلق العمل التشكيلي اساسا من رغبة الفنان بالتعبير عن ذاته المتحمسة او الفاترة او القلقة أوالمحبطة وهكذا الى آخره من اختلاجات قد تعانيها ذات الفنان المرهفة الحس اصلاً، بينما تنطلق العملية التصميمية من الطلب الانتاجي او الرغبة التسويقية التي لا تتصل بذات المصمم (الفنان) باي حال من الاحوال وهي رغبة موضوعية خالصة بل انها ليست رغبة بقد ما هي خطة وترتيبات احصائية ومالية وتقنية بحتة.

 2-  غالبا ما يتأسس العمل التشكيلي ضمن رؤية فردية لا تتجاوز الفنان تنبع من وعيه للعالم واحساسه بالماحول مما يكرس السمؤولية الفردية عن التوصلات التشكيلية، بينما تتتوزع في كثير من الاحيان الرؤية التصميمية للعمل التصميمي على اكثر من مصمم وغالباً ماتجد فرياً من المصممين خلف منجز تصميمي واحد.

 3-  من غير اللائق ان يحتسب الفنان التشكيلي لنفقات عمله، بل انه لا يهتم اصلا باي حسابات مالية أو انتاجية هو في منأى عن تكاليف العمل حتى بعد ان ينتهي، بينما قد تفشل الاخطاء التي يرتكبها المصمم فيما يخص حسابات الكلفة مجمل العمل التصميمي وتتركه عملاً أخرقاً لا يستحق الانهاء، فالميزانية والقدرات الانتاجية هي من صلب التفكير التصميمي والاخراجي أن لم تكن ذات ابعاد فنية لكنها وبكل المقاييس من المتحكمات الحقيقية بمستقبل العمل التصميمي.

 4-  لا يعنى التشكيل بالتوصل الى الحقائق بل هو كفن معني بطرح الاسئلة وتقليب الامور والتشكيك بالواقع بغية استفزاز الوعي البشري لتأسيس مستقبل آدمي افضل، التشكيل يناور ليثير الجدل ويسحب المتلقي من عوالم اليقين الى مناطق الشك والتساؤل والتأمل الجمالي لينفتح به على أفاق أرحب وأكثر يسراً وسلاسة، أما التصميم فيسعى لتثبيت الحقائق وتأشيرها وابتداع حقائق جدد تشد المتلقي من حيرته الى قراره والتصميم يستميل ويغري بالوقوف على الثوابت او تبني المواقف الفكرية او العملية اوحتى العاطفية بشرط أن تكون قاطعة وغير محايدة بالمرة.

 5-  الفنان التشكيلي لا يباشر العمل الا بحرارة انفعاله مستفيدا من لحظات اتقاد الوجدان وحماس الروح غلوة المشاعر مؤججاً بقوة عواطفه استلامات المتلقي باثاً فيه شحنات الوجد ومؤسسا للاحساس بعمله من قبل الاخرين؛ بينما يدء المصمم عمله في منتهى الهدوء والروية عندما تستوي انفعالاته العاطفية لتعطي فرصة لمخططاته العقلانية بالعمل لتبني عملاً يتصف بالعلمية والمنطقية ويسعى للتأثير في عقل المتلقي وان استعان على ذلك بمناغمة عواطفه، لكن العمل التصميمي لا يغامر ابدا بأن يكون عملاً عاطفياً حيث العواطف عنوان التبدل والتغير والتصميم كما اسلفنا ينشد الثابت من المناطق لكي يتحرك بثبات فوقها.

 

 

 

مأزق النقد التشكيلي الوصفي الادبي

 وخواء التجربة الفنية

                                                                                                    نزار الراوي

 

 

 

بتاريخ  (20/8/2005) قرأت في الصفحة الثقافية لجريدة (الصباح الجديد) الموقرة مقالاً للأستاذ عبد الرحمن طهمازي يعلق فيه على المعرض الشخصي التاسع عشر للفنان محمد مهر الدين وتكونت لدي ملاحظات عدة حول المقال:

استهل الاستاذ عبد الرحمن طهمازي وهو الكاتب الألمعي المقال بمناورة (إعلامية) وهي محاولة لتثبيت فكرة معينة في ذهن القارئ من الضربة الأولى حيث ادعى الكاتب أن فنانه كان على علاقة بالقلق في نهاية التسعينات حيال (أسلوبه الذي عرضه للاختبار).. ياللهول هل حقاً محمد مهرالدين من ذلك الطراز الذي يقلق حيال لوحته؟؟ لا أصدق وإلا لما سطر عليها في تلك المرحلة بالذات شعارات مباشرة تندد بالعولمة واقتصاد السوق المفتوح والمناطق الحرة وتدعو لمؤازرة العالم الثالث وحركات التحرر في أمريكا الجنوبية واطلاق سراح مانديلا؛ والادهى من ذلك  محاولة طهمازي في ذات السطر تثبيت مقولة غريبة مفادها أن مهر الدين يمتلك أسلوباً؛ وهنا أسجل اشادتي الكبيرة بالحرفية العالية لاستاذنا عبد الرحمن طهمازي الذي حاول تمرير الفكرة الزائفة والهدامة بكثير من المهنية والاحتراف وقليل من الشعور بالمسؤلية تجاه من يقرأ خصوصاُ ممن لازالوا يؤمنون ويصدقون بما يطرحه طهمازي من فنانين واعلاميين وقراء ناهيك عن النقاد وأشباه النقاد وأقصد منهم الشباب تحديداً حيث يمرر الكاتب بهدوء ووضوح في أول سطرين كل رسالته التي كتب من أجلها مقاله الطويل ذلك المقال الذي جاء متصدعاً منطويا على الملابسات الفكرية والأصطلاحية وحتى التاريخية.

سأعود لتفصيل بعض جوانب النص الذي ألقاه طهمازي في وجوهنا، ولكني اود التأكيد هنا على أن مثل هذه التوصيفات والتكريمات يزاولها الادباء والكتاب والصحفيون جزافاً ويغدقون خلالها المكارم والعطايا لرسامينا هي التي تتحمل مسؤلية تحويل جيش من التشكيليين العراقيين من مختلف الأجيال الى ديناصورات ضخمة ومتحجرة تحترف الانقراض من ساحة التأثير الجمالي والفكري المعاصر متخلية بذلك عن القدح المعلى الذي كان لتشكليي العراق من الأجيال السابقة وفي الميدان نفسه؛ وتتحمل المقولات النقدية المسؤولية التأريخية الكاملة عن تمويه الدرب والطريق على طلبة الفن ومريديه حيث خلطت المفاهيم والمصطلحات عليهم، فمنذ عقدين أو أكثر من الزمن يزاول الأدباء والصحفييون لدينا بمنتهى الجراءة واللامبالاة مهمات توصيفية تتعدى السياحة على سطح العمل الفني في كثير من الأحيان لتقع في مهاوي الغزل مع الفنان وتعاطي والاستخفاف بالقارئ المحروم من المتابعة والاطلاع الا على مايأتيه  على صدور صفحات صحافتنا أو باقي وسائل الاعلام الحكومي المؤطر والمؤدلج والموجه نحو التسطيح والتعمية والتزييف.

أعود الى نص الأستاذ عبد الرحمن طهمازي حول ممدوحه الأزلي الفنان محمد مهرالدين ذلك النص الذي أعده دالاً واضحاً ومؤشراً شديد الدقة على معظم ماسلف من مؤاخدات على مزاولي العمليات الاعلامية والترويجية داخل المشهد التشكيلي العراقي والتي تتسم بكثير من إستسهال النقد وأختزال العملية النقدية الى قناعات شخصية غير متخصصة تعمل بجد على إقصاء المنهج والتحليل والتعايش والبحث والتمحيص والتقصي فقد تطاول النص وتمدد وتمطى ليصف التقنيات الساذجة للفنان والتي لم تعد تليق في عصر الانفتاح التقني الا بتجارب دارسي الفن في مراحلهم الاولى للدراسه وأطنب الوصف في متابعة توزيعات الفنان للتلصيقات والتركيبات ودقق في وصف القماش والملمس والورقة وكيفية قلب الفنان الورقة الى آخره؛ مما اشعرني بالحرج الشديد والحسرة وأنا أقرأ لكاتب مثل عبد الرحمن طهمازي يعلن تورطه - ربما من خلال صداقته القديمه للفنان- بأنه قد أفلس تشكيلياً حتى اني لا اشك في ان ناقدنا وأستاذنا طهمازي قد انقطع عن متابعة تحولات الفن التشكيلي وتطوره، وهذا ليس أسوأ ماتشي به كتابته وبدا جليا انه لم يزر معرضاً ولم يتفحص عملاً تشكيلياً منذ سنين؛ وهنا نطرح السؤال؛ هل يستدعي توقف وأنهيار تجربة الرسام الذي توقف عن الابداع والاتيان بجديد يعزز تجربته الخاوية اساساً من المعرفة والخبرة الجماليه وحتى من التوصلات التقنية الناضجة هل يستدعي ذلك أنهيار النص النقدي وأنتحار الناقد الرصين؟

كانت وللأسف توصيفات كاتبنا الكبير لاتعدو كونها أحصاءات ومتابعات لتحركات محمد مهرالدين على السطح التصويري مما يوحي بأن الناقد كان متفرجاً على الرسام وهو يصول ويجول أعتباطاً على سطوحه مستخدماً مواده وأدواته البسيطة لينتج تلطيخات فجة وغير متوازنه لا تدعي حتى الاناقة ناهيك عن الطرح او التعمق الجمالي.

وعن المغالطة التأريخية في النص المنشور فان كاتبنا يؤكد بكثير من الثقة أن محمد مهرالدين واكب الجيل الثالث من رسامي العراق وكان في طليعتهم؛ وهنا أدعوه ليتقي الله في تأريخ الحركة التشكيلية العراقية التي لم يكن الكاتب ببعيد عنها؛ وسأدعي بالنيابة عن كاتبنا أن هذه المعلومة من باب المبالغة والمجاز لأننا نعلم أن تقسيم الرسامين أو المبدعين عموماً الى أجيال يعد عملاً محفوفاً بالمزالق ولكن اذا كان ولابد فلنقسم الاجيال الى مراحل تأجج وجودهم وتأثيرهم على الساحة التشكيلية مع إقراري المسبق بوجود أسماء لاتنتمي بوضوح لمرحلة أو جيل بدقة، لكن عموماً فلنستذكر أهم الأسماء في الأجيال التي يمكن التحدث عنها كمراحل تأريخية فالجيل الأول قد تشكل تاريخياً من مجموعة أسماء منها عبد القادرالرسام ومحمد صالح زكي ومحمد سليم وآخرون قلائل، وأما مايصطلح عليه بالجيل الثاني وهو أولاً من حيث الريادة والتأسيس فكان جيل جواد سليم وفائق حسن وحافظ الدروبي وعطا صبري ومديحة عمر واسماعيل الشيخلي، أما الجيل الثالث الذي يفترض الكاتب أن مهرالدين كان في طليعته والذي أجج مرحلة الستينات وتواصل بعضهم الى الثمانينات فهم كوكبة خطرة من رسامي العراق منهم كاظم حيدر ونوري الراوي ومحمود صبري وخالد الجادر وسعاد العطاروشاكر حسن آل سعيد ونعمت محمود وغالب ناهي واسماعيل فتاح وفرج عبو وحميد العطار ونزيهة سليم ونعمت محمود وآخرون؛ وهنا نستذكر الجيل الذي يقصده الكاتب وهو مايكن أن نطلق عليه الجيل الرابع (وليس الثالث كما اختلط على الكاتب) وهو جيل لم يصنع تأثيراته إلا في أواسط السبعينات وامتد الى الثمانينات وهو الجيل الذي ينتمي اليه مهرالدين فعلاً ويدعي طهمازي أن كان في طليعتهم فمنهم سالم الدباغ وصالح الجميعي ورافع الناصري وإبراهيم زاير وفايق حسين وصلاح جياد وراكان دبدوب وفيصل لعيبي وعلي طالب وليلى العطار ويحيى الشيخ وضياء العزاوي وعامر العبيدي وهاشم سمرجي وقاسم الساعدي وشمس الدين فارس وحميد راجي؛ ثم تلاهم بقليل مهدي مطشر وجودت حسيب وصادق سميسم وسعدي عباس ووليد شيت وعادل كامل وعلاء بشير وآخرون كثر، ألهذا الجيل ينتمي؟؟ وهل حقاً كان في طليعتهم؟؟ كيف؟؟

وهنا اقتطع جزءاً من وقت الرد تاركاً الناقد في غيبوبته وسكونه متململاً بين الصديق القديم الذي يسبب له الحرج بين الحين والاخر وبين قلة اطلالاته واطلاعاته التشكيلية وأستخفافه بالقاريء الذي يجد في نصوص كاتبنا خيبة أمل وأعود لتجربة مهرالدين تلك التجربة المسؤولة عن عدد غير قليل من ظواهر ومظاهر الانتكاس في مشهدنا التشكيلي المعاصر.

