POLICY

عزيزي الغاليأكتب لك ما يجول في رأسي من تصورات للمشهد السياسي المصري، والصفات العامة للحال كما أتوقعها أو كما تشير الحتمية التاريخية، وأعتقد أني قد تأثرت كثيراً بكل ما أخبرتني عنه في رسالتك السابقة الشديدة الدقة والوضح، وأرى أن العملية السياسية ستسير للأعوام العشرة القادمة في مصر كالآتي:سنوات من الديكتاتورية والظلامية لا يمكن أن ينتج عنها إي نوع من أنواع الثقة أو التفاف الشعبي حول أي منهج سياسي أو اي جهة أو أي شخصية، الكل مطروح وله عدد من المؤيدين والأتباع وهو يسعى لتغذية المصالح الشخصية لهؤلاء الأتباع ليضمن بقاء بعض الناس من حوله، حيث أن أغلبية الشعب متشككة بالجميع وغير متقبلة للتغيير وتتهرب من تحمل المسؤولية، وهي لا تجيد أصلاً وضع معايير للتقييم والانتقاء.البرادعي، أيمن نور، بدوي، طلعت السادات، التجمع، الوفد، ساويرس، الإخوان، بقايا نظام مبارك، شباب من هنا وهناك (25 يناير)، أقباط، عمر حمزاوي، أحمد زويل، وغيرهم كثيرون ظهروا وسيظهرون من كل فج وحدب، سيحاولون تنظيم احزاب ومنظمات وكتل سياسية تتصف جميعها بصفات مشتركة ولها خصائص معينة متطابقة تزيد من حيرة الشعب ازاء هذه الجهات مما يمنع الشعب من منح الثقة لأي منهم على نحو كامل وأهم هذه الصفات المشتركة ما يلي:1- الشعور أنهم يحتكرون الشرعية التاريخية لحكم البلاد.2- قاعدة شعبية تراوح بين 1-7 بالمائة من عدد الناخبين.3- تشوش في الرؤية الداخلية.4- غموض مصادر التمويل.5- البحث المحموم عن شريك وراعي خارجي (السعودية، ايران، الولايات المتحدة، أوربا، الإمارات، الخ).6- عدم النضوج السياسي أي أن إي منهم سوف لن ينجح بأن تكون له مؤلفات أو نظرية سياسية أو اجتماعية أو أدبيات مكتوبة يقرأها الناس فيفهموا ماذا يريد.7- كل تجمع أو حزب سيعتمد على شخص واحد ضمن مبدأ البطولة المطلقة ولن يكون حوله إلا شخصيات هامشية جداً.8- الانفصال عن الشارع لشعور خفي برفض الشارع لهم من جهة ومن جهة أخرى لافتقارهم للإجابات التي سيطرحها الشارع عليهم.9- فقدان القدرة على التنسيق والعمل المشترك، وفقدان القدرة حتى على التحاور مع الآخر مهما بدا متشابهاً أو قريباً.10- سيمتلكون جميعاً وسائل إعلام ضعيفة وغير محترفة وستعتمد على الفبركة وتشويه الحقائق ونشر الفضائح للآخرين والتشهير وخلق الأزمات السياسية والمجتمعية.11- بالنظر لأنهم سيتفقون جميعاً على تقسيم البلاد والمدن والأقاليم والمحافظات وربما حتى القرى إلى مناطق نفوذ فهذا سوف يستدعي أن يكون لأكثر من نصف هذه الأحزاب والحركات السياسية أذرع مسلحة (مليشيات) لحماية مناطق النفوذ والدفاع عنها وتوسيعها في حال توفر الفرصة. بالتأكيد هناك أطراف ستسعى لتعزيز هذا الواقع وتعمل على تأكيد ملامح هذه الصورة وأهما:1- الإعلام العربي (عبر التحقيقات الإعلامية التي ستركز على الأخطاء والمساوئ وعبر البرامج والحوارات غير المناسبة بين الزعماء والقادة وأطراف النزاع)2- بعض الأنظمة العربية (عبر البعثات السياسية والزيارات المتواصلة للقادة السياسيين لتلك الدول بشكل علني وسري ولأسباب غير واضحة)3- المنظمات السياسية الأمريكية (عبر منح مالية ضخمة وبرامج تنمية الديمقراطية)4- بقايا النظام السابق (عبر تواجدهم في مؤسسات الدولة التي ستشهد تخريباً من الداخل)5- كل من لديه شعور ديني متشدد أو شعور طائفي أو عصبية عرقية (عبر تكريس الدعوات لتصفية الحساب والمحاسبة والانتقام وإحقاق الحق وحكم الأغلبية).برأي هناك بعض (المصدات) التي ستحول دون بقاء وترسخ هذه الصورة، وستعمل هذه المصدات على التقليل من الآثار السلبية للواقع السياسي الجديد على المجتمع وعلى احتمالات إعادة بناء الدولة على نحو ديمقراطي، ومن أهم هذه المصدات:1- النخب الثقافية المصرية (في مختلف ميدان الفن والإعلام والبحث العلمي والأدب والقانون والتاريخ والعلوم والجامعات وغيرها).2- الاعلام المصري الوطني.3- المنظمات المحلية المستقلة (منظمات المجتمع المدني).4- المنظمات الدولية (البرامج الدولية للتعايش وحقوق الانسان وحرية التعبير وتشجيع المشاريع المستقلة).5- رجال الدين وزعماء الطوائف من المعتدلين. أخيراً فان من سينقذ البلاد الحاجة الوطنية لوجود تنمية اقتصادية شاملة تستدعي تجميع كل الجهود الايجابية وفرض قوانين تقلل من فرص التطاحن السياسي مما سيسمح للبلاد أن تنفتح على آفاق اقتصادية واستثمارية لم تشهد المنطقة لها مثيل مما سيطرح مشروع (مصر قوة اقتصادية كبرى) والذي سيتكمن من رؤية ثماره بكل وضوح وبالتفصيل من سيعيش حتى العام 2025 وهو تاريخ ليس ببعيد في حسابات النهوض الاقتصادي للأمم.    الفلوجة.. مدينتي الذكية كنت في الفلوجة وطني الصغير البائس عندما سقط نظام صدام، ولطالما اثارت هذه الحقيقة التافهة العديد من الاصدقاء لأتهم عرفوا الفلوجة كرمز للمقاومة الدينية في العراق، أما أنا فلم أجد شيئاً مثيراً في هذه المصادفة ببساطة لأنني كنت وأكثر من ستمائة الف انسان نحتمي بحيادية هذه المدينة من أمية الحرب المخيفة القادمة من وراء المحيطات ليس أكثر.ليس هناك في هذه المدينة ما يسيل له لعاب أي آلية عسكرية؛ حسناً ربما قاعدة الحبانية، لكنها بعيدة تماماً أكثر من 30 كيلومتر عن الفلوجة، وبعض منشئات التصنيع العسكري التي كانت - تقنياً- تعد متوقفة عن العمل منذ حرب الخليج الأولى     1991  وهي تبعد أكثر من 38 كيلومتر عن الفلوجة.الفلوجة ستراتيجياً لحرب تريد اسقاط نظام ديكتاتوري يمتلك سلاح دمار شامل (حسب السبب المعلن للحرب) تعد مدينة آمنة تماماً.ليس في ذاكرة المدينة أي إيجابية لمرحلة حكم صدام، عمر الفلوجة يتجاوز الألفي سنة - قد يبدو هذا مفاجئاً لسكان نيويورك ولندن وحتى لسكان بغداد لكنها الحقيقة التأريخية- لكن صدام وحكومته لم يولوا المدينة أي رعاية أو اهتمام كحال باقي مدن العراق المهملة، يعمل معظم أهل المدينة بالتجارة لأن مدينتهم هي الممر الوحيد لبغداد تجاه عمان، هذا الممر البري الذي اضطر العراقيون لاستخدامه طيلة سنوات الحصار (1990-2003)؛ ومنهم من يعمل بالصناعات الوسيطة لأن الفلوجة تحتوي على ثاني أكبر حي صناعي في العراق بعد حي النجف الصناعي وهو منطقة ورش صناعية صغيرة ومتوسطة مترامية الاطراف دائمة التوسع لتصليح السيارات وينتشر به عدداً مهماً من المصانع الأهلية الصغيرة، غالبية سكان المدينة من السنة وهناك نسبة لا تتجاوز 6% من العوائل الشيعية التي نزحت للفلوجة بعد حرب الخليج الأولى عندما تعرضت مدنهم الجنوبية لعمليات عسكرية واسعة، اضافة لما لا يزيد عن 0.5% من غير المسلمين (مسيحيين وصابئة) وهم من العوائل العريقة جداً في الفلوجة (ما ييزيد عن 60 سنة).لن أنسى الشيخ عبد العزيز السامرائي الرجل الذي أعتبره من أعلام الفلوجة وهو شيخ أول الجامع الريس في الفلوجة وعلى يده تتلمذ معظم شيوخ وفقهاء محافظة الانبار في أوائل القرن العشرين؛ حديثاً لم يبق أحد من تلامذته تقريباً في الفلوجة ولم يبق من ذكره إلا جامعه الذي يسمى الجامع الكبير - بالرغم من أن أهالي القلوجة بنوا جوامع كثيراً معظمها أكبر من ذلك الجامع بكثير- لا ادري لماذا اذكره لكنه حقاً علامة فارقة في شخصية المدينة.بالنسبة لي انتهت خلفية المدينة لا شي يمكن أن يضاف أكثر، كل ما يمكن أن يضاف لا يعد خاصاً بالفلوجة فهي تتشابه في باقي الأشياء الى حد التطابق مع معظم مدن العراق.أما تقيمي للتوجهات التي سبقت التوتر الذي عاشته الفلوجة والتميز الذي اكتسبته بعد احتلال العراق كمدينة مقاتلة فهي كما يلي؛- الفلوجة مدينة تحتوي على رؤس أموال تعد بمقاييس الاقتصاد العراقي (مرحلة حكم صدام) رؤس أموال هائلة* نمت عبر فترة طويلة من الزمن وهي بأي حال من الأحوال ليست الوحيدة فهناك مثلها في بغداد والنجف والبصرة أيضاً؛ بالرغم من أن الاغلبية الساحقة من مواطني الفلوجة كما في المدن التي سبق ذكرها هم من الفقراء جداً.