لا أنوي سبر الاغوار التاريخيه لمحمد مهر الدين لعدم أهميتها لكني أعلم أنه كان شاباً ملفتاً للنظر في ثمانينات القرن الماضي للعديد من رواد و نقاد ورعاة التسطيح في الرؤيه والانزواء في زوايا التزويق فلم تتخلص رسوماته من التشخيص الا عندما أعتمد نسقاً تنظيمياً للالوان الصريحه والمبسطه حيث استوحى في اعماله كثيراً من قطوعات (موندريان) العتيقه وتصاميم وتخطيطات (أبستين) مما استهوى مقتني الاعمال نهاية الثمانينات وأواسط التسعينات اؤلئك المقتنين القادمين من دول الخليج والاردن وبعض العواصم الاوربيه في مزامنه غيرمقصوده مع تقليعات الديكور واستمالات المدارس الحديثة في التصميم الداخلي للمنشأت والبيوت والشقق السكنيه التي جعلت من البساطه والخطوط الحاده والالوان الصريحه والزوايا  القائمة سمة مهمه لتنسيق دواخل البيوت والمنشأت في تلك السنوات.

تدارك مهرالدين أعماله التي شابهت الى حد كبير تصاميم علب السكائر بخربشات كتابات غيرمقروئة أضافت بعداً رمزياً وعمقا تحليلياً لاعماله التي كانت تعاني من ( الحلاوة) الفائضة والسذاجه في آن، ولكنه لم يحتمل ذلك فبادر سريعاً ليحيل خربشاته الى كتابات مقروئه تحمل اسماء مدن او اشياء لتفقد بعدها الرمزي و تعود لتواكب التسطيح والتبسيط في قطوعاته اللونيه تلك الشخبطات التي يعدها طهمازي (علامات لغوية ثانوية) تلك التي نقلت في كثير من الاحيان شعارات  تعبوية سخيفه مثل ( تسقط العولمه) وما الى ذلك مع شعارات تلك الأيام التي لاتدل الا على جهل صانعيها حتى بالعولمه لتحول اعماله في تلك المرحله و اقصد ما بين الاعوام 97 – 2003  الى أعلانات تجاريه تروج للخراب الفكري و الفني الذي ساد.

أما في هذا المعرض فقد مارس مهرالدين بمنتهى السذاجة وبدعم من ناقده الشخصي الكتابات الخبرية على سطوحه مثل عبارة غريبة تقول (مسؤولون أمريكيون.. مبالغة في اعداد الموظفين العراقيين ومبالغة ادارة الرئيس الأمريكي بوش في اعداد الوظائف التي تمولها الولايات المتحدة في العراق) في محاولة لتحويل الأخبار المهمة الى عكاز للوحة غير مهمة، أو في أحسن الأحوال هي مجرد محاولة بسيطة وتافهة لاضفاء طابع سياسي وطني على أعمال لاتمتلك من المصداقية ما يجعلها تعبر بصدق عن راسمها فكيف سيكون لها الحق في التعبير عن معاناة شعب ووطن؟ انها في افضل الاحوال نجحت بالربط بين واقع تشكليليٍ وواقع سياسي أحدهما أردأ من الآخر.

المعرض الشخصي التاسع عشر لم يقدم لنا الا مزيداً من التعجل والاستخفاف والخواء المعرفي والجمالي وربما يحتمل جزءاً من آثام تلك التجاوزات نقادنا وصحفيونا ومتعهدو النقد الذين يزاولون الاطناب بالتوصيفات التي لاتخلو من الانبهار المبرر بأنعدام تواصلهم مع مافي العراق والعالم من أقتراحات واحتدامات جماليه تؤسس للانفتاح على الحياة بما يؤشر المواقف ازاء المتغيرات الضخمة التي شهدها ويشهدها العالم معنا ومن حولنا. الى مهرالدين و طهمازي وعدد غير قليل من المهتمين اتوجه بالسؤال؛ أما آن للتسطيح والاستسهال وتلطيخ الالوان ان يتردد قليلاً؟ أما آن للمجاملات والصداقات الحميمه والاخوانيات ان تتنحى قليلاً عن الفن والنقد والاعلام؟ اما آن للعنجهيه الفارغه لاسماء كبرت في ظل الخراب ان تتواضع لاجيال سبقتها قدمت المعرفه وأجيالاً تلتها قدمت المحاوله الجاده؟ اما آن للتركيب والتعمق والاجتهاد والاحتراق في دوائر الجمال أن يقدم و يدرس و يأخذ بنظر النقد والتحليل والاعتبار؟ اما آن للتشكيل العراقي المعاصر أن يؤسس للغة الحوار والمصارحة التي ينبغي لها ان تسود لدعم اعادة ترميم مشهدنا التشكيلي وهيكلنا النقدي المنهك والمترهل والمبتلى بالاورام السرطانيه؟؟ وكل ذلك قبل سويعات - ربما-  من الانفتاح على الاخر الذي لازال يقر ان ابانا الشرعي جواد سليم وامنا جميع ازمات السياسه واطماع الداخل والخارج، واعلمكم جميعاً أن الاخرالمتطلع لن يغفر لنا الانفتاح عليه بهذا المستوى من الخراب والأمية؛ فدعونا نعمل بصمت لترميم واقعنا التشكيلي وإعادة تأسيس وعينا النقدي من جديد ولنهتف ان الامبراطور عار من ثياب الوهم التي صدقها المخدوعون..

 

 

الأنستليشن أو الفن التركيبي

مابعد الرسم وما بعد التشكيل

 

يصف مصطلح الانستليشن أرت (Installation art) أو فن التركيب العمليات الفنية والتشكيلية التي تنتج تركيبات شكلية لها وجود فيزيائي غالباً ما يقوم على تداخل مكاني مع موجودات المحيط الواقعي للعمل، لذا فأن معظم أعمال الفن التركيبي يتم بنائها وتنفيذها داخل فضاء القاعات الفنية أو المتاحف أو في الفضائات الخارجية على نحو مباشر، حيث يصعُب تحريكها اذا ما نُفذت داخل استوديوهات الفنانين، وهي تمثل طائفة واسعة من الممارسات البنائية والتكوينية والتي يتمخض عنها نتاجات فنية هائلة التنوع، وقد تشمل أعمال التركيب خامات ووسائل عمل متعددة مثل مزج الوسائط، وفنون الفيديو، والتراكيب الهندسية، والانشاء الصناعي، بالاضافة للتأثيرات الضوئية والصوتية أحياناً، وهو من أنواع الفن المفاهيمي (Conceptual Arts)، وقد ظهر هذا الاصطلاح (Installation art) في فترات متأخرة من سبعينات القرن العشرين على الرغم من جذوره الأقدم والتي تتمثل بوضوح في أعمال مارسيل دوشامب خصوصاً عمله الشهير (المبولة) والتي اقتناها من السوق المحلية ومهرها بتوقيع (R.Mutt) وهو اسم الشركة المصنعة لها، وقام بارسالها الى معرض نيويورك للمستقلين سنة 1917 مطلقاً على عمله هذا اسم (النافورة) كأحد أعماله التي تنتمي الى ما اسماه حينها بالفن الجاهز.

لكن مصطح (Installation art) لم يتم تداوله على نطاق واسع الا متأخراً لتوصيف أعمال الفنانيين الشباب الذين غزوا المتاحف وصالات العرض العالمية بأعمالهم التي كانت تتصف بالجرأة وروح التغيير والغرابة في كثير من الأحيان؛ من أمثال البرازيلي سيلدو ميريل، المكسيكي جابريل أوروزكو، الانجليزي مايكل ليندي، والأمريكي مايك كيلي والايرلندي كريغ مارتن وآخرون، حيث بدأت هذه الموجة بانتزاع اعتراف المسابقات الفنية العالمية والمتاحف الشهيرة منذ أوائل التسعينات الى أن أثبتت حضورها المتميز من خلال فوز هؤلاء الفنانيين بعدد كبير من الجوائز العالمية مما لفت أنظار الاعلام الفني اليهم والى أعمالهم التي بدأت بالرواج في أهم عواصم الفن كلندن ووروما وباريس ونيويورك وطوكيو.

أما عربياً فما تزال الظاهرة أو النوع الفني يفتقر الى المقبولية بين أوساط التلقي والتعاطي ويُعاني فنانوه نوعاً من الكساد التسويقي والثقافي على حدٍ سواء، وذلك لعدة أسباب منها عدم مواكبة غالبية المؤسسات الفنية العربية والقائمين عليها لمجريات الفن في العالم، ورسوخ معايير كلاسيكية أصبحت بالية في ذهنية السوق التشكيلية في المنطقة العربية، بالاضافة لقدم مناهج التعليم الفني في معظم المؤسسات التعليمية المعنية بتدريس الفنون، مما سبب إحجاماً ثقافياً واعلامياً عن هذه الفنون التي توصف بأنها تقدمية تسعى لتعميق دور الفن في معالجة مواضيع ترتكز الى المخيلة من جهة والتفسير الكمي للظواهر الحياتية من جهة أخرى مستفيدة من التقنيات الأحدث التي يتعامل معها الانسان يومياً.

وهذا لا يعني بالضرورة وجود قطيعة عربية كاملة مع هذا النوع الفني، فهنالك فنانيين عرب غير قلائل يسعون في معظم الدول العربية للعمل ضمن مفهوم الفن التركيبي تحديداً او الفن المفاهيمي على نحو أشمل، ولكن ضمن ظروف تلقي وتسويق صعبة نسبياً، حيث أنهم يواجهون عدم تفهم واضح لأعمالهم، حتى أن معظم نقاد الفن العرب لم يتعرضوا لهذه الأنواع الفنية الا عرضاً، وربما تكون العشر سنوات القادمة هي الفترة الأكثر تقبلاً لفنون التركيب في المنطقة العربية؛ ولعل فوز الفنان العراقي نديم كوفي مؤخراً بجائزة مهمة في دبي عن عمله (حبات الرمان) والذي يقترح أن ينفذ بحجم كبير جداً في أحد ساحات مدينة دبي يُعد مؤشراً على قرب إختمار وعي ثقافي عربي بهذه الأنواع الفنية وبدء تكون رؤية تسويقية لنتاجاتها غير التقليدية في المدن والمتاحف والصالات العربية.