- هنالك تيار ديني سلفي متشدد في الفلوجة ضعيف جداً لكن أتباعه متشددون جداً لحد العمى وقد بدء أتباعه يزدادون شيئاً قليلاً بعد حرب الخليج حيث زادت معدلات الفقر والبطالة وبالتالي انتشرت روح اليأس والكراهية شيئاً فشيئاً في أنحاء العراق (هذا التيار كان منتشراً أيضاً في المول والرمادي وبعض أحياء بغداد).- في الفلوجة عدداً جيداً من ضباط الجيش ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة وهم كباقي ضباط الجيش العراقي لا يدينون بأي ولاء لصدام وحكومته برغم ما أشيع عن ضباط الجيش العراقي من دعايات (وهذا الأمر يعرفه كل من عاش في العراق وشاهد انكسار النفسية العسكرية للضباط العراقيين على يد القائد الأكثر هزائم في تاريخ الجيوش صدام).- مايعرف بالجهاز الجزبي في الفلوجة وهم مسؤلوا حزب البعث كان الكيان الأضعف والأكثر خوفاً من الحرب‘ بسبب سوء سمعته على مدى تاريخ البعث في الفلوجة، بالطيع هذا الجهاز لم يرتكب مجازر أو جرائم ابادة جماعية لكنه عبر أشخاصه ومؤسساته كان متورط في العديد من التجاوزات والانتهاكات اللاقانونية واللااخلاقية في المدينة واتباعه متهمون بالولاء لنظام قمعي يصادر كل انواع الحريات.- في الفلوجة عدداً لا بأس به من المثقفين ( أساتذة جامعة وصحفيين وفنانين وشعراء واعلاميين) كانو الأقل عدداً والأكثر احتراماً ووقاراً في المدنة باعتبار انهم يمثلون المستقبل الطليعي للمدينة.- هناك اربع أو خمس رجال دين يستمع أحياناً لرأيهم عندما يتعلق الأمر بالدين والأمور الشرعية من بين أكثر من 200  شيخ لا يعيرهم أهالي المدينة أي اهتمام.    *أستغل عدداً من تجار هذه المدينة موقع مدينتهم ليبرموا مع الحكومة العراقية - آنذاك- عقوداً مهمة للاستيراد (بلغت قيم بعضها مئات الآلاف من الدولارات) لم تكن الحكومة تستطيع تنفيذها بنفسها لوقوعها تحت طائلة العقوبات الاقتصادية، مما جعل البعض من تجار الفلوجة من أهم المستوردين المحليين طيلة أعوام اعادة إعمار العراق بعد حرب 1991     هل سيأكلنا المالكي .. هنيئاً مريئاً؟؟16/10/2009شيئاً فشيئاً تزحف باتجاهنا الانتخابات البرلمانية فيستشعر داخل العراق منذ بواباته الحدودية آثار اللهفة العارمة للمتواجدين على المسرح السياسي بالبقاء وإطالة البقاء أعوام أخر، ويتسائل القريب والبعيد لماذا لم يعُد هنالك من جديد وجوه في هذا المسرح السيء الصيت والسُمعة، كيف نربط تأريخياً –إن أردنا أن نؤرخ- بين الفشل الشديد الذي مُنيت به الأحزاب والمؤسسات السياسة ورجالاتها واندحار نواياهم من جهة وبين تكرار ذات الوجوه والاسماء على الناس كخيارات جديدة بعد سنوات من دفع غرامة الاختيار السيء الذي ورطوا أنفسهم به.جميعنا يتسائل والعالم أيضاً يوجه لنا ذات السؤال على ماذا يتنافس الفاشلون؟ أعلى إختبار طرق جديدة للفشل؟ أم على تأكيد الهزيمة والخُسران الذي ألحقوه ويلحقوه بأنفسهم وبالعراق شعباً ووطناً يوماً بعد يوم؟ الم نتخلص من احادية السلطة وديكتاتورية الحاكم وبيروقراطية الدولة وعسكرتارية الحكومة وشوفينية المؤسسة الأمنية؟  ألم نخرج من نفق هيمنة القائد الأوحد لننطلق في رحاب التبادل السلمي للسلطة وفصل السلطات واللامركزية الادارية كمعطيات لا محيد عنها لتحقيق المنهج الديمقراطي لبلد نال على يد الديكتاتورية ما يكفيه؟ اذا كان الجواب بنعم فأين الوجوه الجديدة والقوى الوطنية التي ينبغي لها أن تحل بديلاً منطقياً للقوى المتسلقة التي أوغلت في البلاد تخريباً وتمزيقاً وتشويهاً حتى عاد من الصعب التفكير بمخرج معقول من كل هذا اللامعقول الذي يحيط بنا.الجواب يتضح برصد التحركات والقرارات اللادستورية واللاقانوينة التي يمكن وصفها بالتوسعية والتي تصل حد الاستبدادية أحياناً للسيد (نوري المالكي) كرئيس لوزراء حكومة دولة العراق كنموذج لسيادة فكر الهيمنة والتضيق ورفض الآخر وتحجيم فرص التغيير، فنجد أنه وبعد خلافاته الجدلية مع رئاسة الجمهورية تلك الخلافات التي أدعوها بمنتهى الدقة خلافات صبيانية وبروتوكولية داخلية أودت بالقيمة والوضع البروتوكولي الخارجي لدولة العراق برمتها، وصراعه العلني- المخزي مع مجلس النواب الذي ينوء بأعباء صياغة واقرار قوانين من شأنها أن تغير خارطة المستقبل لأجيال كاملة والى الأبد، ذلك المجلس الذي يعاني من تركيبته غير المتجانسة بل والمتناحرة علناً حد الاحتراب والاقتتال بكل أنواع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، نرى أن السيد رئيس الوزراء الذي إختزل بانفراد غريب كل مجلس الوزراء، نراه يأبى الا أن يكون سكين الخاصرة لذلك المجلس النيابي المرهق بذاته، فيشاكس المجلس ويصطدم به ويشوش على مسار برنامجه ويعرقل اداء مهماته ولا يتورع بالتصريح شخصياً وعلى نحو صدامي فج بأنه يقف بالضد إزاء المهام الرقابية للمجلس.هذا الرجل - القائد الذي أوشك أن يبذل حياته الشخصية قبل عامين في مواجهة المليشيات المفرطة الوحشية وخسر معظم أصدقائه الأكراد في سبيل مواجهة الاستخدام السيء للصلاحيات الدستورية للأقليم، هذا الي خسر نصف حزبه من أجل أن ينال ثقة أكثر من نصف الشعب العراقي وأكثر من ثلثي المؤسسات والدول والأشخاص المراقبين للعملية السياسية العراقية، هو ذاته اليوم ومنذ عام تقريباً بدأ يمارس لعبة التوسع والاستحواذ غير المشروع على كل ما تقع عليه عياناه أو اذناه من مؤسسات غير حكومية وهيئات مستقلة وتنظيمات جماهيرية وقوى إجتماعية أو شعبية مما يستحيل في ذهنه السلطوي الى وجبة دسمة من الأصوات الانتخابية المُحمرة بفرن التبعية الساخنة والعاجلة لمجلس الوزراء الموقر.من أين نبدأ العد، والله لا ندري ولا نقدر لأني واثق ومتأكد من أنه قد نسي هو شخصياً كم من الهيمنة فرض خلال هذا العام، واي من الجهات قد ارتبطت برئاسة مجلس الوزراء وأمانته العامة، وأيها ما زالت تفرفر للافلات فتمارس الانزلاق اليائس ما بين اصبع (مسشتار) واصبع (اجراء) واصبع (لقاء) واصبع (توجيه) هام صادر عن دولته، وتلك أدوات الامساك المُنظم، والتي لاندري الى كم والى متى ستستمر بتفوقها بجمع البيض كله في سلة دولة الرئيس ومجلسه وأمانته العامة.لنتذكر ذكرى النديم لا ذكرى الشريك الشحيح وكم يغريني أن أتفرغ للبحث وربما سأفعل قريباً لأحصي بالضبط وبالحرف وبالارقام والتواريخ والاسماء الجهات والانشطة التي فرض مجلس الوزراء هيمنته عليها. (رياضة) بعد التدخل الاستعراضي الدراماتيكي للناطق باسمه على الدباغ في اشكالات اللجنة الاولمبية والحزازات النصف مفتعلة أتم الرجل جزاءا من مهمته في اخضاع اللجنة الاولمبية للتبعية الحكومية غير المباشرة والحق بما يشبه الالحاق الرسمي اتحاد كرة القدم العراقي بمزاج الحكومة، وبكثير من الوقائع وأطنان من التبريرات صارت اللجنة والاتحاد أبناءاً غير شرعيين للحكومة.(مواصلات) الحق مجلس الوزراء -لأسباب لا يعلمها أحد ربما لتوافر الخبرات التقنية لديه- هيئة الطيران المدني العراقي بمجلس الوزراء بعدما اجرى تعديلا بسيطاً على اسمها، وهي المسؤلة عن الطيران وتسير الرحلات المدنية والمطارات الدولية بجميع مرافقها الخ.(الثقافة) بعد نجاح خطة إخضاع دار الحكمة للأمانة العامة لمجلس الوزراء كتجربة فريدة، يتحرك المسشتار الاعلامي لدولة رئيس الوزراء السيد (ياسين مجيد) حثيثاً لتشجيع عدد من المثقفين العراقيين لتأسيس مجلس أعلى للثقافة العراقية يشرف ويرعى ويراقب وينتج الثقافة في العراق الحر الجديد على أن يكون تابعاً لمجلس الوزراء، وهو يؤكد دائما أن هذه هي رغبة السيد رئيس الوزراء الذي يطمح لرعاية الثقافة والتربع على عرشها التليد، وقد إستجابت المقادير للرغبة الرئاسية مؤخراً ونشرت وسائل الاعلام رسمياً نباء قرب إعلان المجلس الأعلى للثقافة.