وفي عودة لأهم المفاهيم التي يقوم عليها الفن التركيبي (Installation art) أقول أن هذا الفن يسعى للتقليل من أهمية المعايير الكلاسيكية التي سادت الفنون البصرية لقرون طويلة مستعيناً بالرياضيات كمنطق بصري هذه المرة، حيث يتم التخلي عن الأوهام البصرية لمصلحة الكتل الحقيقية التي تتعايش ضمن بيئة العرض التشكيلي، مما يولد تشكيلاً جديداً يمكن تسميته ما بعد التشكيل النمطي، فنرى تراجعاً ملحوظاً للرسم والتلوين ازاء عمليات تركيبية تستعين بالشواخص البصرية والمكونات النحتية وغالباً الاضاءة الطبيعية أو حتى الصناعية وفي بعض الأحيان الصوت كعنصر مكمل للعمل الفني، مما يحيلنا الى مناقشة الخامات الداخلة في العمل الفني كعناصر رئيسية ذات وجود عضوي لا كسطوح حاملة أو صبغات موحية أو ظلال خادعة للعين، ومن هنا أقول أن الفن التركيبي يمتاز بصدقية مميزة تجعله فن العصر بلا منازع، وهذا لا يعني دعوة للتخلي عن الأنوع الأخرى أو نبوءة بزوالها –لا سمح الله- حيث أن الفنون لا يلغي أحدها الآخر ولا يقوضه، بل يزيده عمقاً وثراءاً ويغير وظائفه وتقنياته نحو إمتلاك خصوصية واضحة وهوية ذات ملامح أكثر تحديد، فكما لم تلغي السينما المسرح، وكما لم يزول الرسم اثر ظهور الفوتوغراف، وكما جاورت المدونات والصحف الالكترونية الصحافة الورقية، كذلك هذا الفن يجاور الرسم والنحث والفنون التشكيلية الأخرى بقوة ووضوح، وهو اليوم يتصدرها من حيث قدرته على هضم المتغيرات السريعة التي تعصف بالانسان المعاصر على يد التكنلوجيا وثوراتها التي لا تهداء.

ولمزيد من التحليل الثقافي لهذه الفنون أقول انها تسعى في الغالب الى تغيير النظرة السائدة الى المتلقي من كونه عين تقوم بعملية ابصار يحيل الى ذاكرة، الى كونه منظومة متكاملة من الحواس مرتبطة بادراك حسي لا يعول على ذاكرة وتجارب مسبقة، فمعظم الأعمال في هذه الفنون تسعى لتأسيس ادراك حسي متكامل لدى المتلقي غير مسبوق يُنتج مواقف وجدانية جديدة تعمل على تحريك مشاعره أو أفكاره باتجاهات حرة، وتعمل معظم الأعمال الفنية في هذا المجال على زعزعة مكامن الاستلام التقليدي لدى المشاهد مما قد ينتج في كثير من الأحيان ما يعرف بـ (صدمة التلقي) المسؤولة عن فتح آفاق فكرية جديدة تكاد تكون بكر شديدة الخصوبة، ولا تُملي على المتلقي أفكاراً بعينها ولا تستنهض لديه مواقف مسبقة أو ردود أفعال عاطفية أو فكرية جاهزة، هذا ما يتناسب تماماً مع موجات التحرر الفكري التي غزت العالم والتي تلت موجات الأيدلوجية الدينية والسياسية التي كانت تخيم على شعوب الكرة الأرضية إبان خضوع معظم تلك الشعوب لثنائية القطبين التي تناسلت عن سنوات الحرب الباردة رجوعاً الى أٌقدم العصور والتي لم تخلو يوماً من كون الأنسان مطالباً باتخاذ مواقف معلبة وجاهزة على الدوام لاثبات شدة ولائه وانظباط قيمه بما تملي عليه انتمائاته الوطنية وبالتالية السياسية بحسب الفهم الكلاسيكي البائد للوطنية.

وليس بعيداً عن هذا الفهم والتطبيق ما حدث من توالد أجناس وأشكال فنية في معظم أنواع الفنون والآداب فمن خلال هذا الفهم يمكننا الحديث ثقافياً عن فكرة النص المفتوح في الأدب الحديث، أو مسرح الصورة، وسينما الواقع، وحتى موجات العمارة التفكيكة، والتصميم البيئي، وموسيقى الشارع الى آخر ما أنتجته تيارات ما بعد الحداثة بجموحها الساعي لتفتيت الحواجز التقنية لأنواع الفنون وفتح آفاق الانتاج والتلقي كمشروع فني نهضوي يعيد الانسان (المتلقي) الى موقعه الأهم ازاء العمل الفني ذلك الموقع الذي يجعله مشاركاً فاعلاً في انتاج المفاهيم والقيم الجمالية الادراكية وليس مجرد مُستلم لما يُريد الفنان املائه عليه، كذلك تُعيد هذه الفنون انتاج الفنان من خلال تحريره من منظومة العمل التقني المقنن لتطلقه في فضاءات رحبة من الخيارات التنفيذية تحقياً لرغباته الفنية في التوصل الى أعمق قيم الجمال غير المتداولة سلفاً.

 

 

 

 

 

 

بالرغم من أن العلماءِ يَختلفونَ بالنسبة إلى بداية الفترةَ الحديثةَ ومتى بَدأتْ بالضبط، لكنهم يَستعملونَ  تعبيرَ الفَنَّ الحديثَ في الغالب للإشارة إلى فَنِّ القرنِ العشرينِ في أوروبا والأمريكتين، وكذلك في المناطقِ الأخرى التي تقع تحت التأثير الغربيِ.

اذن فالفَنّ الحديث، رسم، نحت، وأشكال أخرى مِنْ فَنِّ  القرن العشرينِ، ما أهميتها وما المثير فيها ولما كل هذه الجلبة والضجيج حولها ولما لاتشبع هذه الحقبة من تاريخ التحولات من النقد والحوار والتمحيص والتحليل والتدقيق.

 

الفترة الحديثة كَانتْ فترة إبداعية جداً وقد كان بين مساهماتِ القرنِ العشرونِ الأكثر أهميةً في تأريخِ الفنّ إختراعَ التجريدِ (الفَنّون التي لا تُقلّدُ مظاهرَ الأشياءِ)، ومثل التجريد مقدمة تشكيلة واسعة من التقنياتِ والموادِ الفنيةِ الجديدةِ، وحتى أنه إعاد تعريفِ حدودِ الفَنّونِ بنفسها.

 تَغطّي هذه المقالةِ البعض مِنْ النظرياتَ التي يتم تداولها لشرح الفَنِّ الحديثِ، اصول الفَنِّ الحديثِ في القرن التاسع عشرِ، وخصائصه الأكثر أهميةً وأنماطه التعبيرية الأهمِ.

 

 

 

 

 

 

الأمريكي الأمريكي قوطي القوطي صُبِغَ مِن قِبل الفنانِ الأمريكيِ العشرونِ للقرنِ جرانت خشب في 1930. مادة بحث صورِ الخشبِ كَانتْ أمريكا ريفية , a عالم الذي قدّمَ الفنانَ في أغلب الأحيان في a ضوء هجائي. أمريكي قوطي جزءُ مجموعةِ معهدِ فَنَّ شيكاغو. أمريكي قوطي بخشبِ جرانت / أصدقاء المجموعة الفنيةِ الأمريكيةِ / جميع الحقوق محفوظة بمعهدِ فَنَّ شيكاغو وVaga، نيويورك، نيويورك. الصورة: مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك

توسّعْ

 

 

أسود جاكسن Pollock وأبيض (1948) مِن قِبل التعبيري المُجرّدِ الأمريكيِ جاكسن Pollock مَصْبُوغُ في a أسلوب دَعا رسم آني أحياناً. تراكيب Pollock لَمْ تُتعلّقْ بالحجمِ أَو شكلِ الجنفاصِ، الذي شذّبَ الفنانَ أحياناً أسفل بعد إنْهاء الصورةِ. مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك /© 2004 مؤسسة Pollock Krasner / مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك. الصورة: Giraudon

توسّعْ

 

 

فنان مارلين مونرو الهولندي الأمريكي ويليم دي Kooning غير عاديُ بين التعبيريين المُجرّدِ في بأنّه واصلَ صِباغَة الهَيكَل البَشَرِيِّ. أثناء الخمسيناتِ خَلقَ a سلسلة صورِ النِساءِ اللواتي يَستعملنَ ضرباتَ قَطْع اللونِ، كما في مارلين مونرو (1954) مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك /© 2004 مؤسسة ويليم دي Kooning / مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك.

توسّعْ

 

 

Guernica بيكاسو: الرموز وتَعْني الرسّامَ الإسبانيَ بابلو بيكاسو خَلقَ قطعته النادرةَ Guernica بَعْدَ أَنْ طَلبتْ الحكومةَ الإسبانيةَ a عمل لشرحِ باريس الدولي مِنْ 1937. إختارَ بيكاسو الموضوع عندما سَمعَ عن قصف Guernica , a بلدة صغيرة في شمال إسبانيا، في أبريل/نيسان 26, 1937، أثناء الحرب الأهليةِ الإسبانيةِ. القصف، الذي قَتلَ حوالي 900 مدني غير مسلّحينَ وGuernica مخفّض إلى الأنقاضِ، كَانَ عملَ الحلفاءِ النازيينِ لجنرالِ إسبانيا الفاشي فرانسيسكو فرانكُو. أي سلسلة الصورِ التي تُوثّقُ الهجومَ ظَهرتْ في a صحيفة في باريس، حيث كان بيكاسو يَعِيشُ، وهو يَبْدأُ العمل فوراً. مخطط لونِ الصورةَ، ألهمَ بصورِ الصحيفةِ السوداء والبيضاءِ، أثبتَ فعّالَ لحَمْل الحقيقةِ القاسيةِ. تركيب الأجسامِ المَقْطُوعةِ وتعادلِ الصورِ المتداخلِ على تقنياتِ فن الرسام التعكيبي التصويري. بهذا تصويرِ الآلامِ والأعمال الوحشية مِنْ حربِ، بيكاسو تَكلّمَ ضدّ الحربِ والظلمِ إرتكبا ضدّ أيّ ناس عزّل. تُعلّقُ الصورةُ الآن في Centro دي آرت رينا صوفيا في مدريد، إسبانيا. © شركة مايكروسوفت. جميع الحقوق محفوظة.

توسّعْ

 

الفَنّ الحديث يَشْملُ a تنويع رائع مِنْ الأساليبِ، حركات، وتقنيات. تُحيطُ تشكيلة واسعة من الأساليبِ الصورةَ الواقعيةَ جداً a تَفْلحُ زوجَ وسط غرب بخشبِ جرانت، معنون القوطيِ الأمريكيِ (1930، معهد فَنِّ شيكاغو، إلينويز)، والإيقاعات المُجرّدة للطلاءِ المَصْبُوبِ في الأسودِ والأبيضِ (1948، مجموعة خاصّة)، مِن قِبل جاكسن Pollock. بينما حتى إذا نحن يُمْكِنُ أَنْ بسهولة نُقسّمَ فَنّ حديث إلى الأعمالِ التمثيليةِ، مثل القوطيةِ الأمريكيةِ، وأعمال مُجرّدة، مثل الأسودِ والأبيضِ، نحن ما زِلنا نَجِدُ تَشْكِيلةَ مُدهِشةَ ضمن هذه الصنفين. كما الأمريكي المَصْبُوغ بالضبط قوطي تمثيليُ، مارلين مونرو ويليم دي Kooning (1954، مجموعة خاصّة) لَرُبَّمَا أيضاً يَكُونُ تمثيلية مُعتَبَرة، بالرغم من أن brushstrokesه الواسع يَقترحُ أساسياتَ مجرّد a جسم إنساني وميزّات وجهية. التجريد، أيضاً، يَكْشفُ عدد مِنْ الطرق المختلفةِ، مِنْ الإيقاعاتِ الديناميةِ للأسودِ وأبيضِ Pollock إلى الهندسةِ القائمة الزاويةِ للتركيبِ بحمراءِ، أصفر، وأزرق (1937-1942، معرض التيت، لندن) مِن قِبل الرسّامِ الهولنديِ Piet Mondrian، الذي تَقترحُ خطوطَها ومستطيلاتَها الدقّةَ الميكانيكيةَ للماكنةِ الصنعِ. فضّلَ الفنانونُ الآخرونُ جماليةُ مِنْ الفوضى، كما عَمِلَ فناناً ألمانياً كورت Schwitters، الذي خَلطَ الصُحُفَ القديمةَ، طوابع، وأجسام مَنْبُوذة أخرى لخَلْق الصورةِ بالمركزِ الخفيفِ (1919، متحف الفَنِّ الحديثِ، مدينة نيويورك).

 

التفاعلية

تسلسل زمني نحتِ

 

 

 

هكذا فَنّ عشرون للقرن يَعْرضُ أكثر مِنْ تنويع stylistic. هي في الفترةِ الحديثةِ ذلك فنانين جَعلوا الصورَ لَيستْ وحيدةَ مِنْ الموادِ التقليديةِ مثل النفطِ على الجنفاصِ، لكن أيّ مادّة متوفرة إليهم. هذا الإبداعِ أدّى إلى التَطَوّراتِ الذي كَانتْ جذرية لدرجة أكبر، مثل الفَنِّ التصوريِ وحركاتِ فَنِّ الأداءِ الذي وسّعا تعريفَ الفَنِّ للتَضْمين ليس فقط الأجسامِ الطبيعيةِ لكن الأفكارَ والأعمالَ أيضاً.

 

الثّاني خصائص الفَنِّ الحديثِ

 

 

 

بول Klee هذا مشهدِ المعركةِ الواجهةُ إلى Sindbad، البحّار، صوّرَ مِن قِبل الفنانِ السويسريِ بول Klee. إحترمَ Klee فَنّ الأطفالِ، ودَمجَ سماتَ عملِهم إلى أسلوبِ صورتِه الخاصِ. مصدر فَنِّ، نيويورك /© 2002 مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك / في جي Bild Kunst، بون. Giraudon

توسّعْ

 

 

غيّرتْ عجلةُ دراجةِ فنانِ فرنسيِ المولدِ مارسيل Duchamp فصل الفَنِّ الحديثِ في 1913 بعَرْض a قَلبتْ عجلةُ الدراجةِ رأساً على عقب وصَعدتْ على a مقعد مطبخِ. عجلة دراجةِ كَانتْ أوّل Duchamp مدعوة readymades، أجسام عادية التي تَحوّلَ إلى أجسامِ الفَنِّ بتَغيير سياقِهم وتَعْرضُهم كنحت. شوّفَ هنا a 1964 مِنْ نسخة طبق الأصلِ الأصليينِ، الذي يُفْقَدونَ الآن. Corbis /© 2004 مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك / Adagp، باريس / عقار مارسيل Duchamp. الصورة: متحف فيلاديلفيا مِنْ الفَنِّ

توسّعْ

 

نظراً لهذا التنويعِ، من الصعب تَعريف فَنِّ حديثِ بطريقة ما الذي يَتضمّنُ كُلّ فَنِّ غربيِ عشرونِ للقرنِ. لبَعْض النقّادِ، الخاصية الأكثر أهميةً للفَنِّ الحديثِ محاولتُها لجَعْل اللوحة وتَنْحتُ النهاياتَ في أنفسهم، هكذا يُميّزُ عصرانيةً مِنْ الأشكالِ السابقةِ مِنْ الفَنِّ التي حَملتْ أفكارَ دينيةِ قويَّةِ أَو نظم سياسية. لأن الفنانين الحديثينَ كَانوا لَنْ يُموّلوا أولياً بهذه المؤسساتِ، هم كَانوا أكثر حرية لإقتِراح معاني أكثرِ شخصيةً. هذا الموقفِ يُبدي في أغلب الأحيان كفَنّ لأجلِ الفَنِّ , a وجهة نظر التي تُترجمُ في أغلب الأحيان كفَنّ معنى بدون دوافعِ سياسيةِ أَو دينيةِ. لكن حتى إذا مؤسساتِ دينيةِ وحكوميةِ لَنْ تُكلّفَ أكثر الفَنِّ، العديد مِنْ الفنانين الحديثينِ ما زالوا يُريدونَ حَمْل الرسائلِ الروحيةِ أَو سياسيةِ. الرسّام الروسي Wassily Kandinsky، على سبيل المثال، شَعرَ بأنّ اللونِ إندمجَ مع التجريدِ يُمْكِنُ أَنْ يَبدي a حقيقة روحية مظاهر عادية تحت، بينما خَلقَ الرسّامَ الألمانيَ أوتو ديكس أعمال سياسية بشكل مفتوح التي إنتقدتْ سياساتَ الحكومةِ الألمانيةِ.

 

التفاعلية

إمضغْ: التعبيرية

 

 

 

تَدّعي النظريةَ الأخرى بأنّ الفَنِّ الحديثِ بالطبيعةِ العاصيةِ وبِأَنَّ هذا التمرّدِ واضحُ جداً في a مسعى للأصالةِ وa رغبة مستمرة للصَدْم. إنّ طليعةَ التعبيرَ، التي تُقدّمُ إلى فَنِّ حديثِ في أغلب الأحيان، يَجيءُ مِنْ a معنى تعبيرِ عسكريِ فرنسيِ "حرس مقدمة، "ويَقترحُ بأنّ الذي حديثُ ما الجديد، أصلي، أَو طليعة. لِكي يَكُونَ متأكّدَ، العديد مِنْ الفنانين في القرنِ العشرونِ حاولوا إعادة تعريف الذي فَنَّ يَعْني، أَو حاولوا تَوسيع تعريفِ الفَنِّ لتَضْمين المفاهيمِ، مواد، أَو التقنيات التي ما كَانتْ أبداً قبل مرتبطِ بالفَنِّ. في 1917، على سبيل المثال، فنان فرنسي مارسيل Duchamp عَرضَ يومياً، أنتجَ بشكل واسع، يُعارضُ نصير مذهب نفعي تَضْمين a عجلة دراجةِ وa مبولة كقطعة فنية. في الخمسيناتِ والستّيناتِ، إستعملَ الفنانَ الأمريكيَ ألان Kaprow جسمه الخاص كوسط فني في الأداءاتِ التلقائيةِ التي أعلنَ لِكي تَكُونَ أعمال فنية. في فنانِ مانع السبعيناتَ الأرضي الأمريكيَ روبرت سميثسن إستعملَ عناصرَ بدون تعديلَ مِنْ أرضِ البيئةَ، صخور، وماء كمادّة لقِطَعِه النحتيةِ. ولذلك، يُشاركُ العديد مِنْ الناسِ فَنَّ حديثَ مَع الذي جذريُ ومقلقُ. بالرغم من أن a نظرية التمرّدِ يُمْكِنُ أَنْ تُقدّمَ إلى تُوضّحُ المسعى لتَحفيز الأصالةِ a عدد عظيم مِنْ الفنانين العشرونِ للقرنِ، هو سَيَكُونُ صعبَ لوَضْعه على فنانَ مثل خشبِ جرانت، الذي قوطي أمريكي رَفضَ مثالَ الفَنِّ المتقدّمِ بشكل واضح وقتِه.

 

تسلسل الزمني الدينامي

يُؤسّسُ Kandinsky فَنّ مُجرّد

 

 

 

الخاصية الرئيسية الأخرى للفَنِّ الحديثِ سحرُها بالتقنيةِ الحديثةِ وعناقِها مِنْ الطرقِ الميكانيكيةِ لإعادةِ الإنتاج، مثل التصوير الفوتوغرافي وآلةِ الطباعة. في مبكراً 1910 s فنان إيطالي أومبيرتو Boccioni أرادَ تَمجيد الدقّةِ وسرعةِ العُمرِ الصناعيِ في صورِه ونحتِه. في حوالي نفس الوقتِ، دَمجَ الرسّامَ الإسبانيَ بابلو بيكاسو قصاصات صحيفةِ ومادّةِ مطبوعةِ أخرى إلى صورِه في a تقنية جديدة المعروفة بالفن التصويري. بنفس رسالةِ السيطرة، على أية حال، أرادَ فنانين حديثينَ آخرينَ إلهاماً مِنْ الإندفاعِ التلقائيِ لفَنِّ الأطفالِ أَو مِنْ إسْتِكْشاف التقاليدِ الجماليةِ للثقافاتِ غيرِ الغربيةِ غيرِ الصناعيةِ. الفنان الفرنسي هنري Matisse وفنان سويسري بول Klee تُأثّرَ برسومِ الأطفالِ بشكل كبير، لاحظَ بيكاسو أقنعة أفريقية مباشرةً، وتقنية Pollock لصَبّ الطلاءِ في الجنفاصِ جزئياً ألهمَ برسم الأمريكي الأصلي الرملي.

 

تسلسل الزمني الدينامي

يَبتكرُ Kaprow فن أداء

 

 

 

تَصْدُّ وجهةَ نظر أخرى لحد الآن بأنّ الحافزَ الأساسيَ للفَنِّ الحديثِ أَنْ يَشْغلَ في a حوار بالثقافة الشعبيةِ. إلى هذه النهايةِ، لَصقَ بيكاسو قطع الصحيفةِ إلى صورِه، قلّدَ روي Lichtenstein كلا الأسلوب وموضوع قصص الكارتون المصوّرةِ في صورِه، وأندي وارهول عَملَ صور من علبِ شوربةِ كامبيل. لكن بالرغم من أن تَحْطيم الحَدِّ بين الفَنِّ العاليِ والثقافة الشعبيةِ مثاليةُ مِنْ الفنانين مثل بيكاسو، Lichtenstein، ووارهول، هو لَيسَ Mondrian، Pollock، أَو أكثر الفنانين المُجرّدِ الآخرينِ.

 

تسلسل الزمني الدينامي

تُؤثّرُ الأقنعةُ الأفريقية على الفَنِّ الغربيِ

 

 

 

كُلّ هذه النظرياتِ بالطبع، يُرغمُ ويُمْكِنُ أَنْ يُوضّحَ عدد كبير من الإستراتيجياتِ إستخدمتْ مِن قِبل الفنانين الحديثينِ. بينما حتى هذا الفحصِ القصيرِ يَكْشفُ بأنّ الفَنِّ العشرونِ للقرنِ إلى حدٍ بعيد متنوّع لكي يُحتَوى بالكامل ضمن أي واحد تعريف. كُلّ نظرية يُمْكِنُ أَنْ تُساهمَ a جزء إلى اللغزِ، لكن لا نظريةَ وحيدةَ يُمْكِنُ أَنْ تَدّعي لِكي تَكُونَ الحَلَّ إلى اللغزِ بنفسه.

 

الثّالث اصول

 

مركز ويبِ

؟ جِدْ أفضل معلوماتِ على الإنترنتِ حول الفَنِّ الحديثِ.

لقطات محرّري Encarta

القرن العشرون [WebMuseum، باريس]

فَهْم الفَنِّ الحديثِ

أكثر. . .

 

تَوقّعَ فَنُّ أواخر القرن التاسع عشرِ العديد مِنْ خصائصَ الفَنِّ الحديثِ لاحظتْ فوق. هذه تتضمن فكرة الفَنِّ لأجلِ الفَنِّ، البؤرة على الأصالةِ، إحتفال التقنيةِ الحديثةِ، السحر مَع "بدائي، "والإرتباط بالثقافة الشعبيةِ.

 

أي إنطباعية

مزرعة الخضار في صومعةِ الناسك، مزرعة خضار Pontoise في صومعةِ الناسك، Pontoise (1879) صُبِغَ مِن قِبل الإنطباعي الفرنسيِ كاميل Pissarro. طبّقَ الفنانونُ طلاءاً الذي يَستعملُ لمساتَ مستويةَ صغيرةَ مِنْ اللونِ. أنجزَ a يضيئُ نوعيةً بوضع ضرباتِ الألوانِ الخفيفةِ على الألوانِ المُظلمةِ. مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك

 

إحتفال الفَنِّ الحديثِ للفَنِّ لأجلِ الفَنِّ بُدِا مِن قِبل الفنانين الفرنسيينِ إرتبطوا بالإنطباعيةِ، بضمن ذلك إدوارد مانيه، كلود مونيه، إدغار Degas، وبيرث Morisot. يُوجّهُ تَرْك الإشاراتَ إلى المواضيعِ الدينيةِ والتأريخيةِ، العديد مِنْ الإنطباعيين إنفصلوا عن مؤسسةِ الفَنِّ الفرنسيةِ في 1870 s وعَرضتْ صورَهم بشكل مستقل، يَتوقّعُ الرغبةَ الحديثةَ للإستقلالِ مِنْ المؤسساتِ المُؤَسَّسةِ. في لوحة مشاهدِ الحياة العاديةِ، خصوصاً حياة في الحاناتِ والمسارحِ المحليّةِ، تَوقّعَ الإنطباعيين إهتمامَ فَنِّ حديثِ في الثقافة الشعبيةِ. في تَصوير سككِ الحديد، جسور، وأمثلة الهندسة المعماريةِ الحديديةِ الجديدةِ، تَوقّعوا سحرَ فَنِّ حديثِ بالتقنيةِ. وبإبتِكار التقنياتِ الفنيةِ الجديدةِ (تلك، يُطبّقُ طلاءاً في ضرباتِ الفرشاةِ المَكْسُورةِ الصغيرةِ) وبتَشديد ألوانِهم، تَوقّعوا السحرَ الحديثَ بالأصالةِ. بعَرْض نفّذَ الأعمالَ بسرعة كما أنهتْ الصورَ، أجبروا الجمهورَ للإعادة النظر في التخطيطَ، لَمْ يَعُدْ كa تمرين تمهيدي، لكن كنهاية في نفسها، بذلك يَتوقّعُ ميلَ الفنانين الحديثينِ لتَغْيير وتَوسيع تعريفِ الفَنِّ.