(إعلام) لا يخفى على أحد تبعية الهيئة الرسمية المستقلة الوحيدة للاعلام والاتصالات في وما يتفرع عنها من مؤسسات ومكاتب وأقسام مثل شبكة الاعلام العراقي والتدخل المباشر لرئيس الوزراء في عملها بل أنه صار يعقد لقاءات مع منتسبيها يجلسون أمامه كجلوس الرعية بين يدي الأمير، يفيض عليهم من وافر علمه بشؤون الفكر والفلسفة والدين، يعلمهم اسرار مهنتهم، ويدرس لهم الوطنية والاخلاص، ويأمرهم بالصلاح والقوام واجتناب الهوى واتباع ما ينزله عليهم مقامه السامي من ارشادات وتعميمات وتوجيهات، وينهاهم عن النقد والحياد والموضوعية ويُذكر لعل الذكرى تنفع المطيعين.(القطاع الخاص) باستغراب شديد قرأنا في الصحف وشاهدنا المالكي على شاشات التلفزيون يؤسس مكتب لرجال الاعمال العراقين يلحقه برئاسة الوزراء وعليكم أن تتسائلوا حتى صباح الغد ماذا ولماذا وكيف؟؟ ولن تجدو من يفهم حتى سؤالكم فكيف ستجدون من يجيب!وهكذا تستمر الانتصارات والفتوحات وتزداد الهيمنة مروراً (بالقضاء) الذي يذكرنا بالقصة المفتعلة مع القاضي (راضي الراضي) الرجل الذي عمل لخمسة سنوات كرئيس لواحدة من أعلى السلطات القضائية المستقلة بلا خطاء يذكر، وانتهى به الحال –على حين غرة- فاراً ولاجئاً الى الولايات المتحدة ولا يعلم لا هو ولا غيره ما جنى الرجل، ولماذا -ان كان متهماً- لا يتم اعلان تُهُمه ومحاكمته ولو غيابياً، وصولاً لتأميم آخر الحصانات الديمقراطية في دولة القانون المرتقبة وهو (منظمات المجتمع المدني) التي تجراء مجلس وزرائنا على إتخاذ خطوة لم يجروء حتى نظام صدام على مثلها وهي تأسيس دائرة رسمية أسماها (دائرة المنظمات غير الحكومية).المجتمع المدني العراقي الذي تأسس في أول اسبوع بعد سقوط النظام كقطاع وطني منظم وكمفهوم وممارسة حديثة وطموحة ربطت نفسها من جهة بالمنظمات والاتحادات والجمعيات العراقية العريقة التي كانت قد تأسست سابقاً ولها تاريخ طويل من العمل المدني لتكتسب الظاهرة هويتها العراقية الوطنية ومن جهة اخرى ربطت نفسها بالمجتمع المدني الدولي وتشريعاته وقوانينه واعرافه ومباديء عمله لتحوز القوة والأهلية القانوينة والقدرة على الاسهام في اقتراح وتطوير صيغ الحياة الجديدة لدولة العراق الناهضة هذه المرة كدولة قانون ومؤسسات ونهج ديمقراطي.هذا المجتمع المدني الذي سبق دخول الاحزاب الى العراق، والذي افرز تكويناته وتجمعاته وروابطه وشبكاته مبكراً عندما كان الذين عرفوا فيما بعد برجال السياسة في العراق يحثون الخطى سريعاً باتجاه بغداد المحطمة علهم يحضون قبل غيرهم ببنايات عائدة للدولة يغتصبونها مقرات لاحزابهم وحركاتهم وتياراتهم السياسية.تلك المنظمات التي إستوعب افرادها سريعاً خطورة الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي والصحي والبيئي والثقافي العراقي، وتنبهوا بفطنة اللبيب الحذق لسياقات العمل الدولي فشقوا طريقم بين المحن وبين الموت والموت، ليحوزوا بأحقية مهنية على دعم منظمات ومكاتب دولية دخلت الى العراق ببرامج تطويرية وتنموية معلنة، فعملوا بشرف يشهد به المانح الذي دفع الأموال قبل أن يشهد به المستفيد الذي عادت عليه تلك المشاريع بالنفع القليل أو الكثير من أبناء العراق في القرى والمدن وصغار الورش والاسواق والمعامل والمزارع والمدارس والجامعات والفرق الفنية وقاعات العرض والمطابع والمستشفيات ومحطات الماء وقنوات الارواء ووسائل الاعلام الوطنية.حتى الاحزاب تلقت مساعداتها الأولى على يد منظمات المجتمع المدني العراق ممدوداً بدعم المجتمع المدني الدولي، ولعل أكثر من نصف أعضاء البرلمان اليوم ومعظم أعضاء الحكومة لم ينسوا بعد ما تلقوه من تدريب وما أُشركو فيه من دورات تدريبية وورش عمل نظمتها وأعدت لها وأدارتها منظمات مجتمع مدني عراقية و(السيد المالكي) شخصياً وعدداً من مستشاريه كانوا من المواضبين يوماً ما على هذا النوع من التدريب لتنمية مهاراتهم السياسية والحوارية والادارية.