 

بي Postimpressionism

 

 

 

غربان في a ويتفيلد تَنْعقُ في a ويتفيلد (1890, Rijksmuseum فينسينت فان كوخ، أمستردام، هولندا) الصورةُ الأخيرةُ بأنّ فنانَ هولنديَ فينسينت فان كوخ خَلقَ قبل إنتحارِه. كثافته العاطفية مَحْمُولةُ خلال السميكينِ، هيّجَ brushstrokes والغربان المشؤومة، الذي رموزَ الموتِ. إف بي جي دولي، ذات المسؤولية المحدودة

 

في العقدان الأخيرة للقرن التاسع عشرِ عدد مِنْ الفنانين الذين كَانوا قَدْ أُلهموا بالأسلوبِ وتقنيةِ الإنطباعيين رَدّا بقوة ضدّ مثالِ الإنطباعي. هؤلاء الفنانين، الذين دُعِوا postimpressionists في النهاية، أَسّسوا عدد مِنْ النظراتِ البديلةِ لصِباغَة، كلّ منها كَانَ أَنْ لَهُ نتائجُ رائعةُ للفَنِّ العشرونِ للقرنِ. بول غوغان، على سبيل المثال، رَفضَ تقنيةَ إنطباعي إنطِباق لمساتِ اللونِ في brushstrokes صغيرة منفصلة لمصلحة إستعمال المناطقِ الكبيرةِ إشتملتْ على a لون وحيد رَبطَ بخطوطِ المناسيب الثقيلةِ. هذا الإبداعِ كَانَ عِنْدَهُ تأثيرُ على Matisse وأعداد كبيرة الفنانين التاليينِ الذي إستعملا اللونَ كأداة معبّرة بدلاً مِنْ كa وسائل لنَسْخ الطبيعةِ. في 1891 غوغان قرّرَ الإِسْتِقْرار على جزيرة المحيط الهادي تاهيتي، مَدفوعة بa رغبة لتَرْك الحضارةِ والعناقِ الغربيِ a شكل أسهل مِنْ الوجودِ. عمله ساهمَ في السحرِ الحديثِ هناك بالفَنِّ غيرِ الغربيِ.

 

تسلسل الزمني الدينامي

يَخْلقُ Cezanne مناظر طبيعية مُجرّدة

 

 

 

الرسّام الهولندي فينسينت فان كوخ، صديق غوغان، إستعملَ كلا اللون وbrushwork لتَرْجَمَة حالته العاطفيةِ إلى الشكلِ البصريِ. بالإضافة، صَبَّ صورَه بالمعاني الدينيةِ أَو المجازيةِ (أسود يَنْعقُ كرموز الموتِ، على سبيل المثال)، يُواجهُ تأكيدَ الإنطباعيين على الملاحظةِ المباشرةِ.

 

 

 

فنان الصيحةَ النرويجيَ إدوارد يَمْضغُ أنتجَ صورَ قويَّةَ وأعمالَ تخطيطيةَ الذي صوّرا الإضطرابَ الداخليَ مِنْ مواضيعِه. إنّ الصيحةَ (1893)، بأشكالِه الملتويةِ، ألوان عَنيفة، وموضوع صارخ، الأكْثَر شَهْرَةُ مِنْ صورِه. أعمال تَمْضغُ المعبّرةُ والحزينةُ أَثّرتْ على تطويرِ التعبيريةِ الألمانيةِ بشكل كبير. مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك /© 2004 متحف Munch / مجموعة Munch Ellingsen / مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك.

 

يَمْضغُ عملُ الرسّامِ النرويجيِ إدوارد كَانَ مستند على الفرضيةِ تلك الصورةِ يُمْكِنُ أَنْ تَضحّي بالحقيقةِ إلى الطبيعةِ للأغراضِ المعبّرةِ. إمضغْ مجموعاتَ قاسيةَ مستعملةَ مِنْ الألوانِ، أشكال مشوّهة، وبالغَ المنظوراتَ لإعْطاء الشكلِ البصريِ إلى عزلِ الفردِ في المجتمعِ الصناعيِ الحديثِ. أعمال غوغان، فان كوخ، ويَمْضغُ وَضعَ الأساسَ للتطويرِ التاليِ للتعبيريةِ في الفَنِّ العشرونِ للقرنِ.

عصر الأحد على جزيرةِ La Grande Jatte عصر الأحد على جزيرةِ La Grande Jatte (1884-1886، معهد فَنِّ شيكاغو، شيكاغو) مِن قِبل الفنانِ الفرنسيِ جورجيس Seurat مثالُ ممتازُ مِنْ التقنيةِ المعروف بطريقةِ pointillism a التي فيها النقاط الصغيرة جداً مِنْ اللونِ تَضِعُ إنتهاءَ سوية لخَلْق a richness وتذبذب غير موجود في تقنياتِ الصورةِ التقليديةِ. جَعلَ Seurat دِراسات صغيرة عديدة في الطلاءِ للإِسْتِعْداد لهذا العملِ الكبيرِ، الذي 2.07 مِن قِبل 3.08 m (6 قدمِ 9.5 في ب10 قدمِ 1.25 في) مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك

 

فنانو postimpressionist الآخرون رَدّوا ضدّ الإنطباعيةِ عَلى نَحوٍ مختلف. الفنان الفرنسي جورجيس Seurat أرادَ رَفْع الفَنِّ إلى مستوى العِلْمِ بدَمْج آخر النظرياتِ حول الضوءِ ويُلوّنُ إلى عملِه. هو قسّمَ لون إلى ناخبيه (أرجوان إلى أزرقِ وأحمرِ، أَو أخضر إلى الأزرقِ والأصفرِ، على سبيل المثال) وطبّقَ هذه الألوانِ إلى نقطةِ جنفاصِه بالنقطةِ. طريقته، مسمّاة pointillism، قُصِدَ إزالة كُلّ الحدس والإندفاع مِنْ نشاطِ الصورةِ.

 

Cezanne عَمِلَ أكثر من أي فنان سابق لزَعْزَعَة سلامةِ الشكلِ.

 

postimpressionist الآخر، بول Cezanne، أرادَ تَقديم تركيبِ أعظمِ إلى الذي رَأى كالممارسة الغير منظّمة للإنطباعيةِ. تَبْدو الأجسامُ صلبةُ وأكثرُ لمساً في صورِه مِنْ تحت الإعداد مِنْ إنطباعيه زملاءِ. لكن على الرغم مِنْ هذه الصلابةِ المتزايدةِ، Cezanne عَمِلَ أكثر من أي فنان سابق لزَعْزَعَة سلامةِ الشكلِ خلال التشويهاتِ الغير ملحوظةِ والأخطاءِ الظَاهِرةِ في العديد مِنْ صورِ صورته الساكتةِ. الأجسام لا تَستندُ بارتياح إلى قواعدَهم، رَأتْ الزهرياتَ مِنْ الجبهةِ لَها الحافاتُ رَأتْ مِنْ فوق، والحافات الأفقية للمناضدِ، عندما تُسلّطُ من أي جانبَ a مفرش مائدة، أحياناً لا تَجاري فوق. هو تقريباً كما لو أنَّ Cezanne كَانَ يُفكّكُ الصلابةَ ذاتهاَ التي قَصدَ إعادة تقديم إلى تصويرِ الأجسامِ.

 

 

Mont Sainte Victoire مِن قِبل فنانِ Cezanne الفرنسي بول Cezanne صَبغَ Mont Sainte Victoire , a جبل قُرْب بيتِه في Provence في جنوب فرنسا، على العديد مِنْ المناسباتِ. بمرور الوقت، الصور التي أنتجَ أصبحتْ غروراً، أقل واقعي، وملخّص أكثر. في هذه النسخةِ المتأخّرةِ، صَبغَ من 1902 إلى 1904، رقع اللونِ تُشيرُ إلى الجبلِ بالكاد، سماء، ومقدمة، بينما تَخْلقُ a نمط إيقاعي عبر سطحِ الصورةَ. الجبل والسماء، كلا بحدّة أزرق، يَظْهرُ تقريباً للدَمْج. Corbis / متحف فيلاديلفيا مِنْ الفَنِّ

 

قدّمَ Cezanne أيضاً a إبداع جذري في الأعمالِ مثل Mont Sainte Victoireه (1902-1904، متحف فيلاديلفيا مِنْ الفَنِّ): تَنفتحُ حافةُ الجبلِ للسَماح لمناطقِ السماءِ لإختِراق الجبلِ الصلبِ عادةً. بهذه الأداةِ البسيطةِ، غيّرَ Cezanne فصل تأريخِ الفنّ بشكل حاسم. أرض وسماءا كيانين طبيعيتينِ يُعتقد بأنه مُتميّزة ومفصولة جُعِلتْ قابلة للتبادل الآن. إنّ العالمَ كما هو يُرى ويُواجهُ، بَدا Cezanne لقَول، لَيسَ مهم كقوانينِ جَعْل صورةِ. بعد مثالِ Cezanne، عالم الحقيقةِ وعالمِ الفَنِّ بَدآ بالإنجِراف على حِدة. التجزؤ بَدأَ بعملِ Cezanne تَزعّمَ تجريبَ بيكاسو التالي بالشكلِ وإختراعِ التكعيبيةِ.

 

الرّابع عقود فَنِّ حديثِ الأولى

 

تَعلّقَ المؤرخونُ الثقافيون بتجزؤِ الشكلِ. . . إلى تجزؤِ المجتمعِ.

 

تَعلّقَ المؤرخونُ الثقافيون بتجزؤِ الشكلِ في الفَنِّ للقرنِ المبكّرِ التاسع عشرِ والعشرونِ متأخراً إلى تجزؤِ المجتمعِ في ذلك الوقت. وسّعتْ التطلّعاتُ التقنيةُ المتزايدةُ للثورةِ الصناعيةِ الشِقّةِ بين المنتصفِ والطبقات العامِلةِ. طَلبتْ النِساءُ الصوتَ والحقوقَ المساويةَ. ووجهة نظر العقلِ قدّمتْ مِن قِبل مؤسسِ التحليل النفسي، سيجموند فرويد، إشترطَ بأنّ الروحَ الإنسانيَ، أبعد ما يكون عن موحّدُ، كَانَ مشحونَ بالنزاعاتِ والتناقضاتِ العاطفيةِ. إكتشاف الأشعة السينيةِ، الفيزياوي ألبرت آينشتاين نظرية النسبيةِ، وإبداع تقنية أخرى إقترحتْ بأنّ تجربتَنا البصريةَ لَنْ تَتراسلَ مع وجهةِ نظر عِلْمِ العالمِ.