ولكن يأبى السياسي العراقي إلا أن يبقى معبئاً ضد الآخر المستقل، (فان لم تكن تحت وصايتي ورهن أمري فأنت وأيم الحق لخطرٌ داهم أسعى بكل ما آتاني المنصب من نفوذ لاقصائك وتعطيلك)، فاختلف ساسة العراق الجديد في كل شيء ولم يدعوا مشتركاُ بينهم، إختلفو في الدين والمذهب والهوية والشكل والمضمون، إلا أنهم إتفقوا جميعاً وأبرموا ما يشبه العهد الضمني غير المعلن على أن يحاصروا هذه الظاهرة الصحية ويكبحوا جماحها وأن يعملوا جميعاً متوالين ومتتاليين –إن تسنموا مقاليد الحكم- على تأميمها بدءاً من الطبيب غير الممارس (أياد علاوي) بعبائته القومية ونبضه البعثي غير المنتظم، الى استاذ اللغة العربية (نوري المالكي) بنظاراته القديمة ولهجته التدرسية التلقينية ومنهجه الميال لاعادة إرساء النظام الشمولي، مروراً بالطبيب المتلعثم (إبراهيم الجعفري) بلحيته المذهبية وضميره الديني المستتر حد الغموض، جميعهم تواصوا بردم هذه الكوة والقاء قادتها في الجُب ان اقتضى الأمر عل سيارة أو طيارة ذاهبة الى بعيد تلتقطهم فتخلص رئاسة الوزراء الطموحة دائما من شرور رقابتهم وتدخلهم في الصغيرة والكبيرة إقتفاءاً لمصلحة الشعب والوطن.(نوري المالكي) أوتي من أسباب القوة والمنعة مال لم يؤتى بمثله أحداً ممن سبقه ممن رأس الوزارة في السنوات الست الماضية، وهو اليوم يمثل النموذج الأكثر واقعية للجشع السياسي وللرغبة في بلع المحيط، وهو حقاً يعمل بجد غير مسبوق لتأمين غاياته الرئاسية في مواسم الحكم وغاياته الانتخابية في مواسم الاحتكام، إلا أنه يمارس –على ما أرى- لعبة أكبر من أن يعي بنظره الضعيف ونظارته الصغيرة جميع عواقبها الوخيمة التي قد تصل الى حد انهيار النظام الديموقراطي برمته واحلال الفوضى السياسية بدلاً منه والى الأبد.وهنا دعوني أقول أنه وإن كان القائد الأوحد لوزارتي الدفاع والداخلية، وإن كان قائداً عاماً للقوات المسلحة التي تنتشر سيطراتها ونقاط تفتيشها على نحو غير مدروس ولا مجدي ولا مبرر وتزداد حتى إخترق بعض منها أو يكاد بيوت بعضنا، وإن كان (الزعيم) الأكثر محاباةً لشيوخ العشائر في الوسط والجنوب، وإن كان (المشجع) الأول للرياضة العراقية التي منيت بكل أنواع الخسارات، وإن كان (الراعي) الرسمي للاستثمار والمستثمرين غير الراغبين بالاستثمار في ربوع دولته المنهارة، وإن كان المُشمر الأول (والأخير) عن ساعديه في مواجهة الفساد الاداري الحكومي الذي نخر الدولة وقوض أركان بنيانها الضعيف أصلاً، وإن كان ماكان لكني وبمعرفة منهجية لا تقبل التشكيك أخبره (عموماً) وإخبركم (على وجه الخصوص) -لأنه لا يستمع لأمثالي- أنه لن يستطيع ابتلاعنا، وإن ساغت بعض اللُقم السمان لغفلةٍ أو لضعفٍ أو فسادٍ أو قلة وعيٍ أو حسن نيةٍ وصفاء سريرة، فان لقمة المجتمع المدني العراقي ستقف في الزور لأنها أكثر صلادة وأشد وعياً وأقل فساداً وأصلح نيةٍ وأكثر تشعباً وسعةً مما تظن ويظن مستشاروه ومعاونوه أنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين وغير المخلصين لا له ولا لدولته ولا لحكومته غير الرشيدة.     هل العراق وطن؟؟أتسائل بغم ماذا وراء تلك الدعوات التي يطلقها البعض ممن أعرفهم عبر مختلف وسائل الاتصال للتخلي عن المواطنة، ولماذا يسعد بها البعض وتلهف تمريرها الى الآخرين، دعوات تسخر وتتهكم على مفردة الوطن وتتملص من المواطنة وتستهجن فكرة العراق كوطن تصلح للتعاطي، ربما لا يجدي مع معظمهم النقاش لأنهم ناقمون على نحو كبير على أنفسهم أولاً وعلى مآلاتهم ثانياً، ولكني لا أستطيع منع نفسي من نقاش تلك الدعوات المتكررة مع بعض الأصدقاء الذين ألمس لدى بعضهم امتعاضاً شديداً مما يُطرح ويقال.في الأسبوع الفائت جمعتني بمنظمة أوربية سلسلة اجتماعات في العاصمة الأردنية عمان وكنت قد أنتدبت رسمياً للعمل كاستشاري في مشروع يتبناه الاتحاد الأوربي لتطوير مدن حوض البحر الأبيض المتوسط باتجاه تعميق معنى الثقافي للهوية الحضرية لتلك المدن، تلك المدن التي تشترك مع أوربا بحدود بحرية هائلة وجوار غير متكافيء مما يهدد باختلال كبير وخطير في التوازن الثقافي والاقتصادي والمجتمعي المفترض وجوده بين الجيران.وقد درات الاجتماعات واللقاءات والأحاديث وتشعبت النقاشات بغزارة حول مفهوم الهوية ومعنى المواطنة وامتدادات ظلال مشاكل الأوطان ومحنها على السلوك الاجتماعي والموقف النفسي لمواطني تلك الدول، ولم يكن شبح الوضع في العراق ببعيد عن تلك الأجواء المفعمة بالتحليل والتأويل النفسي والاجتماعي، تداولنا وضع اللاجئين الأفارقة والآسيويين وبضمنهم العراقيين في أوربا، حيث يتم قبول موجات بشرية تعد بمئات الألاف سنوياً من الفارين من الدول المنكوبة الى القارة الأوربية طلباً للشعور بالأمان وتأميناً لحيواتهم وبعض ممتلكاتهم أحياناً، وما أبدته تلك الدول (الأوربية) من كرم حاتمي تجاه هؤلاء اللاجئين أو تجاه معظمهم وما تبديه مجتمعات تلك الدول من جفوة اجتماعية تجاههم تتسبب في عزلهم على نحو غير ملحوظ عن الثقافة المجتمعية لتلك الشعوب ناهيك عن عدم قدرة القادمين الجدد على هضم الثقافات الجديدة والتأقلم معها على نحو منتج.ففيما يبدو الأمر في منتهى الرومانسية في البدء من وجهة نظر اللاجئين اللذين يعملون على استبدال أوطانهم كما يستبدلون قمصانهم الممزقة مثلا بقمصان جديدة تُغسل وتُكوى وتُصان على نفقة المانح الكريم، الا أنهم سرعان ما يواجهون أسئلة مصيرية عن معنى تواجدهم في بلدان تمنحهم أوراقهم سماتها الرسمية وتصدر جوازات لهم فيما بعد الا انها أوطان تشكلت من شعوب لا تُبدي اي قدر من التفاعل الايجابي معهم وهي شعوب بأفضل الاحوال غير معنية بالقادمين الجدد من وراء البحار،  ولا نفضح سراً اذا ما قلنا أن معظم هذه الشعوب غير مسرورة بوجود الغرباء على أراضيها لمدى طويل، ولا يخفى على أحد أن ذات الدول التي أظهرت –قانونياً-  منتهى اللياقة والكرم في التعامل مع اللاجئين هي ذاتها التي شهدت صعوداً سياسياً لتيارات اليمين المتشدد الذي يتوعد بالتضيق في مسائل التعامل مع اللاجئين، وان ذلك قد جاء كرد فعل طبيعي – كما يرى الخبراء- من شعوب تلك البلدان استجابة للتحدي المفروض على أصل الهوية الثقافية والمجتمعية لبلدانهم.وهنا يمكننا ان نتفهم موقف اللاجئ الذي بات يشعر بالاغتراب مضاعفاً مما ينعكس على انتمائته القديمة بأن يسعى حثيثاً لمكافحتها والتخلص منها بلا جدوى، مما أستطيع من خلاله تفسير الميول الغريبة لدى الكثير من الأصدقاء الذين باتوا يتسائلون بيأس واضح عن معنى أن يكون الانسان عراقياً في دعوات جماعية لاستنكار هذا الانتماء الذي عاد –برأيهم- يهدد انتمائاتهم الجديدة الموعودة والتي ينتظرونها على أحر من الجمر.أخبرتني صديقة المانية تعمل على اعداد ورقة بحث مدينة عمان بقصة جانبية عن نفسها، حيث روت أن سيرة طويلة عن المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وهي التي نشرت رسالتها لنيل الدكتوراه عن التحولات الثقافية لألمانيا ما بعد الحرب، ولدت هذه الصديقة بعد جيل الثورة الطلابية التي حدثت في برلين 1968 والتي زامنت ثورة الطلاب في باريس، ومن حسن أو سوء حظها فقد تلقت تعليمها في الولايات المتحدة بعيداً عن الأزمات الاخلاقية التي واجهتها المانيا في تلك المرحلة، مما جعلها –كما ترى- تشعر بالمحنة الثقافية والاجتماعية التي يحياها الفرد بعيداً عن وطنه ومنبع ثقافته الأصلية، وهي تُقدر أن نصف جيلها من الالمان غادروا مثلها مما جعلهم على -سبيل المثال- وهم الجيل الذي يقود المانية اليوم لا يعرفون أي أغنية فولكلورية ألمانية، ولا يتادولون أي نكات باللهجة الالمانية المحلية ويتقدون العديد من الأشياء التي تجعلهم يشعرون ازاء المانيا كوطن ببرود هم أنفسهم يستهجنوه ويعترفون به ويستشعرون مدى خطورته.