 

لا يدعو للأستغراب، عَكستْ أشكالَ مُخْتَلِفةَ مِنْ الإبداعِ الفنيِ هذه التَوَتّراتِ والتَطَوّراتِ. في الأدبِ، جيمس جويس، تي . إس . إليوت، وفرجينيا Woolf جرّبتْ بالتركيبِ القصصيِ، قواعد، النحو، وتهجّئ. في الرقصِ، سيرجي Diaghilev، إيزادورا دنكان، وLoie فولير جرّبَ بفنِ الرقص والبدلةِ الغير مألوفةِ. وفي الموسيقى، أعدَّ آرنولد Schoenberg وإيغور Stravinsky القِطَع التي لَمْ تُعتمدْ على التركيبِ النغمّيِ التقليديِ.

 

الموسيقى لا تَأْخذُ مكانَها فقط بين الأكثر تجريبية مِنْ الفنونِ، لَكنَّه أصبحَ أيضاً a إلهام عظيم للفنانين البصريينِ. العديد مِنْ نقّادِ الفَنِّ في القرونِ العشرونِ الأولى والتاسعة عشرةِ الراحلةِ تُأثّرتْ بالفلاسفةِ الألمانِ آرثر Schopenhauer وفريدريك Nietzsche، التي أعلنتْ بأنّ الموسيقى كَانتْ الأقوى لكُلّ الفنون لأن إستطاعتْ إقتِراح العواطفِ مباشرة، لَيسَ بنَسْخ العالمِ. العديد مِنْ رسامين حركةِ رمزي آخرِ القرن التاسع عشرَ، بضمن ذلك Odilon إعادة سيدِ وغوستاف Moreau، حاولَ مُحَاكاة قوَّةِ موسيقى الإقتراحِ المباشرِ. بتَضْمين أشكالِ الملخّصِ ويُصوّرُ خياليةً، بدلاً مِنْ جديرة بالملاحظةِ، حقيقة في صورِهم، إعادة سيدِ والرمزيين مهّدوا الطريق للفَنِّ المُجرّدِ.

 

أي Fauvism

 

 

 

الغرفة الحمراء (إنسجام في أحمرِ) غرفة حمراء (إنسجام في حمراءِ) صُبِغتْ مِن قِبل الفنانِ الفرنسيِ هنري Matisse في 1908 و1909، نحو نهايةِ فترةِ Fauvistه. إستعمال اللونِ الحادِّ والغير طبيعيِ لَرُبَما تُأثّرَ بعملِ الفنانين مثل غوغان وفان كوخ. في هذه قطعةِ Matisse إختارَ إسْتِعْمال الأشكالِ المستويةِ المُبَسَّطةِ، وهو عدّلَ المنظورَ لإنْجاز a نوعية طفولية. إنّ الصورةَ في مجموعةِ متحفِ صومعةِ الناسك الرسميِ، القدّيس Petersburg، روسيا. مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك /© 2004 تعاقب إتش . Matisse / مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك.

توسّعْ

 

 

صَبغَ فنانُ جسرِ لندن الفرنسي أندريه Derain جسر لندن (متحف الفَنِّ الحديثِ، مدينة نيويورك) في 1906. هو أحد شخصيات رئيسيةِ مجموعةِ الفنانين دَعتْ fauves (فرنسيون ل"وحوش برّية") , a اسم مَا قَبلَ مِن قِبل الرسامين بأنفسهم. خَلقَ Derain تصاميم مثيرة لحد الآن مُبَسَّطةً التي تَستعملُ ألوانَ رائعةَ جداً لحَمْل a إحساس العاطفةِ. مُلهَم بالفَنِّ غيرِ الغربيِ، fauves عُرِفَ لإستعمالِهم مِنْ الألوانِ الواضحةِ المنظوريةِ المشوّهةِ، وbrushwork غير مقيّد. Corbis /© 2004 مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك / Adagp، باريس.

توسّعْ

 

الفكرة ذلك الفَنِّ يُمْكِنُ أَنْ يُقرّبَ موسيقى منعكسةُ في غرفةِ هنري Matisse الحمراء (إنسجام في حمراءِ) (1909، متحف صومعةِ ناسك رسميِ، القدّيس Petersburg، روسيا) , a يَصْبغُ الذي العنوان الثانوي يُستَعارُ مِنْ المصطلحِ الموسيقيِ. مِنْ غوغان، إستعارَ Matisse مناطق كبيرة مِنْ اللونِ الغير مختلفِ، بسّطَ الأشكالَ، وخطوط مناسيب ثقيلة. بساطة أسلوبِ رسم Matisse تَتعلّقُ بسحرِ غوغان بفَنِّ الثقافاتِ غيرِ الغربيةِ. إستخدمَ Matisse التصاميم المُجرّدة أيضاً مِنْ السجادِ والمنسوجاتِ، يُعزّزُ flatness للصورةِ بدلاً مِنْ المُحَاوَلَة خَلْق وهمِ العمقِ. إهتمامه في هذه التصاميمِ تَعْرضُ تأثيرَ أشكالِ الإبداعِ لا يَرتبطُ بالفنون الجميلةِ في أغلب الأحيان.

 

تسلسل الزمني الدينامي

يَصْبغُ هنري Matisse غرفةً حمراءاً (إنسجام في أحمرِ)

 

 

 

بالرغم من أن الغرفةِ الحمراءِ نُوِيتْ بينما a يَسرُّ صورةَ حياة الطبقة المتوسطةِ العائليةِ، إسلوب Matisse للتصويرِ إعتبرَ ثوري جداً، خصوصاً في الطريقِ خصّصَ ألوانَ حادّةَ إلى الأجسامِ بشكل إعتباطي ولَيستْ طبقاً لظهورِهم في الطبيعةِ. أي روّعَ ناقدَ مُعاصرَ أعلنَ Matisse وزميل فنانيه أندريه Derain، موريس دي Vlaminck، وجورجيس Braque (فرنسا)، وشاحنة Kees Dongen (هولندا) لِكي يَكُونَ fauves (فرنسيون ل"وحوش برّية"). أصبحَ هذا التعبيرِ الإنتقاصيِ اسمِ حركتِهم. دامَ Fauvism وحيداً مِنْ حوالي 1898 إلى 1908، لَكنَّه كَانَ عِنْدَهُ تأثيرُ دائميُ على الفَنِّ العشرونِ للقرنِ.

 

بي تكعيبية

 

 

 

ليز Demoiselles d'Avignon اصول التكعيبيةِ تُؤرّخُ إلى فنانِ الإسبانيِ بابلو بيكاسو ليز Demoiselles d'Avignon (متحف الفَنِّ الحديثِ، مدينة نيويورك)، طبقاً للعديد مِنْ مؤرخي الفَنِّ. تُصوّرُ صورةُ 1907 خمس نِساءِ في a مبغى. حرّفَ الفنانُ عِلْمَ تشريح النِساءَ والميزّاتَ الوجهيةَ إلى الطائراتِ المَكْسُورةِ. أقنعة مِنْ أفريقيا ومنطقة أقيانوسية لَرُبَما أَثّرا على بيكاسو في معالجتِه مِنْ وجوهِ النساءَ. SuperStock /© 2004 عقار بابلو بيكاسو / مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك.

توسّعْ

 

 

جوان جريس: فطور فنانِ إستعمالِ فرنسيِ إسبانيِ المولدِ جوان جريس الإبداعي للفن التصويري في العقودِ الأولى مِنْ القرنِ العشرونِ أَثّرتْ على تطويرِ التكعيبيةِ الصناعيةِ، التي تَضمّنتْ بِناء الصورِ والرسومِ مِنْ الأشكالِ قَطعتَا مِنْ الورقةِ. الفطور في مجموعةِ مواطنِ Musee d'Art Moderne، باريس، فرنسا. مصدر فَنِّ، نيويورك /© 2004 مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك / Adagp، باريس. الصورة: Giraudon

توسّعْ

 

بابلو بيكاسو , a صديق ومنافس Matisse، إخترعَ أيضاً a أسلوب جديد مِنْ الصورةِ، يُركّزُ بشكل رئيسي على الخَطِّ بدلاً مِنْ التَلوين. تَغيّرَ فَنُّ بيكاسو بشكل جذري حول 1907، عندما قرّرَ دَمْج البعضِ stylistic عناصر النحتِ الأفريقيِ إلى صورِه. على خلاف صورةِ Matisse اللطيفة a داخل طبقة متوسطةِ، ليز Demoiselles D'Avignon بيكاسو (1907، متحف الفَنِّ الحديثِ، مدينة نيويورك) يَعمَلُ عنفاً إلى الشكلِ الإنسانيِ بواسطة التبسيطِ الجذريِ، مجموعات لونِ إعتباطيةِ وقاسيةِ، وتشويهات متطرّفة مِنْ عِلْمِ التشريح والأبعادِ الإنسانيةِ. فضاء الصورةَ، علاوة على ذلك، لا يَتوافقُ إلى منطقِ المنظورِ، النظام التقليدي لتَصوير العمقِ في a صورة، ومُمَزَّق جداً بِحيث صعبُ للقِراءة بشكل واضح.

 

تسلسل الزمني الدينامي

يُحوّلُ بيكاسو فَنّ حديث

 

 

 

العنف متأصّل في Demoiselles بيكاسو، على أية حال، فَسحَ المجال مِن قِبل حوالي 1912 إلى صورِه الأكثرِ تأمّلاً، مثل Ma جولي (1912، متحف الفَنِّ الحديثِ، مدينة نيويورك). في هذا وغيره من أمثلةِ التكعيبيةِ التحليليةِ، الموضوع، عادة a صورة أَو صورة ساكتة، مُمَزَّقُ إلى a سلسلة تَقَاطُع وإختِراق الطائراتِ الهندسيةِ. تأثير Cezanne يُمْكِنُ أَنْ يُحسََّ في هذا التجزؤِ، كما يُمْكِنُ أَنْ بيكاسو يَحبُّ مِنْ الغموضِ ودَمْج النظراءِ. الصلب والباطل، رقم وبيئة وخلفية ومقدمة يَخترقانِ تحدياً لكلا منطق الصورةِ التقليديةِ ومنطقِ التجربةِ اليوميةِ. Ma جولي مَصْبُوغةُ في النغماتِ الصامتةِ رماديةِ وسمراءِ؛ هذه القلةِ مِنْ اللونِ أيضاً خاصيةُ التكعيبيةِ التحليليةِ، كما إندماجُ ترقين. الكلمات إم أي جولي (فرنسيون ل"ي الواحد الجميلون") يَظْهرُ في أسفل الصورةِ، بالإشارة إلى a أغنية شعبية مِنْ الوقتِ ويُعزّزُ الوصلةَ بين الفَنِّ الحديثِ والثقافة الشعبيةِ.

 

إنّ الموضوعَ …  مُمَزَّقُ إلى a سلسلة تَقَاطُع وإختِراق الطائراتِ الهندسيةِ.

 

هذه الصلاتِ كَانتْ أخرى عزّزتْ في صورة بيكاسو الساكتةِ بالكرسي تَضْربُ بالخيزرانتها (1912, Musee بيكاسو، باريس)، التي الفنان ثَبّتَ a قطعة المشمّعِ طَبعتْ بالنمطِ المحاكِ للضَرْب بالخيزرانة. هذه كَانتْ بين المرحلة الأولى مِنْ فن تصويري , a إنتهاك تقنياتِ الصورةِ التقليديةِ بإدراجِ المادّةِ الأجنبيةِ. بعد تجاربِ رسام تعكيبي بيكاسو وزميله الفرنسي جورجيس Braque، لا مادّةَ أبداً سَتُعتَبرُ أجنبية إلى الفَنِّ، يَفْتحُ البابَ للفَنِّ لإعادة تعريف نفسه مراراً وتكراراً كما القرن تَقدّمَ.

 

 

 

جورجيس Braque: صَبغَ فنانُ Guitare et verre الفرنسي جورجيس Braque Guitare et verre (قيثارة وزجاج، 1921) في أسلوبِ الرسام التعكيبي الصناعيِ. Braque عَملَ بالإرتباط مع الفنانَ الإسبانيَ بابلو بيكاسو لتَطوير حركةِ الفَنِّ العشرونِ للقرنِ المعروفة بتكعيبيةِ. صورة رسام تعكيبي كَانَ عِنْدَها مرحلتان، مسمّاة التحليليتينِ والصناعيتينِ. إنّ التكعيبيةَ التحليليةَ الأولى، مُمَيَّزُ بإستعمالِ المخططاتِ وشقّةِ اللونِ الأحادية اللونِ، مزّقَ الأشكالَ. بالتكعيبيةِ الصناعيةِ ولونِ وزينةِ لَعبا a دور أعظم، وتقنية الفن التصويري قُدّمتْ. مصدر فَنِّ، نيويورك /© 2004 مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك / Adagp، باريس. Scala

 

تكعيبية بيكاسو أثبتتْ مؤثرةَ جداً. الفنانون الفرنسيون الذين جرّبوا مَع تَضمّنَ ألبرت Gleizes، جين Metzinger، روبرت Delaunay، Fernand Leger، وجوان جريس. إستعمالهم مِنْ الأسلوبِ لتَمجيد علاقةِ الحياةِ الحديثةِ إلى التقنيةِ تُميّزُ عملَهم مِنْ بيكاسو وBraque. Leger، على سبيل المثال، أشكال مُبَسَّطة في المدينةِ (1919، متحف فيلاديلفيا مِنْ الفَنِّ، بينسلفانيا) إلى المناطقِ المستويةِ مِنْ اللونِ أَو إقتراحاتِ المكعّباتِ أَو الإسطواناتِ الثلاثية الأبعادِ. في هذا العملِ، أنتجتْ نسخةَ بيكاسو الملتوية والشخصية للتكعيبيةِ إلى ميكانيكيةِ Leger الأكثر وواحد غير شخصية. التغيير يَعْكسُ a معتقد سياسي مُعاصر بأنّ الشخصيةَ الفرديةَ يَجِبُ أَنْ تُلحَقَ إلى طلباتِ المجتمعِ ككل. إنّ المدينةَ رؤيةُ Leger جاليةِ مثاليةِ، أَو يوطوبيا: إندماج الإنسانيةِ بالماكنةِ.

 

سي مستقبلية

 

 

 

 

 

الإنحِدار العاري a سلم، عدد إنحِدار عاريِ a سلم، عدد إثنان (1912)، مِن قِبل الفرنسيي Dadaist مارسيل Duchamp، a تأليف مِنْ أسلوبي فَنِّ حديثينِ: التكعيبية والمستقبلية. في خَلْق هذه الصورةِ، Duchamp لَرُبَما تُأثّرَ بمصورِ الفرنسيِ Eadweard Muybridge تجارب بالحركةِ. تُشوّفُ القطعةُ إهتمامَ Duchamp أيضاً في المكائنِ. مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك /© 2004 مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك / Adagp، باريس / عقار مارسيل Duchamp

توسّعْ

 

 

نحت مستقبلي في التمثالِ البرونزيِ الفريدةِ للإستمراريةِ في مستقبلي الفضاءِ الإيطاليِ أومبيرتو Boccioni حاولَ تَشويف هكذا a جسم إنساني تَفاعلَ ببيئتِه كما تَحرّكَ. هذا النحتِ في معرض التيتِ في لندن، إنجلترا. مصدر فَنِّ، نيويورك / معرض التيت

توسّعْ

 

المستقبليون , a مجموعة الفنانين الإيطاليينِ تَعْملُ بين 1909 و1916، إشتركَ في حماسِ Leger للتقنيةِ، لكن دَفعَه حتى أبعد. بينما اسمهم يَقترحُ، إعتنقَ المستقبليين كُلّ تلك التقنيةِ والمكننةِ الجديدةِ المُمَجَّدةِ وإنتقصتْ مِنْ أيّ شئِ التي كان لا بُدَّ أنْ تَعمَلُ بالتقليدِ. أعلنوا a يُسرعُ السيارةَ لِكي تَكُونَ أجملَ مِنْ تمثالِ لغة يُونانِيَّة قدِيمَةِ.

 

الإنسان المثالي الجديد …  سَيَكُونُ ماكنةً أكثراً مِنْ الرجلِ: الغير شخصي النشيط القوي، عَنيف حتى.

 

في دَمْج تجزؤِ بيكاسو للشكلِ بتقنيةِ صورةِ Seurat's pointillist، دينامية a لاعب كرةِ قدم (1913، متحف الفَنِّ الحديثِ، مدينة نيويورك) مِن قِبل أومبيرتو Boccioni مثاليةُ مِنْ المستقبليةِ. لكن الميزّةَ الأكثر ملاحظة لBoccioni العديد مِنْ لاعبِ كرةِ قدم ذو أرجلِ تصويرُه مِنْ الحركةِ. لإنْجاز هذا الإحساسِ مِنْ الحركةِ، المستقبليون سَحبوا على الصورِ المتسلسلةِ مِنْ حركةِ السكان مِن قِبل المصورِ Eadweard Muybridge وعالم إتيَن جولز Marey. "أي يُركّضُ حصاناً، "المستقبليون أعلنوا، "لَيْسَ لهُ أربعة سيقانِ لكن عشرون." مثل Leger، إعتقدَ المستقبليين بأنّ a مجتمع جديد يُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى فقط إذا ضَحّى مواطنونُ بفرديتِهم لمصلحة المجموعةِ الأكبرِ. الإنسان المثالي الجديد إقترحَ في صورةِ Boccioni سَيَكُونُ ماكنةً أكثراً مِنْ الرجلِ: الغير شخصي النشيط القوي، عَنيف حتى. مستقبلي الرسامين الآخرينِ جياكومو Balla، كارلو Carra، وجينو Severini.

 

دي تعبيرية ألمانية

 

 

 

 

الصورة الساكتة، زنبق مِن قِبل أميل Nolde أميل Nolde كَانَ عضو Die Brucke , a مجموعة تعبيري الرسامين الألمانِ. هو معروفُ لألوانِه الرائعةِ في الرسوم الزيتية وفي watercolors مثل هذا. الصورة الساكتة، زنبق، صَبغَ حول 1930، في مجموعةِ متحفِ كارولاينا الشّمالية مِنْ الفَنِّ في رَيلاي. Corbis / أميل Nolde / متحف كارولاينا الشّمالية مِنْ الفَنِّ

توسّعْ

 

 

مشهد شارعِ برلين برلين مشهد شارعِ (1913)، مِن قِبل تعبيري الرسّامِ الألمانيِ إيرنست لودفيج Kirchner، كَانَ أحد a سلسلة مشاهدِ الشارعِ عَملتْ مِن قِبل الفنانِ بين 1912 1913. صور Kirchner، بألوانِهم الواضحةِ ومحتوهم العاطفيِ، وَازى فَنَّ fauvists. brushwork المُتميّز وسطّحَ فضاءاً يَتذكّرُ عملَ Cezanne. تَقِيسُ هذه الصورةِ 200 ب150 سنتيمترِ (78.75 ب59 في) مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك

توسّعْ

 

بينما عناق الجديدةِ والتقنيةِ كَانتْ علامةَ حركةِ المستقبلي الإيطاليةِ , a مجموعة الفنانين في ألمانيا دَعتْ Die Brucke (الجسر) إحتفلتْ بلَيستْ تقنيةً لكن الغريزةَ الإنسانيةَ. مُتْ Brucke، أَسّسَ في دريزدين في 1905، تَضمّنَ الفنانين الألمانَ إيرنست لودفيج Kirchner، إريك Heckel، أميل Nolde، ماكس Pechstein، وكارل شميت Rottluff. رَأى هؤلاء الفنانين المدينةَ الحديثةَ كa مكان العزلِ.

إرتجال 28 (نسخة ثانية) إرتجال 28 (نسخة ثانية) صُبِغَ مِن قِبل الفنانِ الروسيِ Wassily Kandinsky في 1912. إستعملَ Kandinsky لون وشكل نشيط لإبْداء المحتوى الروحيِ مِنْ عملِه. هو كَانَ أيضاً a موسيقار ومنشار a إتّصال بين الفنونِ والموسيقى البصريةِ، الذي حاولَ الحَمْل في الصورِ مثل هذه. مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك /© 2004 مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك / Adagp، باريس.

 

في مثل هذه الأعمالِ كمشهد شارعِ برلين (1913, Staatsgalerie، شتوتغارد، ألمانيا)، أَكّدَ Kirchner إصطناعية حياةِ المدينةِ وناسِ الطريقَ يَفْقدانِ هويتَهم في a حشد. حرّفتْ هياكَله البَشَرِيّةُ الأبعادَ وعمّمتْ ميزّاتَ وجهيةَ. صعّدَ Kirchner إحساس القلقِ بإشتِباك تراصفِ اللونِ والأشكالِ الزاويةِ، المُلهَم الأخير بالنحتِ الأفريقيِ والنقوش الخشبية الألمانيةِ. ناشدتْ تلك الأشكالِ الفنيةِ التعبيريين لَيسوا فقط لتبسيطِهم مِنْ عِلْمِ التشريح الإنسانيِ لكن أيضاً لroughnessهم، الذي كَشفوا آثارَ يَدِّ الفنانَ وصعوبةَ عَمَل في الخشبِ. بعد مثالِ غوغان، مثّلَ التعبيريين الجسمَ الإنسانيَ كثيراً في وسطِ الطبيعةِ، خلّصَ من الرموزِ الأخلاقيةِ الصارمةِ من المفترض مِنْ مجتمعِ الطبقة المتوسطةِ.

 

Kandinsky …  إعتقدَ بأنّ الألوانِ يُمْكِنُ أَنْ تَستدعى عواطفَ مختلفةَ في الطريقِ الذي أنغامِ مختلفةِ تَعمَلُ.

 

في 1911 a مجموعة تعبيري ثانيةِ أُسّستْ في ألمانيا، هذا الوقتِ في ميونخ، مسمّى دير Blaue Reiter (الراكب الأزرق). تَضمّنتْ هذه المجموعةِ الروس Wassily Kandinsky وأليكسي فون Jawlensky؛ الألمان فرانز مارك، أغسطس/آب Macke، وغابريل Munter؛ والسويسريو بول Klee. مثل أعضاء Die Brucke، قدّرَ فنانين دير Blaue Reiter فَنّ غير غربي بالإضافة إلى رسومِ الأطفالِ، فَنّ شعبي، وحرف. لكن أعضاء دير Blaue Reiter كَانوا أكثر إهتماماً بالجانبِ الروحيِ للإنسانيةِ مِنْ جانبِه الفطريِ. Kandinsky كَتبَ a إطروحة، يَتعلّقُ بالروحيينِ في الفَنِّ (1912)، الذي فيه هو رَبطَ بين فَنّ تمثيلي والماديةِ والفَنِّ المُجرّدِ بالروحانيةِ. كما كَانَ عِنْدَهُ رسامو رمزي آخرِ القرن التاسع عشرَ، سَحبَ Kandinsky المتوازيات بين لوحة والموسيقى، وإعتقدتْ بأنّ الألوانِ يُمْكِنُ أَنْ تَستدعى عواطفَ مختلفةَ بالطّريقة نفسها كأنغام وأصوات مختلفة يَعملانِ. في أعمالِ Kandinsky المُجرّدة، مثل الإرتجالِ 28 (1912، سليمان آر . متحف Guggenheim، مدينة نيويورك)، مخططات الأشكالِ تَبْقى ناقصةَ، كما لو أنَّ مفتوحة، وتُخطّطُ وتُلوّنُ وظيفةً بشكل مستقل أحدهما الآخر. بالرغم من أن بعض العلماء وجهةِ نظر هذه الأعمالِ كالأمثلة الأولى للفَنِّ المُجرّدِ، إكتشفَ الآخرين بأنّ العديد مِنْ تخطيطاتِ Kandinsky العاصفة التمهيدية تُشيرُ إلى مشاهدِ الطوفانِ، يوم القيامة، وأحداث توراتية أخرى. يَقترحُ هذا الإكتشافِ بأنّ الروحانيةَ Kandinsky قَبلَ لتَجريد الفَنِّ ما كَانَ فقط a فكرة عامّة، لكن a سمة حاسمة مِنْ مادةِ بحثه.