عندما تحدثت أنا بدوري عن العراق كوطن وبغداد كمدينة وهوية تناولت الجانب الثقافي منها وهو ما يعني السامعين، وكانوا قد أعجبوا جميعاً بشريحة العراقيين المقيمين في عمان ومدى قدرة هذه الشريحة -المثقفة جداً برأيهم- على انتاج معادل للهوية الوطنية التي تتسم بأنها ثقافية واجتماعية على نحو متميز، فهم الأكثر حيوية ابداعية وهم الأكثر تواصلاً اجتماعية وهم الأشد احساساً بأهمية المكان وقدرته على تأمين متطلبات السعي للعيش والعمل على الابداع، تحدثت أنا عن بغداد كمكان غير اعتيادي وغير سوي احياناً ينتج الكثير من التحديات على المستويين الشخصي والمجتمعي ويراكم الانهيارات والاحباطات على أصعدة السياسة والاقتصاد، ولكنه ذات المكان الذي يدفع للتجمع واللقاء ومواصلة التحدي وانتاج المعارف، ولم يكن حديثي يقتصر على بغداد الحالية بل بغداد منذ تأسيسها واشكاليات قيامها على اثر انقلاب عسكري- سياسي عصف في امبراطورية بني أمية الشاسعة الأطراف لينتج مدينة الحلم للثائرين ومدينة المحنة لغير المتفاعلين مع معطيات تلك الثورة.كلما جرى ويجري في بغداد من أحداث السياسة وتاريخ الحروب مدان من قبل الكثيرين على طول الخط، ولكنه المسؤل المباشر عن تأجيج دوافع الابداع لدى العراقيين منذ أبو حنيفة الرافض لسياسات القمع العباسي ولغاية آخر المبدعين العراقيين على اختلاف اجناس الابداع والثقافة التي عملوا ويعملون عليها، بغداد هي قبلة الجدل المذهبي في الاسلام وهي مرجع النظريات النقدية في الفنون وهي مقصد الباحثين عن الحداثة في الأدب وهي أصل الهويات الفرعية التي أنتجتها منطقة الشرق الأوسط منذ القرن السابع للميلاد، وهي التي أسهمت جدياً في تشكيل معنى الثقافة العربية وأنتجت روحها المتوسطة والمعاصرة.فقد أنتجت بغداد أربع من المذاهب الأسلامية الخمس الأشهر، وأطلقت مدراس التصوف التي عارضت المناهج السلفية في فهم وتفسير الدين، وفيها انتعشت أهم وأشهر الطرق الصوفية، وأعادت بغداد لشعر العرب رونقه مراراً على يد شعرائها المحدثين الكبار منذ أبو نؤاس وصولاً  بدر شاكر السياب، وهي التي أسست لفقه اللغة منذ الأصمعي وحتى مصطفى جواد، وهي التي أبدعت سلالم المقامات الموسيقية المتداولة في المنطقة وتبنت اشكاله النغمية الهائلة التنوع والغنى منذ ابراهيم الموصلي وحتى محمد القبانجي، وهي التي بدأت التشكيل منذ يحيى الواسطي وحتى جواد سليم، وهي التي أنتجت الخط وأنارت العالم بقبس جماليات الحرف العربي منذ ابن البواب الى هاشم البغدادي، وهي التي وهي التي الى مطلع الفجر.هذا هو المفهوم المعاصر لمعنى الهوية الحضارية وهذه هي قدرة العراق على أن يكون وطناً لأناس يغيرون الأوطان ويصنعون الهويات، وهذا هو الجدل السائر اليوم في منتديات العالم المتقدم يتباحث المنخرطون به في ايجاد سبل جديدة للاستنهاض هويات قديمة وتعزيز دورها في تنقية مصائر البشر من مغبات الانحياز لهويات أخرى ترفضهم وتلفظ كينوانتهم الاجتماعية التي تسعى للتكون في محيط جديد غريب.عندما نحاول اعادة صياغة تعريف الوطن فهذا يعني أننا بخير، وهو دليل وعي وطني متجذر فينا، ولا ابالغ اذا ما دعوت هذا السؤال مؤشراً حقيقاً على وعي العراقي بمسؤليته تجاه الهوية كمعنى ثقافي منفتح على جميع الاجابات المستندة الى المنطق الزماني والمكاني والتارخي والاخلاقي، مما يجدد القدرة لدى العراقيين على استيعاب وهضم متغيرات المراحل الزمنية ويؤهلهم لصيانة وترميم دوافعهم الابداعية للتمكن من سبل المعرفة الكونية المعاصرة على وفق منطلقات أخلاقية تنويرية متنبناة بصدق وعمق، ولكن عندما ننسل - بحسن نية كما أفترض- الى رفض الوطن واجترار المواطنة وتفكيك معنى الهوية فاننا سنكون قد أوغلنا في الضياع بعيداً عن أي انتماء اخلاقي يؤهلنا للعيش في هذا العالم كمنتجين للثقافة وبالتالي هو مؤشر خطير لجهة انحدار الاجيال القادمة لمستويات معرفية واخلاقية قاتمة قد نكون نحن من يتحمل مسؤليتها بالاضافة لقوى الدفع الكبيرة التي تحيط بنا مودية أو تكاد بكل أسباب وجود بصيص الأمل في مستقبل الأجيال التي تتوارثنا.هذه الأجيال التي تستحق منا أكثر من طلب اللجوء لتأمين الحياة والتعليم الاساسي لهم، هذه الأجيال التي لن تسامح من يفرط في حقها بالتواجد ضمن خارطة المجتمع الدولي المتآزر ثقافياً، هذه الأجيال التي ستثور علينا يوماً كما ثار طلاب باريس وبرلين على أساتذتهم بسبب بحثهم العنيف عن اجابات مقنعة لتساؤلاهم حول معنى وجودهم في أوطان لا يرغبون بها جزئياً أو كلياً.