 

إي روسي Suprematism وConstructivism

 

 

Suprematism يُحاولُ تَحويل فَنّ إلى جوهرِه الأصفى، أزالَ الفنانَ الروسيَ Kasimir Malevich كُلّ خارج الإشاراتِ مِنْ صورِه، يَخْلقُ أعمالَ غيرَ هدفَ تماماً. تجريده الجذري، المعروف بsuprematism، أَثّرَ على تطويرِ الفَنِّ كثيراً في القرنِ العشرونِ. شوّفتْ الصورةُ هنا، أيضاً مسمّاة Suprematism، أُكملَ حول 1916 وفي مجموعةِ متحفِ الفنون الجميلةِ في Krasnodar، روسيا. مصدر فَنِّ، نيويورك / إريك Lessing

 

مجموعتان روسيتان وَصلتَا إلى التجريدِ أيضاً في القرنِ العشرونِ المبكّرِ. حول 1913، الرسامو Kasimir Malevich وأل Lissitzky بَدآ a حركة دَعتْ suprematism، ونحّاتو فلاديمير Tatlin وأليكساندر Rodchenko أَسّسا a حركة المعروفة بconstructivism.

 

مثّلَ المربعُ إحساساً؛ الحقل أَو الخلفية، عدم.

 

suprematists، مثل Kandinsky، إعتقدَ بأنّ التجريدِ يُمْكِنُ أَنْ يَحْملَ a تضمين ديني. في 1915 Malevich صَبغَ a مربع أسود على a خلفية بيضاء وعَرضَه في زاويةِ a غرفة الذي الموقع التقليدي لa أيقونة روسية (صورة دينية). طبقاً لMalevich، التعبير suprematism قُصِدَ إسْتِدْعاء "سيادة الشعور الصافيِ." مثّلَ المربعُ إحساساً؛ الحقل أَو الخلفية، عدم. الذي Malevich أرادَ تَصوير كَانَ الجوهرَ الصافيَ للإحساسِ بنفسه، لَيسَ a إحساس أوصلَ إلى a تجربة معيّنة مثل الجوعِ، حزن، أَو سعادة.

 

 

شكّلْ للعمودِ هذه القطعةِ مِنْ النحتِ مِن قِبل النحّاتِ الأمريكيِ الروسيِ Naum Gabo a نموذج لa قطعة أكبر أكملَ في 1923 مسمّى العمودِ. النموذج، مثل القطعةِ التاليةِ، يُصْنَعُ من الزجاج، بلاستيك، ومعدن. العمود , a قطعة تمثيلية مِنْ نحتِ constructivist، مُجرّدُ وهندسيةُ ومَخْلُوقةُ بطرقِ التصميم الصناعي. إنّ النموذجَ جزءُ مجموعةِ معرض التيتِ، لندن. مصدر فَنِّ، نيويورك / معرض التيت، لندن

 

أرادَ constructivists فَنّاً الذي سَيَكُونُ مُجرّدَ، مفهوم بسهولة رغم ذلك. نحتهم إحتفلَ بالملكياتِ الماديةِ للأجسامِ، مثل القوامِ والشكلِ. تَأثّرتْ بتقنياتِ بيكاسو للفن التصويري والبناءِ، خَلقَ Tatlin نحتاً بدون إستعمال الأساليب التقليدية مِنْ قَطْع أَو العرض. بينما يَقْطعُ يَتطلّبُ إزالة الموادِ لكَشْف a نَحتَ شكلاً، بناء عمليةُ مضافِ التي فيها يَدْمجُ الفنانَ موادَ عاديةَ مثل المعدنِ والخشبِ لبِناء a نحت. على خلاف بيكاسو، Tatlin مَا صَبغَ أَو عدّلَ موادَه، يُفضّلُ بدلاً مِن ذلك أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ سطوحُهم الغير متأثّرةُ تَنْقلُ طبيعتَهم الحقيقيةَ. في إقتراحِه لa نُصب إلى الدوليِ الثالثِ (1919-1920، نموذج خشبي في المتاحفِ الرسميةِ الروسيةِ، القدّيس Petersburg)، Tatlin صمّمَ a تركيب معدني ضخم الذي يَحتفلُ بمؤسسةِ الولايةِ السوفيتيةِ الجديدةِ. نَوى بأنّه لِكي يَكُونَ أطولَ مِنْ برج أيفلِ في باريس وأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عناصرُ دائرةُ داخليةُ التي تُسكنُ مكاتبَ حكوميةَ، البعض يَدُورونَ مرة كل يوم، البعض مرة كل شهر، البعض مرة كل سَنَة. هذا النُصبِ الغير عمليِ جداً ما كَانَ أبداً بَنى، لَكنَّه يُثبتُ عِدّة ميول الفَنِّ الحديثِ: ميله لإبْداء نماذجِ طوباويةِ، للتَجْريب بالموادِ والتقنياتِ الجديدةِ، ولتَشويه الحدودِ بين الفنون الجميلةِ والهندسة.

 

إف دي Stijl

 

 

 

تركيب بأحمرِ، أصفر، وتركيب أزرق بأحمرِ، أصفر، وأزرق (1937-1942) مِن قِبل الرسّامِ الهولنديِ Piet Mondrian خاصيةُ عملِ الفنانَ التاليَ، لأَيّ هو مشهورُ. Mondrian بَنى على أفكارِ التكعيبيةِ لخَلْق a أسلوب جديد دَعا neoplasticism. خَلقَ a سلسلة الصورِ المماثلةِ تقريباً مستندة على a نظرية الإنسجامِ العالميِ. مكتبة فَنِّ Bridgeman، لندن / نيويورك /© 2004 Mondrian / ثقة Holtzman c /o Beeldrecht / مجتمع حقوقِ فنانين (أي آر إس)، نيويورك

 

في رسامي 1917 الهولنديون Piet Mondrian وشاحنة ثيو Doesburg أَسّسَ مجموعةَ فنيةَ المعروفة بدي Stijl (الأسلوب). تَضمّنَ الأعضاء الآخرونُ رسّامُ بارت فان دير Leck، النحّات جورجيس شاحنة Tongerloo، ومُصمّم Gerrit Rietveld. مثل suprematists وconstructivists، العديد مِنْ فنانين دي Stijl تُعهّدوا بفكرةِ الفَنِّ المُجرّدِ وإلى وجهةِ النظر التي كَانَ عِنْدَها a غرض ما بعد زينةِ مجرّدِ. الفَنّ، شَعروا، يُمْكِنُ أَنْ يُغيّرَ طبيعةَ المجتمعِ ويَخْلقُ a نوع جديد مِنْ البيئة البشريةِ. تركيب Mondrian بأحمرِ، أصفر، وأزرق (1937-1942، معرض التيت، لندن) يَكْشفُ ميلَ دي Stijl لتَحويل صورة إلى أكثر عناصرِه الضروريةِ. الخطوط السوداء الأفقية والعمودية تُقسّمُ الجنفاص الأبيض إلى المستطيلاتِ، البعض مِنْ الذي يَصْبغُ حمراء، أصفر، أَو أزرق. يَكْشفُ سطحُ الصورةِ لا شيءَ مندفعَ أَو حدسيَ؛ كُلّ شيء يَبْدو (لكن ما كَانَ دائماً) مخطّط مسبقاً في عقلِ الفنانِ. نَيّة عملهم لظُهُور غير شخصيِ وmachinelike، ردّدَ فناني دي Stijl الرسام التعكيبي والمستقبليون في أملِهم الذي a مجتمع جديد يُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى برَفْض الفرديةِ ويَعتنقونَ a جَماعية سَ.

 

رَأى Mondrian gri لا مُتماثل

 

 

أنا مزخرف أعمى، ولأاني كذلك أستطيع أن أصمم أجمل زخارف الكون حيث الجمال الصافي الذي خلقه الله نقياً، هكذا وبدون أن أشك ولو للحظة أن عيناي ستقع على أي من قذارات هذا العالم الذي لوثه الانسان.

أعتقد أن الفن الاسلامي هو بحث مباشر عن الله وهو رؤية صافية ومتسامية للحياة كما يريدها الله تماماً.

يضرب أحد فلاسفة الفن الاسلامي هذا المثال في مجال التقليل من أهمية الرسم على الطريقة الغربية فيقول: ينظر الرسام الافرنجي الى الحصان فيحاول رسمه ولانه لا يمكن له النظر في الورقة والحصان في ذات الوقت فانه ينقل ينظره من الحصان الى الورقة ويبداء بالرسم، وهذا كفيل بأن يجعل الرسم كاذباً، فالرسم ليس للحصان بل لذكرى الحصان التي تنطبع في بال الرسام.

يجد الرسام المسلم اشد الحرج عندما يراد منه تطبيق المنظور في رسوماته، فكسف نطلب منه رسم كلب أكبر من المسجد بحجة ان الكلب أقرب من المسجد، نحن نبرر هذا بالحفاظ على النسب الواقعية للاشياء، ولكن اليس في هذا تشويه للنسب الروحية للأشياء، أن ننظر للعالم من وجهة نظر انسان عادي؟ اذا لماذا نرسم؟ الكي نشوه القيم؟ عندما ننظر نحن نبصر الكلب اقرب لكننا ندرك أن الجامع أكبر وأقدس وحتى أعلى، اذا علينا أن نرسم على وفق ما نرى بعيوننا وعقولنا وأرواحنا مجتمعين لا بعيوننا فقط كأي دابة تبصر ولا تميز.

اذا على الرسام أن يرسم من وحي ضميره لا من واقع ما ترى عيناه، عليه أن يرسم ما يؤمن به لا ما يراه، لأن الشيطان يتسلل الى العين فيوهمها لكنه يبقى مخذولاً على باب الروح فلا يلج اليها أبداً فهي سر اتصال الانسان بالحقيقة وهي روح الله وهو الذي يقول ولقد نفخت فيه من روحي.

يهتم الفن الغربي بالمنظور والتكوين على حد سواء لتحقيق قاعدة القراءة البصرية للوحة، فالتكوين مثلاً هو ما يضمن اصطفاف الاشكال بحيث يمكن مسحها بصرياً بما يوافق أهمية الاشكال وبالتالي يتحقق الجمال من تنظيم الصور والاشكال والألوان في تنضيد شكلي مهندس، بينما يركز فنانو الشرق على تقديم مصفوفة معاني تتدفق بتسلسل يضمن الانسيابية والفهم، ولا يلقون بالاً للعمق البصري بقدر تركيزهم على العمق مفاهيمي الذي تنقله الاشكال و الالوان فالعمق يسببه المعنى وليس المنظر، ومن هنا يأتي الفرق في نوع المهرات التي يحتاج كل فن لها، فقد لا يبدو أن للرسام المسلم اي مهارة في التكوين أو المنظور أو القدرة على التجسيم وذلك ببساطه لأن لا يقيم لهذه المهارات وزناً بل ويزدريها، في حين يعمل على قلب المنظور وتفكيك التكوين وتسطيح الاشكال مما يلا يدع مجالاً للعين أن تُخدع بأي حيلة لونية أو ظلية تمهيداً لاطلاق الادراك في عوالم تنتظم لديه موصلة الى الحكمة من وراء العمل الفني.

لذا شاعت التقنيات في انتاج فنون المسلمين في عصر نهضتهم (700- 1400)  ولم تًحتكر كما في عصر نهضة أوربا (1453- 1600)، فنرى الفنون الاسلامية قد مزجت بروح من التسامح والبذل اساليب المغول والصينين والهنود والعرب والفرس والاتراك، واشتهر الحبر العربي والورق الصيني والفخار المغولي والنقش الفارسي والهندسة الهندية وفنون التذهيب والالوان التركية لتنتج أنواعاً من الخط والزخرفة والعمارة والأواني والسجاد والازياء والكتب والمخطوطات والريازة والآلات الموسيقية وتصاميم الأثاث مما لا يح أن نطلق عليه الا تسمية الفنون الاسلامية لا من باب ربطها بديانة الاسلام بل بالشعوب التي انتشرت بينها فلسفة الاسلام وتحريراً لها من القسر القومي أو العرقي.